الخطر ما زال قائماً في مرفأ بيروت والصدمة تتجدد !
بعد عامين من انفجار مرفأ بيروت عاد مشهد الحريق والدمار إلى لبنان، حيث عاش المواطنون الصدمة من جديد مع تجدد لحظات الخوف والقلق بانهيار ثلاث صوامع للحبوب عند الواجهة البحرية للعاصمة في المكان نفسه الذي تعرض لانفجار هائل في الرابع من أغسطس (آب) 2020، وأودى بحياة 230 ضحية 6 آلاف جريح من جنسيات مختلفة.
ولم يكن المشهد وليد اللحظة وإنما نتيجة حريق اندلع في السابع من يوليو (تموز) المنقضي، ولم تتمكن الجهات الحكومية من السيطرة عليه على الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على نشوبه في أكداس القمح المتعفنة، وصولاً إلى تخلخل أساسات الأجزاء الشمالية من الإهراءات ووقوع انهيار جزئي.
ولفت وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال اللبناني علي حمية إلى أنه من المتوقع انهيار أجزاء جديدة من إهراءات القمح في مرفأ بيروت، كاشفاً عن أن “الصوامع من الجهة الجنوبية انفصلت عن باقي المبنى وهي مهددة بالانهيار، لكن ما يحصل لا يؤثر في حركة المرفأ”.
لا بد من الحيطة
وفور انهيار الصوامع ارتفعت سحابة كبيرة من الغبار وبدأت الانتشار في الهواء مما أثار مخاوف المواطنين، وشهدت العاصمة سلوكاً جماعياً من قاطنيها باستعمال الكمامات وإقفال الشبابيك والبقاء في المنازل.
كما طالب سكان العاصمة أصحاب المولدات بالتراجع الموقت عن سياسة تقنين التيار للسماح لهم بتشغيل المكيفات في ظل موجة الحر ودرجات الحرارة القياسية التي يعيشها لبنان في ظل غياب الخدمات الأساس.
الأكاديمي في جامعة “القديس يوسف” شريل عفيف قال إن “تركيبة السحابة التي انطلقت في سماء العاصمة تتكون من غبار الأسمنت ومواد البناء التي تتألف منها الإهراءات والغبار الناتج من الحبوب المتعفنة”.
واستبعد عفيف وجود مواد خطرة كيماوياً مثل الـ “أسبستوس” بناء على دراسات أجراها فريق بحثي عبر تحليل عينات من مكان انفجار مرفأ بيروت.
وأشار إلى أنه من الممكن أن تستمر السحابة في الهواء لفترة تتراوح بين أربع و12 ساعة، كما يمكن أن تبتعد من مكان الانهيار مسافة 1500 متر، ونصح بالتزام الإجراءات الوقائية تجنباً لإصابة المواطنين بالأمراض.
وأضاف عفيف أن الغبار الناتج من انهيار الصوامع يسقط على الأرض، أما الخطر الحقيقي فهو الناجم عن الفطريات الناتجة من تعفن القمح الموجود منذ فترة طويلة في الإهراءات من دون معالجة.
ولفت إلى أن سرعة الهواء واتجاهه نحو البحر أسهما “لحسن الحظ” في تخفيف الأضرار عن سكان بر العاصمة.
وبما أن تكرار الانهيارات أمر محتمل، دعا عفيف إلى الالتزام بالإجراءات الوقائية لأن “عدم رؤية الغبار والسحابة لا يعني عدم وجود العناصر الضارة في الجو والتي يمكن أن تبقى ما بين 12 و15 ساعة بعد السقوط” قبل العودة للحياة الاعتيادية.
وكانت وزارتا البيئة والصحة وجهتا رسالة إلى المواطنين لمعرفة كيفية التعامل في حال سقوط أجزاء من الإهراءات.
وتراوحت النصائح بين إغلاق الشبابيك والأبواب الخارجية وتشغيل المكيفات وارتداء كمامة عالية الفاعلية في الخارج حتى الوصول إلى أقرب مكان مغلق، وتنظيف الشرفات برش المياه وتنظيف المنزل من الداخل بقماشة رطبة مع الماء والكلور.
ويعتقد عفيف أن الخطر الأكبر هو الناتج من الفطريات المتناثرة، وهي بمثابة العفن الموجود في بعض البيوت.
وتتنوع الفطريات وتأثيراتها الصحية بحسب تركيبتها وحجمها، ويمكن أن تضرب الجهاز التنفسي على المدى الطويل مسببة أوراماً سرطانية في بعض الحالات.
أثر نفسي كبير
وأدى الانهيار إلى أثر نفسي لدى سكان العاصمة وأهالي الضحايا والمهتمين بالحفاظ على الإهراءات كشاهد ودليل على الانفجار العظيم، وأكد ويليام نون من لجنة “أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت” أن الأهالي التقوا رئيس الحكومة وعبروا عن ضرورة الإبقاء على الأجزاء المتماسكة من الإهراءات على الرغم من قرار الحكومة هدمها.
وأضاف، “تحدثنا إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وأكدنا أن الأهالي يريدون بقاء الأجزاء الجنوبية من الإهراءات لتخليد ما حدث مع أبنائهم في الرابع من أغسطس 2020”.
وعبر هؤلاء عن رفضهم “محو جميع آثار الانفجار”، وينقلون عن رئيس الحكومة أن “هناك قسماً متماسكاً من الإهراءات وآخر ضعيفاً”.
لجنة تقصي حقائق دولية
وطالب ويليام نون عبر “اندبندنت عربية” بلجنة تقصي حقائق دولية بسبب عرقلة عمل قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار من خلال تقديم عشرات دعاوى المخاصمة وطلبات الرد.
وأشار إلى ضرورة إقرار مجلس النواب مجموعة قوانين لتقييد طلبات الرد والمخاصمة التي يقدمها المتداعون في القضايا الجنائية، إضافة إلى إقرار قانون استقلال القضاء.
وقال إن لجنة تقصي حقائق دولية ستساعد القضاء اللبناني في جمع الأدلة وتسريع ملاحقة المشتبه فيهم، وعبر عن أسفه من تأمين السلطة السياسية الحماية لبعض المطلوبين في ملف انفجار المرفأ والحيلولة دون التحقيق معهم، كما دعا اللبنانيين إلى المشاركة في إحياء ذكرى الرابع من أغسطس من أجل المطالبة بالعدالة لضحايا الانفجار الكبير، والتضامن مع شعب تعرض للقتل، وله الحق بمعرفة ما حدث”.
المصدر : بشير مصطفى – أندبندنت عربية.