أسباب خفيّة تحكم “بورصة الدولار” .. هل يبلغ الـ50 ألفاً؟
بات سعر صرف الدولار الحاكم والمتحكم بحياة المواطنين.. فمنذ ثلاث سنوات ينامون ويستيقظون على “الأبليكايشن” التي تظهر سعر الصرف في السوق السوداء، وتلحظ تغيره صعوداً ونزولاً لحظة بلحظة.
يرتفع الدولار وينخفض أكثر من مرة في الأسبوع، وحتى في اليوم الواحد يمكن رصد أكثر من سعر للشراء والمبيع، فبعد ثباته لفترة طويلة ما بين 30 و31 الف ليرة، سجل بداية الأسبوع ارتفاعاً قارب الـ34 ألفاً، ليعود في نهاية الأسبوع للانخفاض الى ما يربو على 32 ألفاً.
ما يزيد الغموض هو أن “منصة صيرفة” تعمل ولا تعمل. ومن غير المعروف حجم دورها في لجم الدولار عند هذه الحدود وهل تساهم في فوضى السوق أم في ضبطه؟ لكن بكافة الأحوال لا أحد يعلم لماذا يرتفع ولماذا ينخفض، وما هي الأسباب التي تتحكم بهذه العملة الصعبة، ومن الجهات المؤثرة عليها؟.
الدولار الجمركي: فور شيوع خبر توجه الحكومة الى رفع سعر الدولار الجمركي الى 20 ألف ليرة، سارع كبار التجار (السيارات والآليات والأدوات الكهربائية والأثاث والمواد الأولية والصناعية والزراعية والثياب وغيرها) للتهافت على شراء كميات كبيرة من الدولار الفريش من السوق السوداء قبل ارتفاع سعره، كونهم سيحتاجون الى كميات أكبر من الدولار لاستيراد نفس كمية البضاعة، ما أدى الى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق السوداء وبالتالي ارتفاع سعره.
خفض مصرف لبنان الدعم عن السلع والمواد الغذائية والأدوية والمحروقات ولا سيما البنزين الذي انخفضت نسبة دعمه على منصة صيرفة والاتجاه الى رفع الدعم الكلي عنه، بعدما كانت نسبة دعمه مئة في المئة على صيرفة، إذ صار تجار وشركات المحروقات بحاجة الى كمية دولارات أكثر لشراء الكمية نفسها التي يستوردونها، ما دفعهم الى تأمينها من السوق السوداء وهو ما زاد الطلب على الدولار.
المعلومات المسربة عن تقلّص احتياطات مصرف لبنان إلى ما دون الـ10 مليار دولار، وثمة حديث عن رقم 8 مليار دولار فقط، ما يؤثر على حجم التغطية النقدية لليرة اللبنانية، وما يضعف العملة الوطنية، وبالتالي يرتفع الدولار.
المناخ السياسي المتأزم المتوزع على شقين: تعثر تأليف الحكومة، والتوقعات بفراغ رئاسي لتعذر الاتفاق على انتخاب رئيس، في ظل الخلاف السياسي الداخلي وغياب مظلة أو مرجعية خارجية تضغط على الداخل لانتاج تسوية للأزمة الداخلية، الأمر الذي ينعكس سلباً على أسواق الصرف والتجارة والاستثمار ويبقي لبنان دولياً في مصاف الدول المتعثرة والمنهارة و”المغضوب” عليها من صندوق النقد الدولي، ويدفع المصارف والشركات الكبرى وحتى الأفراد الى زيادة مخزونهم من العملة الخضراء كملاذ آمن يقيهم شدة الأزمات وشح الدولار وارتفاع سعره في القابل من الايام.
فريق سياسي ـ اقتصادي ـ مصرفي معارض للعهد، يعمل على تسخين الساحة الداخلية في أعقاب مفاوضات تأليف الحكومة، وعشية بدء المهلة لانتخاب رئيس للجمهورية، للضغط على الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل وكذلك “حزب الله”، فيعمد الى التلاعب بالنقد الوطني وبسوق الصرف لرفع الدولار، لتأليب الرأي العام ضد فريق العهد ـ “حزب الله” ودفعهم لتقديم تنازلات في الحكومة والرئاسة وترسيم الحدود.
يترقب الاقتصاديون والمصرفيون استئناف التفاوض مع وفد صندوق النقد الذي سيعود في 21 أيلول المقبل لمساءلة الحكومة عن تأليف الحكومة و الاصلاحات، قبل توقيع الاتفاق لحصول لبنان على 3 مليار دولار. وعندما سيكتشف أن الحكومة والمسؤولين لم يفوا بوعودهم، سيؤجل الاتفاق 5 أشهر إضافية وفق المهل التي يعمل بموجبها الصندوق.
يعمد كبار المتحكمين بالسوق السوداء، من مصارف وصرافين وشركات كبرى، الى المضاربة في السوق وخداع صغار التجار والمضاربين بجمع الدولارات على سعر منخفض فيرتفع سعره بعد زيادة الطلب عليه، ثم يبيعونه بسعر مرتفع فينخفض سعره ثم يعودون لجمعه من جديد، ويحققون في كل عملية ارتفاع وانخفاض أرباحاً كبيرة.
وفّر المغتربون والسياح الذين قدموا الى لبنان بكثرة في موسم الصيف والاصطياف، كميات كبيرة من الدولارات التي يحتاجها السوق لتلبية الطلب، لكن بعد مغادرتهم انخفض العرض نسبة للطلب فأدى هذا الفارق الى ارتفاع سعر الصرف.
تبدد المناخ الايجابي الذي رافق اجتماع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مع الرؤساء عون وبري وميقاتي في بعبدا، والحديث عن اقتراب توقيع اتفاق الترسيم، ما أعاد مناخ الحرب الى التداول، ما يؤثر على الأسواق ويدفع التجار والأفراد الذين يملكون كميات كبيرة من الليرة لتحويلها الى الدولار، استباقاً لأي حرب تدفعهم لضمان الاستيراد أو السفر خارج البلاد للبحث عن الأمن والأمان.
خبراء اقتصاديون يشدّدون على أن لا سقف للدولار، والاتجاه العام دائماً الى صعود رغم تذبذبه الدائم، ويضعون الانخفاض الأخير للدولار في خانة “مناورات” السوق، على أن يعود للارتفاع، محذرين من أنه سيبلغ الأربعين ألف ليرة وربما الخمسين بين أواخر أيلول وتشرين.
المصدر : المرصد أون لاين.