خبراء يشرحون أسباب “تكافؤ” الدولار مع اليورو…هل ينهار اليورو أكثر؟
بعد أن هبط اليورو بشكل قياسي ليوازي الدولار، في هبوط لم تشهده هذه العملة منذ 20 عاماً، وجد البنك المركزي الأوروبي نفسه في مأزق، تاركاً صانعي السياسة أمام خيارات مؤلمة ومكلفة اقتصادياً.
وكان تراجع قيمة اليورو بنسبة 12 في المئة، نتيجة ضغوط متعدّدة، منها الحرب في أوكرانيا إلى أزمة الطاقة، والمخاطر المتزايدة بأن تقطع روسيا صادرات الغاز وتدفع منطقة اليورو إلى الركود. إضافة إلى تحرّك البنوك المركزية بسرعات مختلفة إلى حدّ كبير، وازدياد الطلب على الدولار. وقد تزايدت المخاوف من حدوث ركود في الأسابيع الأخيرة بسبب تزايد حالة عدم اليقين بشأن إمدادات الطاقة، بحيث تهدّد روسيا بمزيد من خفض تدفقات الغاز إلى ألمانيا والقارة الأوسع.
ويقول بعض المحللين إن التكافؤ بين الدولار واليورو “قد لا يكون نقطة النهاية، ولكنّه مجرّد نقطة انطلاق لمزيد من الضعف”، بحسب “بلومبيرغ”. وأكّدت رئيسة قسم استراتيجية العملات الأجنبية في “رابوبنك” في لندن، جين فولي، أنّ تراجع اليورو “يعتمد إلى حدّ كبير على تدفق الغاز من روسيا إلى ألمانيا وما إن كان هناك تقنين خلال الشتاء”.
وقد أنفق الاتحاد الأوروبي حوالي 5 تريليون دولار لاستيعاب تبعات جائحة كورونا على القطاع المنزلي وقطاع الأعمال، إذ بدأ التضخّم في أوروبا حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وكانت نتائج هذه الحرب وخيمة على أوروبا خاصةً، لأنّها نقلت اللايقين السياسي والاقتصادي إلى قلب القارة، فللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية يعود عدم اليقين السياسي إلى داخل أوروبا.
هذه الأسباب الأولى التي تقف خلف تراجع قيمة اليورو، بحسب الخبير الاقتصادي البرفسور بيار خوري. ويضيف في حديث لـ”النهار” سبباً محورياً يكمن في الفائدة المرجعية في دول الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال 0,6، فيما ارتفعت هذه الفائدة ثلاث مرات في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقَّع أن ترتفع ثلاث مرات إضافية مع حلول آخر العام. بالتالي، جميع أسباب المخاوف السياسية والاقتصادية لعدم اليقين بسبب حرب أوكرانيا، مشروعة، كذلك فرق الفائدة الذي يشجّع على استقطاب الرساميل إلى منطقة الدولار والاقتصاد الأميركي.
أمّا السؤال الذي يطرح نفسه اليوم فهو، لماذا لا يرفع الاتحاد الأوروبي سعر الفائدة لكي يبقى على سعر صرف متوازنٍ يساوي 1,05 مقابل الدولار؟ ولماذا يتركه ثابتاً فيما الولايات المتحدة ترفع سعر فائدتها؟
تراجع اليورو بنسبة 0.4 في المئة أمس ليصل إلى 0.9998 دولار، بعد أن تسارع التضخم في الولايات المتحدة بأكثر من المتوقَّع، عزّز الرهانات على رفع أسعار الفائدة الفيديرالية.
وعادة، نرى نوعاً من تناسق في سياسات الاقتصاد الكلي لدى الغرب، “لكن لافت جداً، مع مسألة انخفاض اليورو، أنّ الأوروبيين لا ينسّقون في هذه السياسات”، بحسب خوري. ويعيد غياب التنسيق إلى الأسباب التالية:
ثانياً، العامل الجيو-اقتصادي وعلاقة الاتحاد الأوروبي بالدول التي يقرضها. فقروض أوروبا هي إمّا لأعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي وإمّا لدول خارج الاتحاد، تقترض منه. وارتفاع سعر الفائدة سيؤدّي إلى تخلّف هذه الدول عن سداد قروضها، وتصبح هذه الدول مهدّدة بخطورة على أدائها الاقتصادي بسبب ارتفاع سعر الفائدة، وهو آخر ما تحتاج إليه أوروبا.
فإذا ما عجزت الدول عن سداد ديونها – ونصفها دول فقيرة بحاجة إلى كل سنت لتحصين نفسها بالطاقة والغذاء – فستكون الأنظمة السياسية المدعومة من الاتحاد الأوروبي في خطر، وهذا المسار قد بدأ.
يجب انتظار تحرّك البنك المركزي الأوروبي، بحسب خوري. فالاتحاد الأوروبي يعتبر أنّه في عام 2023 سينخفض التضخّم. وبحسب دراسته، فإنّه سينخفض إلى 3,5 في المئة، “لكن هذا الرهان ليس في مكانه”. وإذا ما ارتفع التضخم حتى آخر العام إلى 13 أو 14 أو 15 في المئة، فسيضطرّ الاتحاد الأوروبي إلى التحرّك، مهما كانت نتائج هذه الخطوة. وإن كان لدى البنك المركزي الأوروبي ورقة مهمّة، فسيلعبها في أواخر الصيف مع بداية الخريف والحاجة إلى الاستهلاك الإضافي للمحروقات، بعد حسمه ماذا سيفعل بشأن الفائدة.
فقد تخلّف البنك المركزي الأوروبي عن البنوك المركزية الأخرى في رفع أسعار الفائدة، ممّا زاد من ضعف اليورو. وتميل العملات إلى الارتفاع عندما يرفع البنك المركزي المعني أسعار الفائدة، بحيث يتطلّع المستثمرون الدوليّون إلى عائد أكبر على الأصول المسعرة بتلك العملة.
ويلفت خوري إلى أمر بالغ الأهمية، “إذا انهار اقتصاد أوروبا، فسيتعطّل اقتصاد العالم كلّه بما فيه الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة”. وبرأيه، “لا يمكن الحديث عن العملة الأقوى حالياً بين الدولار واليورو، فالعملتان في مركب واحد، وكل منهما تحاول أن تنقذ نفسها بطريقة ما، وغياب التنسيق في السياسات الاقتصادية بين دول الغرب هو الأخطر على مستوى الاقتصاد العالمي”.
ويتوقّع الخبير الاستراتيجي في “نومورا إنترناشونال”، جوردان روتشستر، المزيد من الألم مع انخفاض في اليورو ليصل إلى 95 سنتاً أميركياً، بحسب “بلومبيرغ”. ويرى أنّه قد ينخفض إلى ما دون هذا المستوى إذا قطعت روسيا صادرات الغاز عن أوروبا.
ويقول المحلّلون كما نشرت “بلومبيرغ” أيضاً، إنه كي تتحسن التوقعات الاقتصادية، سيظل اليورو في حالة ركود. وحتى إن رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، فإن الاحتياطي الفيديرالي يرتفع أكثر، ويجذب الأموال إلى الولايات المتحدة. وقد يتضرّر اليورو أيضاً من مخاطر التجزئة، بحيث ترتفع تكاليف الاقتراض في الدول الأضعف بأكثر من نظرائها الأكثر ثراءً.
من جهته، يشير رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في سوق رأس المال CIBC، جيريمي سترتش، لـCNBC، إلى أنّ “احتمال انخفاض اليورو إلى ما دون المستوى الحالي كان انعكاساً لتزايد مخاوف الركود في جميع أنحاء منطقة اليورو”، مضيفاً: “بينما أخطأ البنك المركزي الأوروبي بشكل واضح في اجتماعه الأخير، تراجعت توقعات التضخم على المدى المتوسط نحو العتبة المستهدفة للبنك المركزي… ومن منظور إشارات سياسة البنك المركزي الأوروبي فإنّ الحاجة إلى التصرف والتصرف بسرعة أمر واضح”.
أورد متحدّث باسم البنك المركزي الأوروبي أنّه لا “يستهدف سعر صرف معيّناً. ومع ذلك فنحن دائماً منتبهون لتأثير سعر الصرف على التضخّم، بما يتماشى مع تفويضنا لاستقرار الأسعار”.
وتشير الدراسات التي يستشهد بها البنك المركزي الأوروبي على نحو متكرّر، إلى أنّ انخفاض سعر الصرف بنسبة 1 في المئة، يرفع التضخم بنسبة 0.1 في المئة على مدار عام واحد وبنسبة تصل إلى 0.25 في المئة على مدى ثلاث سنوات، بحسب “رويترز”. ويعتقد المحلّلون أنّ اتخاذ موقف أكثر تشدّداً غير مرجّح في ضوء توقعات النموّ المتدهورة. ويشكّل انخفاض اليورو القياسي مشكلة كبرى، فـ”البنك المركزي الأوروبي في وضع صعب للغاية”. ومحاولة الحدّ من تراجع اليورو التاريخي، ستتطلّب المزيد من الزيادات السريعة في أسعار الفائدة، ما قد يزيد من البؤس للاقتصاد الذي يواجه بالفعل ركوداً محتملاً.
وبحسب BBC، من المتوقَّع أن يبدأ البنك برفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، فيما انخفض اليورو بنسبة 12 في المئة تقريباً مقابل الدولار منذ بداية العام.