خطة جديدة للكهرباء تنتظر تشكيل الحكومة وتصحيح التعرفة
في أدراج وزير الطاقة والمياه، تقبع خطّة جديدة لقطاع الكهرباء، تسمح بالوصول إلى مستوى تغذية يصل لحدود عشر ساعات في اليوم. الخطّة المطروحة اليوم، باتت أقل طموحًا من سابقتها، التي راهنت على الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة للوصول إلى مستوى التغذية نفسه على المدى القصير، لكن مع البدء بالتخطيط لمعامل جديدة لزيادة التغذية إلى مستوى “24 على 24” على المدى الطويل. فرملت الخلافات السياسيّة خطط المعامل الجديدة، وفرملت عقوبات قيصر وغياب تمويل البنك الدولي مشروع الغاز المصري. فعادت الوزارة إلى طرح الخطّة الجديدة المتواضعة، التي تقتصر مفاعيلها على زيادة التغذية إلى المستوى الموعود في الخطة السابقة على المدى القصير، عبر شراء الفيول لا الغاز، من دون الرهان على مشاريع استراتيجيّة كبيرة كسابقتها.
من المفترض أن ينتظر تطبيق الخطّة الجديدة تشكيل الحكومة المقبلة، لارتباطها بقرارات حسّاسة من قبيل زيادة التعرفة والتفاهم مع مصرف لبنان على آليّة لتمويل شراء الفيول. لكن من الناحية العمليّة، لا يملك المعنيون الكثير من الوقت قبل انتهاء عقد الفيول العراقي في شهر أيلول المقبل. وهو ما يفرض تمرير الموافقات المطلوبة للخطة الجديدة قبل اختفاء آخر مصدر متوفّر حاليًّا لشراء الفيول وتشغيل معامل الكهرباء. أمّا إذا تأخّر إقرار الخطّة الطارئة الجديدة، فسنكون أمام سيناريوهات إطفاء المعامل تدريجيًّا ابتداءً من شهر أيلول المقبل، إذا لم يتمكن لبنان من تجديد عقد الفيول العراقي.
خطّة الطوارئ: دولرة فواتير الكهرباء
الخطّة الجديدة التي عمل عليها وزير الطاقة منذ فترة، استهدفت استباق سيناريو عدم تجديد عقد الفيول العراقي، وعدم التمكّن من الحصول على تمويل البنك الدولي لمشروع الغاز المصري، أو توقّف المشروع إذا لم تمنحه الإدارة الأميركيّة إعفاء خطّياً واضحاً ومكتوباً من عقوبات قانون قيصر. ومن الناحية العمليّة، عمل الوزير منذ ذلك الوقت على الاستحصال على موافقة رئيس الحكومة، الذي تفاهم مع حاكم مصرف لبنان على الجانب المتعلّق به من الخطّة، والمرتبط بتأمين الدولارات المطلوبة لشراء الفيول.
من جانب مؤسسة الكهرباء، تقوم الخطّة على تشغيل المعامل وفقًا لقدرتها القصوى بعد تأمين الفيول اللازم لذلك. وهو ما سيمكّنها من رفد الشبكة بتغذية تصل إلى حدود 10 ساعات في اليوم. وهذا السيناريو، يفترض اقتصار العمليّة على الفيول فقط، طالما أن مشروع الغاز المصري ما زال مجمّدًا بغياب التمويل والإعفاءات الأميركيّة.
لكن للتمكن من شراء الفيول على هذا النحو، وتشغيل المعامل حسب طاقتها الحاليّة القصوى، سيكون على مؤسسة كهرباء لبنان “دولرة” الفواتير، أي تحديد التعرفة بالدولار الأميركي، واحتساب الفواتير لاحقًا بتسعيرة منصّة صيرفة. ووفق خطّة الطوارئ الموضوعة، سيتم تحديد العرفة بـ10 سنتات لأوّل كيلواط/ساعة، وبـ27 سنتاً لشطور الاستهلاك التي تتجاوز هذا الحد. مع الإشارة إلى أنّ التعرفة الحاليّة لا تتجاوز حدود 0.5 سنت كيلواط/ساعة كمتوسّط، ما يعني أن فاتورة الكهرباء التي تبلغ اليوم نحو 120 ألف ليرة، قد تتجاوز بعد تطبيق الخطّة الجديدة مستوى 6.4 مليون ليرة لبنانيّة.
التمويل مطلوب من رياض سلامة
بعد تصحيح التعرفة، سيكون بإمكان مؤسسة الكهرباء أن تؤمّن الموارد الماليّة المطلوبة لشراء الدولار واستيراد الفيول، بهدف تأمين التغذية الموعودة. المصدر البديهي للدولارات لمؤسسة كهرباء لبنان، بوصفها مؤسسة حكوميّة، هو المصرف المركزي. وطالما أنّ المؤسسة تسعّر الكيلواط/ساعة بالدولار، بسعر منصّة صيرفة، فستكون الفواتير قادرة على مجاراة كلفة شراء الدولار عبر منصّة صيرفة، لتمويل شراء الفيول. بعبارة أوضح، سيتأقلم مردود المؤسسة الإجمالي تلقائيًّا مع نفقاتها، ما سيجنّب المؤسسة العجز المالي في المستقبل.
حاكم مصرف لبنان مازال حتّى اللحظة يبدي موافقته على المشروع، لكن مع مقايضة واضحة: حجم الدولارات التي تؤمّنها المنصّة محدود، وليتمكّن من بيع دولارات المنصّة لمؤسسة كهرباء لبنان على هذا النحو، سيحتاج أولًا إلى التوقف عن تمويل استيراد البنزين عبر المنصّة. وهذا المسار، سيحتاج إلى إجراءات عديدة، تحيل مستوردي البنزين إلى السوق الموازية لتأمين دولاراتهم، كحال عمليّات استيراد المازوت اليوم. وهنا، ستحتاج وزارة الطاقة والمياه بدورها إلى تعديل آليّات تسعير مادّة البتزين في السوق، وربطها بسعر السوق الموازية، لا سعر منصّة مصرف لبنان.
وفي خلاصة الأمر، سيكون اللبنانيون المقيمون أمام تطوّرين قاسيين في الوقت نفسه: تصحيح تعرفة الكهرباء وزيادتها، في مقابل زيادة موازية في سعر صفيحة البنزين، نتيجة الانتقال إلى تسعيرها حسب سعر صرف السوق الموازية. أما بالنسبة إلى فاتورة المولدات الخاصّة، فسيستمر المقيمون بسداد فواتيرها، لتغطية الساعات الـ14 التي لن تشملها تغذية مؤسسة كهرباء لبنان. مع الإشارة إلى أن عدد ساعات تغذية المولدات الخاصّة لا تتجاوز هذا الحد أساسًا في الوقت الراهن في معظم المناطق اللبنانيّة، ما يعني أن فاتورة المولدات قد لا تشهد أي انخفاض يُذكر مقارنة بالوضع الحالي.
ورغم قساوة المشهد، ستسمح هذه التطورات بتصحيح وضعيّة القطاع ماليّاً، وإعادة ربحيّة إنتاجه، ما سيمهّد إلى عودة الاستثمار في معامل جديدة –في حال تذليل التجاذب السياسي حول موقع المعامل- وزيادة التغذية خلال السنوات المقبلة، وصولًا إلى التخلّص من كهرباء المولدات الخاصّة بشكل كلّي. مع العلم أن الوصول إلى مرحلة التخلّص من المولدات –إذا حصل- سيسمح بتخفيض كلفة المعيشة على المقيمين، نظرًا إلى الفرق الشاسع بين كلفة كهرباء المولدات الخاصة وكلفة إنتاج الكهرباء عبر مؤسسة كهرباء لبنان.
سيناريوهات للمستقبل
في حال تطبيق الخطّة الجديدة والطارئة، وزيادة ساعات التغذية على النحو الموعود، ستبقى الأمور مشرّعة على احتمالات حصول انفراجة ما على مستوى مشروع الغاز المصري، أو على مستوى محاولات تجديد عقد الفيول العراقي. إذا حصلت إحدى هذه الانفراجات، بعد تطبيق الخطّة الجديدة، من غير المتوقّع حصول زيادة إضافيّة على مستوى ساعات التغذية، لكون الخطة الجديدة تلحظ أساسًا زيادة إنتاجيّة كل المعامل القائمة حتى الحدود القصوى. لكنّ هذه التطورات قد تفضي إلى المزيد من التوازن المالي داخل مؤسسة كهرباء لبنان، نتيجة الوفر الذي يمكن أن يتحقق نتيجة استخدام الغاز بدل الفيول في معمل دير عمار، أو نتيجة شراء المزيد من الفيول العراقي في حال تجديد العقد في شهر أيلول.
أمّا في حال عدم تطبيق الخطّة، وفي حال وصلت المفاوضات لتجديد عقد الفيول العراقي إلى حائط مسدود، فسيكون القطاع بأسره أمام أزمة خانقة بحلول شهر أيلول المقبل، خصوصًا ان جميع التطورات لا توحي بوجود انفراجة قريبة على مستوى مشروع الغاز المصري. ولهذا السبب بالتحديد، سيؤدّي أي تأخير في تشكيل الحكومة خلال الأشهر المقبلة إلى مزيد من التعقيدات في هذا الملف، بالنظر إلى صعوبة تمرير قرارات بمستوى تصحيح التعرفة أو طلب تمويل مصرف لبنان من دون وجود حكومة مكتملة الصلاحيات.
المصدر : علي نور الدين – المدن