حرب أوكرانيا تعيد نبش ملفات “خلافية” بين موسكو وواشنطن !
لم يعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا التي أمست تُقاتل بالوكالة عن الولايات المتحدة والغرب عموماً، محصوراً فوق الأراضي الأوكرانية وفي مجاله العسكري. وإنّما تخطاه لمجالات أوسع وأعمق، باتت تؤسس لشرخ عامودي بين الطرفين، وربّما يصعب رأبه أو ترميمه في المستقبل.
ورقة العقوبات الاقتصادية
فبعد نزاع العسكري، ثم ورقة العقوبات الاقتصادية على “روسيا الدولة” وعلى رجال الأعمال والمستثمرين الروس، عادت ملفات أخرى تظهر وتطفو على سطح الخلافات بين الدولتين، مثل الاتفاقات النووية والعضوية في منظمة التجارة العالمية، والتعاون في مجال الفضاء، وخلافه.
من بين هذه الملفات، يعود اليوم ملف “صندوق دعم الديمقراطية” ليُحيي التُهم الروسية تجاه هذا الصندوق، بدعم المعارضين الروس وبمعاداة موسكو، التي كانت قد أقفلت هذا الملف في العام 2015، يوم حظرته واعتبرته جهة “غير مرغوب فيها” على الأراضي الروسية، نتيجة إتهامه بتغذية الاحتجاجات ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، ودفعه إلى التنحي في حينه.
هذا الصندوق تضعه موسكو اليوم مجدداً في منزلة “المنظمات التخريبية” ولا تتوانى في ربطه بجهاز الاستخبارات الأمريكية (CIA) فتتهمهما معاً في زعزعة “استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي” داخل روسيا، من خلال العودة مجدداً اليوم إلى دعم المعارضين الروس من بين الشخصيات العامة في مجال السياسة والثقافة، ومن الذين باتوا في نظر موسكو “يضعون أنفسهم في خانة الغيارى” على مصير روسيا.
تكشف الأوساط الروسية أنّ الصندوق، أنفق على مدى السنوات القليلة الماضية التي سبقت الحرب في أوكرانيا، ملايين الدولارات (نحو 15 مليوناً) على منح ومشاريع داخل الروسي، مخصّصاً إياها في مجالات تطوير إمكانات الناشطين الروس، ودعم أعمالهم في إيجاد حلول لما يعتبره الصندوق “أزمات منهجية” في مجال الديمقراطية وحرية الرأي، وذلك عبر مشاريع تهدف إلى إنشاء منصات للأخبار مستقلة والمواد التحليلية حول روسيا، وهو ما تظهره بالفعل إحصائيات الصندوق المنشورة على موقعه الرسمي.
وفي إطار تبادل التهم، تقول الأوساط الروسية إنّ هذا الصندوق، يستخدم بعض المنظمات والهيئات غير الربحية للاطلاع على نتائج الانتخابات، التي تُنظم داخل روسيا “من أجل التأثير على القرارات التي تتخذها السلطات الروسية”، وكذلك من أجل “تشويه سمعة الجيش الروسي” في حربه على الأراضي الأوكرانية، معتبرة في الوقت نفسه أنّ ممثلي المعارضة الروسية إن كانوا في الداخل أو في الخارج، “يتحوّلون مع الوقت إلى عبءٍ على الغرب عموماً” خصوصاً أنّ هذه الأموال “تذهب من طريق المواطنين الغربيين” لجهات أجنبية خارجية.
الصندوق الذي يُعرف اختصاراً بـ(NED) هو منظمة مقرها الولايات المتحدة، تأسست عام 1983 لتعزيز الديمقراطية خارج الحدود الأمريكية من خلال المجموعات السياسية والإعلام والنقابات والأسواق الحرة ومجموعات الأعمال. يموّله الكونغرس الأمريكي، ويقدّم من هذا التمويل المنح التي تُعنى بنشر الديمقراطية وحرية الرأي.
وقد سبق وتعرّض لاتهامات كثيرة من هذا النوع وفي أكثر من دولة آسيوية أوروبية وحتى عربية حول العالم.
بل أكثر من ذلك، فإنّه لم يسلم من نقد الأمريكيين أنفسهم. فبعض اليمين في أمريكا يتهم الصندوق بتبني أجندة مؤيدة لـ”الديمقراطية الاجتماعية”، ويقوم بالترويج لها في فروعه حول العالم.
اليساريون الأمريكيون
أمّا اليساريون الأمريكيون، فيعتبرونه “مبادرة يمينية” موجهة نحو سياسات الحرب الباردة، داخل أمريكا اللاتينية والاتحاد السوفياتي (سابقاً) وروسيا الاتحادية اليوم، همّه الأوحد “نشر الإمبريالية والأبوة الأمريكية”.
في مقال نُشر عام 2004 في صحيفة واشنطن بوست، رأى الكاتب مايكل ماكفول أنّ الصندوق هو “أداة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة”، مقارناً بين تصرفات صانعي السياسة الأميركية وأفعال الصندوق.
أمّا الكاتب بريندان آي كورنر فاعتبر بمقال على موقع Slate الأمريكي، أنّ الصندوق هو “إمّا بطلُ حريات لا يبغى الربح، أو مشروع للتدخلات الأيديولوجية في الشؤون العالمية”.
خلال تحقيق أجرته مجلة «بروبايليكا» المتخصّصة في التحقيقات الاستقصائية عام 2010، قال رئيس التحرير بول شتايغر آنذاك، إنّ “مؤسسي الصندوق اعترفوا منذ فترة طويلة أنّ جزءاً من جهدٍ أضيف إلى محاولات الانتقال من العمل السري إلى العمل العلني من أجل تعزيز الديمقراطية”، مستشهداً بمقابلة مع مدير الصندوق آنذاك ألين وينشتاين، قال فيها إنّ “ما يفعله الصندوق اليوم، قمنا به سراً قبل 25 عاماً عبر وكالة الاستخبارات المركزية” مستشهداً بجهود الاستخبارات خلال الثمانينيات والتسعينيات في “تحدي وتقويض” الحكومات اليسارية في تشيلي ونيكاراغوا.
الإدارات الأمريكية
ناهيك عن تُهم أخرى وُجهت للإدارات الأمريكية عبر هذا الصندوق، بدعم الاحتجاجات في تايلاند عام 2020 من أجل مواجهة حكومة البلاد الحكومة، وبوقوف الإدارة الأمريكية نفسها خلف الاحتجاجات، وهو ما نفته السفارة الأمريكية في بانكوك في حينه أيضاً.
أمّا في ماليزيا، فانتقد الناشط في مجال حقوق الإنسان باكاتان هارابان، قبل عام تحديداً (آب/أغسطس 2021) تحالف المعارضة لقبوله تمويلًا من الصندوق، الذي وصفه أنه “جبهة القوى الناعمة لوكالة المخابرات المركزية”.
كل هذا يزيد صبّ في الزيت على النار الملتهبة أصلاً بين واشنطن وموسكو، ويجعل الحلّ للحرب في أوكرانيا، أكثر تعقيداً وصعوبة في إيجاد المخارج.
المصدر : عماد الشدياق – القدس العربي.