“اللبناني الحربوق” يدخل على خطّ المضاربة باليورو !
لا يترك اللبناني “الحربوق” أمراً يمكن أن يحقّق له أيّ مكسب، ولو صغيراً، إلّا ويحشر أنفه فيه. وكانت آخر صيحات الموضة لدى اللبناني “الحربوق” الدخول على خط المضاربة بعملة اليورو، التي تسجّل منذ أيام تراجعاً يعتبره البعض فرصة جيدة من أجل تخزين هذه العملة للمقبل من الأيام.
تكشف مجموعات التواصل الاجتماعي على “واتساب” و”تلغرام” عن دخول اليورو عملة جديدة للعرض والطلب والمضاربة، إذ لم تخلُ عمليات العرض والطلب اليومية بالدولار من عمليات مشابهة بعملة اليورو وبأرقام كبيرة يصل بعضها إلى حدود 20 ألف يورو.
أمّا على شبابيك الصرّافين فالأمر مشابه. إذ يقول أحد صرّافي الفئة “ب” في العاصمة بيروت، في اتصال مع “أساس”، إنّ الطلب على عملة اليورو “فاق التصوّر في اليومين السابقين”، وسبب ذلك حسب رأيه يعود إلى “طموح الشارين إلى تحقيق الأرباح” في حال ارتفع مجدّداً سعر صرف اليورو.
يضيف الصرّاف أنّه “على الرغم من الكلام الذي سمعناه عن تساوي الدولار مع اليورو، إلّا أنّنا حتى اليوم لم نَبِع اليورو مساوياً للدولار مثلما يُشاع، لأنّ سعر صرف اليورو مبيعاً هو أقلّ من دولار بقليل، لكنّ سعر المبيع في لبنان ما زال إلى اليوم بنحو 1.1 دولار، وفي أضعف الحالات وصل إلى 1.05 دولار، ومن غير المرجّح أن يصل إلى دولار أو أقلّ من ذلك إلاّ إذا هبط سعر صرفه تحت عتبة 0.9 دولار لأيام معدودة”.
سبب تهافت الناس على شراء اليورو
عملياً، يمكن القول إنّ شراء اليورو أو المضاربة به مردّهما إلى أسباب عدّة:
– أوّلاً، تلك الجملة السحرية التي كان وقعها طرباً على آذان المواطنين اللبنانيين، والتي تقول إنّ “اليورو يساوي دولاراً واحداً”. هذه المعادلة لم يسمعها أحد حول العالم منذ عام 2002 لأنّ العملة الأوروبية، على مدى السنوات العشرين الفائتة، كانت دوماً أكبر قيمة من الدولار الأميركي وتحافظ على ذلك.
– ثانياً، نوعيّة المدّخرات التي يكتنزها “اللبناني الحربوق” في منزله، وهي من عملة الدولار. عملياً عمد كلّ مَن اشتروا اليورو، أو يحاولون ذلك، إلى استبدال جزء من دولاراتهم باليورو وليس إلى شرائها بواسطة ليرات لبنانية يفتقرون إليها. بمعنى آخر، إنّها عملية استبدال عملة بأخرى ولو بهامش إضافي، أكثر ممّا هي عملية شراء متعمّد بعملة وطنية.
– ثالثاً، الثقة التي يمنحها اللبنانيون لعملة اليورو، التي يعتبرونها عملة بديلة عن الدولار، ولا تقلّ أهميّة عنه، ويمكن أن تُخفي الأيام حاجة إليها، إن كان بغرض السياحة أو لزوم مصاريف أبنائهم الطلاب الموجودين في القارّة الأوروبية… أو غير ذلك من الأسباب.
– رابعاً، ميول أغلب الطامحين لشراء عملة اليورو إلى تنويع محفظة عملاتهم المنزلية بين الدولارات واليوروات والذهب الذي يسجّل أيضاً انخفاضات ملحوظة لم يسجّلها منذ سنوات. لقد قام اللبناني بكلّ هذا على أمل أن يحقّق هذا التنوّع في المحفظة ربحاً يوماً ما، أو يعوّض بعض ما خسره المدخّر اللبناني في المصارف أو على مذبح السوق السوداء على مدى ما يقارب 3 سنوات.
هل اليورو آيل إلى الارتفاع فعلاً؟
لا شيء محسوم لناحية عودة اليورو إلى الارتفاع في المدى المنظور، لأنّ هذا الجواب لا يمكن التنبّؤ به من دون الخوض في تفاصيل:
1- الحرب الأوكرانية – الروسية ونتائجها على الأرض. فهل تتوسّع لتشمل مناطق أوروبية أخرى؟ هل تتصاعد حدّة المعارك أو تنحصر في شرق أوكرانيا؟
2- العقوبات المفروضة على روسيا، والإجراءات الانتقامية التي قد تتّخذها موسكو ضدّ الأوروبيين والغرب عموماً، خصوصاً إذا ما استمرّت بقطع الغاز عن القارّة الأوروبية أو لجأت إلى خيار خفض الإنتاج بالاتفاق مع دول “أوبك بلاس”، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي لم تفضِ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لها إلى تحقيق أيّ مكسب نفطي لناحية رفع الإنتاج.
3- الإجراءات الحمائية التي تتّخذها الولايات المتحدة، مثل رفع الفائدة، وعدم قدرة القارّة الأوروبية على مجاراتها أو السير بمثلها.
فانخفاض سعر صرف اليورو سببه المباشر الأوّل هو التضخّم، الذي ضرب العالم كلّه، نتيجة فيروس كورونا، ولاحقاً الحرب في أوكرانيا. إذ لجأت الولايات المتحدة جرّاء ذلك إلى رفع الفائدة، وكانت هذه الزيادة هي الكبرى بين الزيادات التي قرّرها “الاحتياطي الفيدرالي” منذ عام 1994. كان وقع رفع الفائدة في الولايات المتحدة كوقع “الثقب الأسود” على رؤوس الأموال، التي انجذبت صوب الولايات المتحدة كالسيل الجارف من أجل تحقيق الأرباح، فأثّرت على جميع رؤوس الأموال حول العالم، وخصوصاً الأموال في القارّة الأوروبية التي اضطرّت إلى التخلّي عن اليورو من أجل الدولار، وهذا سبب إضافي آخر يبرّر ارتفاع الدولار مقابل اليورو.
السعر بيد موسكو.. والشتاء
لم يتمكّن المصرف المركزي الأوروبي من مجاراة الإجراءات الأميركية، لاعتبارات تتعلّق بالاقتصاد الأوروبي الضعيف. يقول خبراء أوروبيون إنّ رفع الفائدة في دول الاتحاد الأوروبي قد يتسبّب بمزيد من الركود الاقتصادي، المترافق أصلاً مع ارتفاع مقلق في أسعار الطاقة التي تمسكها روسيا من ناصيتها، وتهدّد بواسطتها الاقتصاد الأوروبي برمّته. ليس هذا فحسب، بل إنّ هذه الأسعار باتت سبباً لاستقالة عدد من رؤساء الحكومات الأوروبية، إذ أدّت، ولو بشكل موارب وغير مباشر، إلى استقالة بوريس جونسون في بريطانيا، وماريو دراغي في إيطاليا، وهي تهدّد المستشار الألماني أولاف شولتز بالأمر نفسه اليوم.
تؤثّر أسعار الطاقة في القارّة الأوروبية بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج، وستفتك مع الوقت بأسعار السلع التي سترتفع متأثّرة بالتكاليف الطارئة والمرتفعة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تراجع منافسة السلع الأوروبية، أي إلى تراجع الطلب على عملة اليورو لانتفاء الحاجة إليها.
قد يأخذنا هذا كلّه إلى تصوّرات أشدّ تشاؤماً عن مصير سعر صرف اليورو، خصوصاً مطلع فصل الشتاء المقبل، إذ يبدو أنّ أسعار الغاز الضروريّ للمصانع في أوروبا كلّها ستخلق مشكلة إضافية تفوق أزمة التصنيع والتصدير، وهي مشكلة التدفئة التي باتت اليوم تؤرّق القارّة العجوز، وتنبىء صراحة بأنّ مستقبل سعر صرف اليورو صعوداً أو هبوطاً ربّما يكون مرتبطاً بمدى استعداد الغرب لرفع العقوبات عن روسيا أو تشديدها أكثر، وهذا يدلّ على أنّ سعر صرف اليورو قد يكون مرتبطاً بشكل وثيق بقرارات موسكو!
أمّا اللبناني “الحربوق” فهو على يقين وثقة بأنّ له قدرة فائقة تخوّله التفوّق على كلّ هذه العقبات من أجل ربح حفنة من الدولارات تساعده على شراء ربطة خبز من هنا أو كيلو لحم من هناك أو حتى صفيحة بنزين إضافية، وذلك بفضل فائض القيمة بين سعرَيْ اليورو والدولار الذي يحلم به ويطمح إليه!
المصدر : أساس ميديا – عماد الشدياق.