صحة اللبنانيين رهن “الأدوية المزورة” وتجارة الجشع
كالغريق الذي يتعلق بقشة النجاة، يبحث اللبنانيون عن جرعة من الدواء المقطوع، لا يهم المصدر أو السعر، وإنما الأولوية تأمين العلاج، وخصوصاً للأمراض المزمنة.
وفي سبيل ذلك، بات اللبنانيون ينظرون إلى “علبة دواء من الخارج” على أنها خير هدية يمكن أن يحملها القريب أو الصديق العائد إلى البلاد.
كما فطن البعض لأهمية الاستثمار في سوق الدواء الموازية، ودبت الحياة بأوساط تهريب الأدوية، وبدأت صفحات ومجموعات تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج لاستيرادها من الدول المجاورة، وتحديداً تركيا وإيران وسوريا، أو تلك البديلة الآتية من منشأ مشكوك بفاعليته.
مع الوقت، دفع الجشع هؤلاء المهربين إلى تسويق أدوية مغشوشة، وفي إحدى الحالات المسجلة، اكتشف فريق الصيدلة في كبرى مستشفيات جبل لبنان، أن جرعة دواء السرطان التي اشتراها المريض من الخارج ليست سوى جرعة ماء.
الصيادلة مستاؤون
“لم يكن ينقص اللبناني إلا الإتجار بصحته وحياته عن طريق الدواء المزور”، هكذا قال نقيب صيادلة لبنان جو سلوم، مشيراً إلى وجود كميات دواء مهربة من جميع البلدان المجاورة، وغالبيتها إما مزورة أو منتهية الصلاحية، حيث “يتم التلاعب بالتواريخ”، وقال سلوم إن قسماً كبيراً من تلك الأدوية لا يتم نقله وفق الشروط الصحية، كما تكون الأسعار مضاعفة عن الكلفة الحقيقية، ولا تلتزم بظروف الحفاظ عليها بعيداً من الرطوبة والشمس وفي حرارة ملائمة، وكشف عن أن مصادر هذه الأدوية المزورة هي دول مجاورة، حيث تأتي من تركيا وإيران وسوريا في الأغلب، وهي من صناعة تلك البلدان، وليست مستوردة من قبل شركات عالمية.
تهريب الدواء المدعوم
وتعود جذور أزمة الدواء إلى سياسات الدعم الخاطئة، وعدم توافر الأموال الكافية لاستيراد حاجة السوق المحلية من أدوية الأمراض المزمنة المدعومة، وفي مقدمتها علاجات السرطان.
بدوره، أوضح نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، أن “هناك نقصاً في كمية الأدوية التي يتم استيرادها إلى لبنان، بسبب عدم توافر الأموال الضرورية بالعملة الأجنبية للاستمرار في دعم استيراد الدواء للأمراض المزمنة والمستعصية”.
وقال جبارة إن التمويل المؤمن من قبل مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي يقدر بـ25 مليون دولار شهرياً، فيما الحاجة تتراوح بين 45-50 مليون دولار شهرياً لتأمين الاستقرار في السوق، وأشار إلى أن ذلك يؤدي إلى نقص في السوق الدوائية، بالتالي، يضطر المريض للبحث عن الأدوية من مصادر أخرى غير رسمية.
وتطرق جبارة إلى أشكال مختلفة لتأمين الأدوية، إما السفر شخصياً لشرائها من الخارج، أو الطلب من الأصحاب والأقارب، ملاحظاً “نشوء شبكات منظمة لتهريب الدواء إلى لبنان تسوق نفسها كبديل عن السفر والأصحاب”، ما أدى إلى فتح الباب واسعاً أمام الدواء المهرب، “ومع الوقت، يدفع الجشع المهربين إلى دس الأدوية المزورة لتأمين ربح أكبر”.
وتمكنت الفرق الطبية في المستشفيات الجامعية الكبرى من اكتشاف الأدوية المزورة بسبب الفروق الكبيرة، إما بالشكل ورقم الطبخة غير المتطابق ولون الدواء، أو كمية الدواء في العبوة الذي يكون مختلفاً عن مقدار الجرعات المعتادة.
وأشار جبارة إلى أن “شكوك المستشفيات دفعت لسؤال الشركات المفترضة أنها المصنعة في الخارج، لتكتشف أن عدداً كبيراً من الأدوية المستوردة كان مزوراً”.
البديل غير المدعوم ممكن؟
وعن إمكانية استيراد الشركات المعتمدة لتلك الأدوية المدعومة بجهودها الخاصة من الشركات العالمية مع تحمل فارق السعر على حساب المستهلك، قال جبارة، “حتى اللحظة هناك عائق قانوني، ليس مسموح للمستوردين باستيراد الدواء المدعوم من الخارج بسعر غير مدعوم”، من دون أن يستبعد إمكان حدوث ذلك في المستقبل، لأن ذلك سيؤمن للمريض دواء جيداً ومراقباً ومحفوظاً بظروف صحية سليمة.
وأوضح أن “الوزارة تصنف الأدوية مدعوم وغير مدعوم، بالتالي لا يمكن أن نكون أمام دواء يحمل الصفتين في آن، واستيراد فائض الحاجة من الدواء المدعوم بالسعر الحر”.
ويرجح جبارة أن السبب في ذلك يعود إلى خشية الوزارة من عدم إمكانية ضبط السوق، ويقترح اعتماد نظام رقمي لتتمكن وزارة الصحة من ملاحقة الدواء من المصدر إلى المستفيد، والتحقق من استفادة المريض من الدواء ومراقبته إلكترونياً.
الوزارة تبذل جهدها
من جانبها، أكدت وزارة الصحة اللبنانية أنها ضبطت عدداً من الأدوية المزورة، وتطرقت مسؤولة الصيدلة في الوزارة، كوليت رعيدي، إلى آليات الرقابة لدخول الأدوية الأراضي اللبنانية، وقالت إن “الأدوية لا يمكن أن تدخل قانوناً إلا بعد الكشف عليها من دائرة الصيدلة عند المعابر الحدودية الشرعية، سواء أكانت بحرية أو جوية أو برية، حيث يتحقق المفتش الصيدلي من استيفاء الدواء لجميع الشروط والمواصفات الأصيلة”.
أضافت رعيدي أن “البلاد تمر بأزمة قاسية أدت إلى انقطاع كثير من الأدوية، لذلك لجأ المواطن إلى طرق بديلة لتأمين الأدوية بطريقة غير شرعية، وقد ثبت في كثير من الحالات أن الوسيط الخارجي لم يحضر الأدوية من مؤسسة صيدلانية معتمدة، كما أن آخرين استغلوا حاجة المريض وزودوه بأدوية أمراض مستعصية مزورة”، وأشارت إلى إمكانية الاستيراد الشخصي للأدوية من خلال الطرق النظامية ووزارة الصحة، حيث يمكن للمريض الذي يمتلك وصفة طبية أن يطلب من صيدلي مجاز استيراد الدواء بعد موافقة وزارة الصحة على الإدخال، والتحقق من مطابقته الشروط والمواصفات ورقم الطبخة وتاريخ الصلاحية.
كما كشفت عن أن الوزارة ادعت أمام النيابة العامة على الضالعين في تزوير وتهريب الأدوية، مضيفةً أن “الشك يحوم حول الدواء المهرب، لأنها لا تلتزم بالشروط الصحية، كما أن تهريب الأدوية المزورة هو جناية وفق الوصف القانوني”، نافية أن يكون المهربون من الأطباء أو الصيادلة المسجلين.
وعن سبب تأخير البطاقة الدوائية، قالت رعيدي إن العمل عليها مستمر، وهو من أولويات الوزارة، وإن التأخير جاء بسبب الأزمة الاقتصادية والإضرابات.
المصدر : أندبندنت عربية – بشير مصطفى.