عراك رئاسي زغرتاوي بين “الممانع” و”الثوري” و”التغييري”
كتب ألان سركيس في نداء الوطن مقالة بعنوان:
عراك رئاسي زغرتاوي بين “الممانع” و”الثوري” و”التغييري”
على رغم معرفة الجميع أنّ رئيس الجمهورية يُطبخ ويُعلّب في الخارج ويتمّ الإخراج في لبنان، إلا أن هناك شخصيات تعمل للتربّع على «عرش» الرئاسة الأولى مستفيدةً من لحظة التقاطعات الداخلية والخارجية.
بعد الإنتهاء من ضجيج الإنتخابات النيابية، دخل لبنان حلقة التكهن حول هوية الرئيس الجديد ولمن ستكون الغلبة، فهل سينتصر محور «الممانعة» مجدداً ويفرض الرئيس الذي يُريد، أو هل ستستطيع المعارضة، إذا توحّدت، قلب «الستاتيكو» القائم منذ العام 2016؟
وإذا كانت المعركة الرئاسية بحجم التسويات الخارجية، إلا أنّ الداخل يحاول التأثير على مجريات الأحداث، وفي السياق، يُحاول رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية حجز دعم «حزب الله» بينما يصطدم بعقبة أساسية وهي عداوة رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل ومنعه من الوصول إلى بعبدا.
ومن جهة ثانية، يسعى كل من باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع إلى أن يلعب دور صنّاع الرؤساء بعد عدم إعلان أي واحد منهما الترشّح رسمياً للرئاسة، وبالتالي فبعد الخروج الطوعي من السباق الرئاسي باتت كل الإحتمالات مفتوحة.
واللافت أيضاً أن المعركة قد تأخذ شكل صراع زغرتاوي داخلي، فقضاء زغرتا ـ الزاوية من الأقضية المؤثّرة في السياسة المسيحية، ويُعتبر يوسف بك كرم من أهم القادة الذين مرّوا بتاريخ زغرتا، فهو الذي واجه السلطنة العثمانية ورفض أن يحكم جبل لبنان متصرّف مسيحي غير لبناني.
وفي التاريخ الحديث، عرفت زغرتا صراعاً سياسياً وعائلياً كان دموياً في بعض المراحل. ففي عهد الرئيس كميل شمعون كان آل الدويهي يمثلون السلطة، بينما وقف الرئيسان سليمان فرنجية ورينيه معوّض في صفوف المعارضة، ومع بزوغ فجر العهد الشهابي بات معوض حليف الشهابية بينما بقي الأب سمعان الدويهي إلى جانب الرئيس شمعون، وكانت إنتخابات 1970 مفصلية، إذ فاز سليمان فرنجية بالرئاسة مدعوماً من «الحلف الثلاثي» على مرشح «الشهابية» الياس سركيس، وأتت الحرب وسيطر تيار «المرده» عسكرياً، واستفاد من النفوذ السوري لتثبيت زعامته وقبضته بعد «الطائف» خصوصاً ان منافسه الزغرتاوي تلقى ضربة قوية تمثلت باغتيال الرئيس معوض. وخيضت إنتخابات 2022، وقد تنافست عدة قوى على أرض زغرتا، وفاز النائب طوني فرنجية على أساس أنه حليف «حزب الله» والرئيس بشار الأسد وفي صلب محور «الممانعة»، لكن المفاجأة كانت بحلول رئيس حركة «الإستقلال» ميشال معوّض أوّلَ بعدما خاض الإنتخابات على أساس أنه «قوى تغيير»، وتمثّلت النتيجة غير المتوقعة بفوز ميشال الدويهي الذي خاض الإنتخابات على أساس أنه «قوى ثورة»، وبالتالي فقد انقلب الجو السياسي في زغرتا رأساً على عقب وأُطيح بسيطرة آل فرنجية.
لا شكّ أن مجلس 2022 مشتّت، فلا يوجد أي فريق يملك الأكثرية، وإذا تُرك للّبنانيين إختيار الرئيس ولم يلجأ أحد إلى التعطيل فإن كل فريق يقوم بـ «بوانتاجات» من أجل تحقيق الفوز، مع أن الفراغ يبقى المرشّح الأبرز.
ويعمل سليمان فرنجية بكل قواه من أجل الوصول إلى الرئاسة، فمن جهة يكثّف إتصالاته بالروس والسوريين والإيرانيين، ومن جهة ثانية يسعى إلى حشد دعم «حزب الله» والحلفاء.
أما المعطى الذي دخل على الخطّ فهو الحوار الدائر بين قوى التغيير وعلى رأسها معوّض وبين نواب الثورة، وبدا لافتاً إعلان النائب مارك ضو الذي يُعتبر «زمبرك» الحركة إمكانية ترشيح إما معوّض أو النائب نعمت إفرام.
ولا يبدو معوّض متحمساً لخوض الإستحقاق الرئاسي مع أن حظوظه ترتفع في حال توحّدت المعارضة ولم يتم تعطيل النصاب، فخطابه سياديّ بامتياز ولديه علاقات خارجية أبرزها مع الأميركيين ولا تعارض الكتل الكبرى في المعارضة وعلى رأسها «القوات» و»الكتائب» وصوله، لكن رفض «حزب الله» لإنتخاب شخصية مثل معوّض لديها خطاب واضح تجاه سلاحه يقف حجر عثرة في طريق وصوله إلى بعبدا، إلا إذا حصلت تسوية كبرى ادّت إلى انتخابه.
لا يمكن التكهن بمسار الإنتخابات قبل نضوج الحوار بين قوى التغيير والثورة والشخصيات المستقلة، وقبل اتفاق هؤلاء مع «القوات اللبنانية» التي تملك أكبر كتلة معارضة، في حين أن بعض نواب الثورة يريدون طرح مرشّح من صفوفهم، لذلك قد يقع الخيار على النائب ميشال الدويهي إبن زغرتا لأنه الماروني الأكثر تسييساً بين رفاقه ويرضي باقي أطراف المعارضة، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من التشاور.
وهنا يُطرح السؤال الكبير هل تصبح المعركة الرئاسية زغرتاوية بامتياز وتنحصر بين فرنجية «الممانع» ومعوض «التغييري» والدويهي «الثوري» مع أن الدلائل تشير إلى إمكانية توحد قوى الثورة والتغيير والمعارضة على اسم؟ أو إن المعركة في مكان آخر وما يحصل حالياً طرح أسماء لحرقها إلى أن يحين موعد التسوية الكبرى؟