تصنيف روسيا “راعية للإرهاب” سيهدّد العالم.. هل تلعب واشنطن بالنار؟
عماد الشدياق نقلاً عن “عربي 21”
تتعاظم ضغوط أعضاء الكونغرس على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أجل تصنيف روسيا “دولة راعية للإرهاب”، وتحظى هذه الخطوة بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، باعتبارها “رداً مناسباً على حرب روسيا في أوكرانيا”. لكن حتى اللحظة ما زالت إدارة بايدن، التي تتمتّع بهذه الصلاحية من خلال وزارة الخارجية، متردّدة في التأكيد على التصنيف، وذلك بخلاف الكونغرس الذي يبدي حماسة غير مسبوقة في تمرير قانون كهذا، وتعتبر رئيسة مجلس النواب الأمريكي المثيرة للجدل، نانسي بيلوسي، أنّه “طال انتظاره”.
الإدارة الأمريكية تبرّر تردّدها في تبنّي التصنيف بأنّه “ليس ذات أهمية”، لأنّ العقوبات المرتبطة به ستكرّر الإجراءات المعمول بها اليوم بموجب العقوبات المفروضة أصلاً على موسكو.. وحسناً تفعل، لأنّ ذلك سيهدّد -كما هو ظاهر- بنقل العالم بأسره إلى مكان آخر مختلف قد يكون عنوانه “تهديد الأمن والسلم الدوليين”، خصوصاً بعد التحذيرات الرسمية وغير الرسمية التي أطلقتها موسكو، واعتبرت فيها أنّ خطوة من هذا القبيل، ستكون بمنزلة بلوغ “نقطة اللا عودة” في العلاقات مع الغرب كلّه.
وجهة نظر موسكو
القنوات غير الرسمية في موسكو، تعتبر أنّ محاولات إعلان روسيا دولة راعية للإرهاب “ليس لها أساس”، لأنّ قواتها في أوكرانيا تعمل “بشكل مدروس” في التصدي للهجمات الصادرة من المراكز العسكرية التي تقاوم، وتسعى جاهدة إلى حماية المدنيين، وذلك “على عكس الجماعات القومية الموالية للقوات الأوكرانية”، التي تضرب البنى التحتية المدنية ومنشآت الطاقة النووية “بلا تمييز”، وهو ما تعتبره القنوات نفسها “شبيهاً لتكتيكات المنظمات الإرهابية”.
كما تُذكّر هذه القنوات بأنّ أوكرانيا ومليشياتها “أرهبت مناطق كاملة في دونباس”، مثل دونيتسك ولوغانسك على مدى ثماني سنوات، منتهكة بذلك اتفاقيات “مينسك”، من خلال إطلاق النار بأنواع محظورة من الأسلحة، لكنّ الولايات المتحدة “لم تتحرّك طوال هذه السنوات”. بل على العكس، فقد ساعد السياسيون الغربيون الأوكرانيين في “تطوير الحركات النازية من أجل غرس الكراهية للروس”، وهذا ما “مهّد الطريق أمام الهجوم العسكري الروسي”، الذي قد يتصاعد في حال دعت الحاجة العسكرية والميدانية، إلى حدود “استخدام ضربات نووية!”.
فالحرب في نظر موسكو اليوم باتت تصبّ “في خدمة المصالح الأمريكية”، إن كان في صالح شركاتها المصنّعة للأسلحة أو في صالح اقتصادها بشكل أوسع وأعم، فتذكّر موسكو بـ”الدور السلبي الذي لعبته الدول الأوروبية” بعد أنّ سمحت لأن تكون جسراً برياً وجوياً بين أوكرانيا والولايات المتحدة البعيدة خلف المحيط، لتوفير الأسلحة والإمدادات العسكرية المطلوبة في سبيل إطالة عمر الحرب ما أمكن.
التصنيف يهدد بنسف العلاقات
هذا في الشكل. أمّا في المضمون، فإنّ تردّد الإدارة الأمريكية بتصنيف روسيا “دول راعية للإرهاب”، يخفي، في ما يبدو، إدراكاً مبطناً لحجم المخاطر والتأثيرات التي تحملها الخطوة على الكثير من الملفات حول العالم. إدراج موسكو على هذه اللائحة التي تضم اليوم كوبا وكوريا الشمالية وإيران وسوريا، ومرشحين مثل السودان وليبيا والعراق، سيهدّد حتماً الملفات التالية:
– سيقلل من نطاق التعاون الدبلوماسي مع موسكو مستقبلاً، وسيهدّد بخفضها للتمثيل مع واشنطن أو حتى قطعه تماماً، وبالتالي سيتسبب بتوترات شديدة الخطورة تعيق الجهود المتعددة الأطراف، لمعالجة الصراعات والأزمات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
– سيجلب التصنيف عقوبات جديدة على روسيا، بما فيها حظر الصناعات الدفاعية والصادرات ذات الاستخدام المزدوج (مدني وعسكري)، إلى جانب مجموعة من القيود المالية وغيرها، التي ستترك أثراً سلبياً على حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً الدول والشركات التي ما زالت تحافظ على مصالحٍ تجارية مع روسيا، مما سيخلق حواجزَ جديدة وكبيرة أمام مشاركة روسيا في قضايا العالم، بالإضافة إلى فرض قيود إضافية على التفاعل الاقتصادي الأمريكي معها.
– التصنيف سيفتح المجال أمام الأفراد لمقاضاة روسيا في المحاكم الأمريكية، وهذا سيشكل إحراجاً كبيراً لأيّ إدارة أمريكية جديدة، في تعاطيها مع موسكو بأيّ ملف من الملفات المشتركة، وهي كثيرة جداً؛ إن كان في مجالات الفضاء أو في اتفاقات حظر انتشار الأسلحة النووية أو الصواريخ البالستية، أو حتى داخل منظمة التجارة العالمية وغيرها من المجالات.
– بخلاف ما يقوله البعض عن أنّ التصنيف سيبعث برسالة قوية إلى موسكو ويقلل من قدرة الكرملين على تمويل غزو أوكرانيا، فإنّه سيسدّ المنافذ أمام أيّ عملية سياسية-تفاوضية، ترمي إلى جلب روسيا إلى طاولة المفاوضات من أجل إنهاء الحرب.
– مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي الذي يتجاوز اقتصادات الدول المدرجة على قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، ونظراً لقدرة موسكو على التأثير بكثير من سلاسل توريد الطاقة والمعادن والمواد الخام المهمّة للصناعات حول العالم، فإنّ صدمة من هذا النوع، ستحدّ من تطور الاقتصاد العالمي الهش أصلاً، بل سيتلقى صدمات إضافية أكثر شدّة.
– التصنيف سيشكل سابقة بحق دولة تمتلك “حق النقض” (فيتو) داخل مجلس الأمن الدولي، وقد يعرّض الولايات المتحدة وشركائها لأنواع مماثلة من التصنيفات، من روسيا نفسها أو من الدول المتحالفة معها مثل الصين وغيرها من الدول الكبرى المشاركة في مجموعة “بريكس”، التي ستتضرّر مصالحها من هذا التصنيف، ناهيك عن “التشويش” الذي سيطال ممارسات الولايات المتحدة المتناقضة، حول ما تقوم به أو تفتعله من أزمات حول العالم ولا تعتبره “إرهاباً”، مثل ما هو حاصل مع “الحرس الثوري الإيراني” الذي تغض واشنطن النظر عنه لإنجاح مفاوضاتها مع إيران في فيينا، وهذا سيعرّض تصنيف روسيا إلى لتشكيك برؤية الولايات المتحدة وشركائها للإرهاب.
– التصنيف سيعيق التعاون الدولي في الصراعات العالمية وإدارة الأزمات الطارئة حول العالم، ويضع العراقيل أمام ديناميكيات عمل مجلس الأمن الدولي المتوترة أصلاً، بسبب تدهور العلاقات بين روسيا والصين من جهة، وبين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى. كما سيضعف عمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تلعب دوراً فاعلاً في احتواء الصراعات التي اندلعت في القارة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
– سيخلق أزمات لشركاء روسيا في “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، أي أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، التي تظهر قلقاً من أن يؤدي التصنيف إلى انهيار منطقة التجارة الحرة بينها، وبالتالي إلى زعزعة الاستقرار في دول حليفة لواشنطن في آسيا الوسطى، مثل جورجيا وتركيا، وبعض دول الاتحاد الأوروبي التي تتمتّع اقتصاداتها بصلات قوية مع روسيا.
– سيعرقل المحادثات حول النزاع في مولدوفا، ومناقشات جنيف الدولية حول جورجيا، والمفاوضات حول إقليم ناغورني كاراباخ، والحوار الذي تقوده الأمم المتحدة حول ليبيا ومالي وسوريا التي ستكون كلّها بخطر، وستجعل آفاق المفاوضات حولها أكثر صعوبة.
– التصنيف سيصعّب من مهمة هيئات الإغاثة العائدة للأمم المتحدة وشركات الشحن في تنفيذ إتفاقية الحبوب التي وقعتها أوكرانيا وروسيا ورعتها تركيا والأمم المتحدة، من أجل حلّ أزمة الحبوب العالمية، بحيث أن جهات كثيرة ستتعامل مع السلع المصدّرة عبر روسيا بحذر، وذلك خوفاً من تعرّضها لمخاطر قانونية وسياسية وأخرى تتعلّق بسمعتها. وربّما يؤدي التصنيف إلى انسحاب روسيا نفسها من الاتفاقية المذكورة، فيعود شبح المجاعة ليخيّم فوق الدول النامية وبقية دول العالم.
هذه الأسباب كلّها تضغط على الإدارة الأمريكية وتحضها على التفكير مرتين قبل الإقدام على خطوة كهذه؛ لأنّها “لعب بالنار” وتهديد للأمن السلم الدوليين.. فهل يقلب الكونغرس الطاولة فوق رأسه ورؤوس الجميع؟