عربي ودولي
“بيع البويضات”… مصدر دخل جديد لفقيرات سوريا
“زارتني سيدة ثلاثينية وطلبت مني مساعدتها في بيع بويضاتها”، يقول الطبيب ماهر وهو اسم مستعار لطبيب نسائي في دمشق رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلق بخصوصية مرضاه، ويضيف: “ليست المرة الأولى التي تقصدني فيها سيدة لبيع بويضاتها، هذا الأمر بدأ يتكرر”.
بيع البويضات تجارة جديدة بدأت تنتشر في سوريا بسبب الظروف الاقتصادية القاسية والصعبة التي يعيشها المجتمع السوري الذي تتفاقم معاناته بصورة مستمرة مع مرور الأيام.
ميادة سيدة تواصل معها “النهار العربي” بعد أن باعت بويضاتها إثر ظرف صحي عائلي أرغمها مكرهة على الأمر، “لم يكن أمامي خيار آخر، فأمي أصيبت بمرض عصبي أليم، وأنا وحيدتها ووالدي متوفٍ، كنت أعمل في القطاع الخاص، ولكن الشركة أنهت عقدي إثر أزمة كورونا حين خفضوا عدد الموظفين، ولم أتمكن من الحصول على عمل آخر منذ ذاك الوقت، علماً أنني خريجة معهد هندسي، في البداية بعت قطعة ذهب كنت أملكها، ثم بعت بعض أغراض المنزل، ولكن مصاريف العلاج لوالدتي صارت تكبر أكثر وتفوق طاقتي، فهناك مصاريف الجرعات (الحقن) والمستشفى والصور والأدوية وما إلى ذلك، لذا لم يبقَ أمامي حل سوى أن أبيع بويضاتي”.
ميادة تقول إنها استنزفت كل الحلول والسبل وطرق التفكير في الآلية التي ستوفر بها المال، فكان خيارها الوحيد بيع بويضاتها.
تأخر سن الزواج
إلى جانب عملية بيع البويضات، ازدهرت بشكل لافت ومثير للانتباه عملية تجميد البويضات، فالنساء اللاتي يخشين الوصول إلى سن لا يمكن بعدها الإنجاب بسبب توقف عملية الإباضة الطبيعية، بدأن يلجأن الى تجميد بويضاتهنّ، والهدف هو استخدام تلك البويضات لاحقاً في الإنجاب والتلقيح الاصطناعي حتى لو تأخرن في الزواج لما بعد الأربعين.
الطبيب مأمون شيخة قال لـ “النهار العربي” إنّ “هذه الظاهرة تزداد فعلاً في الأوساط النسائية، وإنّ العنوسة وتأخر سن الزواج بصورة عامة جعلا الإقبال على تجميد البويضات ظاهرةً يجب النظر إليها بعناية لكونها غريبة على المجتمع السوري”.
وما زال المجتمع السوري منقسماً بين رافض ومؤيد للفكرة، وكيفية النظرة الشرعية الى الأمر الذي بات منتشراً، سواء في السر أم في العلن، “النهار العربي” خلص إلى هذه النتيجة إثر محادثته للعديد من الأطباء والسيدات.
تضحك مرام (38 عاماً) عند سؤالها عن تجميد البويضات، وتقول: “لم أبلغ العنوسة بعد، ولكنني مطمئنة فبأي لحظة يمكنني أن أجمد بويضاتي، وحقيقة هذا ما سيحصل، إن لم يكن اليوم فغداً، لست قلقة الآن من تأخري بالزواج، مهنتي في الهندسة سرقتني من الزواج والمجتمع، ولكن الآن سأحذو حذو صديقات عدة لديّ جمدن بويضاتهنّ، هذا حل طبي ممتاز وعظيم، ويتيح لي أن أكون انتقائية في اختيار شريك حياتي، ثم ننجب لاحقاً في أي وقت نختاره بحسب ما تسمح به الشروط الطبية بالتأكيد، ولكن المهم أنّ أموري بالسليم”.
أما رونا وهي سيدة أخرى تتعالج الآن بالجرعات الكيماوية بسبب إصابتها بالسرطان فقد أقدمت بناء على نصيحة طبية على تجميد بويضاتها قبل أن تبدأ العلاج الكيماوي الذي يؤثر في البويضات والخصوبة، “قمت بتجميد بويضاتي قبل أن أبدأ العلاج الكيماوي، وبإذن الله حين أتماثل للشفاء سوف أعود لزراعة بويضاتي وأصير أماً”.
وتكلف عملية سحب البويضات وتجميدها نحو ألفي دولار.
محاولات فاشلة
تمتلك منى تجربتها القاسية في هذا الشأن، فقد قاست منى سابقاً أربع تجارب فاشلة في التخصيب وحلم الأمومة ما كبدّها خسائر مادية ومعنوية جسيمة على ما تقوله. ذات الـ45 عاماً زوجها مسافر خارج سوريا منذ سنوات عديدة، ورغم كل ما ألمّ بها إلا أنّها تتحضر الآن لتجربتها الخامسة التي تعقد كل آمال حياتها عليها.
تقول منى: “سافر زوجي عقب زواجنا بفترة قصيرة نسبياً، لكننا قبل ذلك قمنا بعملية تجميد نطاف له، لأتمكن من الإخصاب في غيابه، وها أنا ذا أحاول عاماً تلو آخر، بعد أن كنت بالطبع قد جمدت عدداً من بويضاتي التي احتفظ جزء منها بفعاليته”.
وتضيف: “لم أفقد الأمل، غيرت الطبيب مرتين، وأنا الآن متفائلة هذه المرة، رغم أنني دخلت مراراً في أطوار اكتئابية أليمة، أنا الآن بين نارين، لم تفلح محاولاتي في الحمل حتى الآن، وزوجي يريد طفلاً، وعلاوةً على ذلك فإنّ الأدوية التي أخذتها تسبب لي الإرهاق والتعب والشرود، وحتى الآن كلفني الأمر آلاف الدولارات”.
الرأي الشرعي
لا يمنع الشرع الإسلامي تجميد البويضات على اعتبار أنّها تحفظ في شروط صحية وطبية وعملية دقيقة وباسم صاحبتها، وبالتالي أن يتم إلقاح هذه البويضة عبر الحيوان المنوي للزوج بصورة شرعية قائمة على عقد شرعي واضح يجمع الزوجين ببعضهما، بحسب “مجمع كفتارو الديني” في دمشق.
في القانون
حتى الآن لم يصدر أي قانون يمنع تجميد البويضات في سوريا، ولا تزال العملية غير مخالفة قانونياً وفي الوقت نفسه غير منظمة بشروط وقوانين لأن وزارة الصحة لم تتدخل في الموضوع بعد.
يقول المحامي منتصر سيفو لـ”النهار العربي” إن “القانون السوري لم يجز ولم يمنع عملية تجميد البويضات، لكنّه منع تأجير الأرحام، ففقهاء الأمة أجمعوا على تحريم استئجار الرحم”.
وكان القانون المدني السوري قد نص في المادة 136 على أنه “إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام والآداب العامة كان العقد باطلاً، وبالتالي لا يمكن وصف عملية تأجير الأرحام بالقانونية أو البحث في انطوائها تحت مؤسسة عقد الإيجار المعروفة والشائعة في الفكر القانوني لعدم توافر الأركان المطلوبة لقيام هذا العقد”