تابعوا قناتنا على التلغرام
اقتصاد ومال

حال اعتراضية داخل القطاع المصرفي اللبناني: بداية حل أم هروب من الغرق؟

يبدو أن الاعتراض على سياسة جمعية المصارف في لبنان انتقل إلى داخل المؤسسة بعد ثلاث سنوات على “السقوط العظيم” الذي تعيشه البلاد.

فاليوم، لم تعد مشاعر السخط قاصرة على شكاوى مواطنين اختفى جنى عمرهم بين ليلة وضحاها، وطلاب عجزوا عن الاستمرار في تحصيلهم العلمي بسبب تقييد التحويلات الخارجية، والمودعون الصغار تم تطبيق “كابيتال كونترول” بحقهم من دون تشريع، هذه المرة جاء الاعتراض من الداخل، إذ “علق بنك الموارد عضويته داخل الجمعية إلى حين تصحيح المسار”، كما قال مروان خير الدين رئيس مجلس إدارة البنك لـ”اندبندنت عربية”، معبراً عن اعتراضه على أداء الجمعية ومحاولة تجاوز الدولة، في إشارة منه إلى “مخاطبة صندوق النقد الدولي بصورة مباشرة من الجمعية عبر أحد مستشاريها”، مضيفاً، “من غير المقبول أن يتجاوز المستشار للجمعية”، في المقابل، ترفض أوساط جمعية المصارف الخوض في نقاشات حول “خلافات داخلية ضمن جمعية المصارف”، وتكتفي بالبيان الصادر عن الجمعية بعد اجتماعها في 27 يونيو (حزيران) الجاري.

موقف جمعية المصارف

وأكدت جمعية مصارف لبنان، في بيانها، على “وحدة الجمعية واستمرارها تحقيقاً لأهدافها”، وكررت الموقف من “ضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كونه السبيل الأفضل لإعادة هيكلة الاقتصاد وتأهيله من خلال إقرار الإصلاحات الضرورية والشروع بتنفيذها”، كما رأى مجلس إدارة الجمعية أن “توزيع المسؤوليات يجب أن يتم بشكل عادل وقانوني يحمي أموال المودعين بالدرجة الأولى”، وأشار البيان إلى أن “الدولة التي أنفقت الأموال لديها ما يكفي من الموارد المستقبلية لتغطية مسؤولياتها من خلال هيكلة تحافظ على أصول الدولة وتحسن إدارتها وتزيد مردودها بما يساهم في حل أزمة المودعين ويصب بالخير العام وتكون خطوة واقعية وبناءة في مسار الإصلاح”.

“الموارد” يعترض على السياسات المتبعة

وأثار تعليق بنك الموارد عضويته في جمعية المصارف التساؤلات حول تماسكها وقدرتها للحفاظ على وحدة الموقف المصرفي، وعبّر المصرفي مروان خير الدين عن اعتراضه على إدارة الجمعية للأزمة، لافتاً إلى أنه لا بد من تغيير جذري لأنها “لا تقوم بكل ما يمكنها القيام به لحماية المصارف، والمودعين، وموظفي القطاع”، وكشف خير الدين عن لقاء جمعه برئيس جمعية المصارف سليم صفير، الثلاثاء 28 يونيو، “أبلغته فيه بأنه لا نية لتغيير الهيئة الإدارية للجمعية، ولكن طلبنا تركيز الجمعية على الحفاظ على أركان القطاع الذي يعيل أكثر من 20 ألف عائلة”، لأنه “لا يجوز أن تدافع الجمعية عن مصالح كبار المودعين وأصحاب المصارف بل على حقوق المودعين جميعاً”، ووصف أجواء الاجتماع بـ”الجيدة جداً”، و”كان هناك تفهُّم لموقفنا”.

وعدد خير الدين مجموعة من الأخطاء التي ارتكبتها الجمعية بدءاً بإغلاق المصارف، أسبوعين، بعد اندلاع انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهذا الأمر لم يحصل في تاريخ القطاع، وأطاح الثقة التي بُنيت طوال نصف قرن، كذلك “القرارات السيئة”، مثل “التوقف عن دفع الودائع للمواطنين، أو فتح الحسابات، وعدم العمل بدفاتر الشيكات، ووقف عرض الشيكات على المقاصة، وهذا ما خلق مشكلة بين المصارف والمودعين”.

ورداً على سؤال بشأن نظرة المودعين لهذه الخطوة، واعتبارها التفافاً على حقوقهم، لأنها جاءت متأخرة بعد أن خسر المودع جزءاً كبيراً من قيمة ودائعه بفعل تقييد حركة السحوبات والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان؟ قال خير الدين، “هذا التحرك جاء بموازاة تقديم الحكومة خطة التعافي إلى مجلس النواب والهادفة إلى شطب 60 مليار دولار من ديون المصارف في ذمة المصرف المركزي استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، وهذا الواقع المستجد يتطلب موقفاً أقوى من الجمعية في ظل ما يُحاك من خطط قد تطيح رساميل المصارف وجزءاً كبيراً مما تبقى من أموال المودعين”.

أما في ما يتعلق بقدرة الدولة “المفلسة” على سداد ديونها للمصارف، في وقت تعجز عن تأمين الدولارات لدعم للقمح، والدواء، والمحروقات، وغيرها من السلع الأساسية، أجاب خير الدين، “ليس مطلوباً من الدولة رد ديونها دفعة واحدة، ولكن على كل شخص يستدين واجب رد دينه”، موضحاً، “ليس من الدولة بيع أصولها أو المساس بالذهب، ولكن المطلوب منها إعادة الديون التي صرفتها بالعملة التي استدانتها خلال 30 عاماً الماضية، والتي تُقدر بـ100 مليار دولار مثبت في قوانين وسندات استدانة”، ولفت أيضاً إلى أن “جزءاً كبيراً من الفوائد التي كانت تحصل عليها المصارف كان يذهب إلى المودعين في المصارف، ولم تستفد منها فقط المصارف إلا بهامش صغير جداً”.

وتابع خير الدين أن “التشاور مطلوب، ولكن ليس لجمعية المصارف دور اقتراح الحلول على الدولة اللبنانية، سواء أكانت على شكل بيع الذهب، أو إعادة الودائع التي تم تحويلها إلى الدولار بعد أكتوبر 2019 إلى الليرة، أو أن يكون هناك صندوق سيادي، وهذه الاقتراحات يجب أن تأتي من أهل السلطة”، وطالب الدولة بوضع خطة لرد ديونها ولفترة يمكن أن تكون 20 أو 30 عاماً، و”ما إن تعترف الدولة بديونها والالتزام بردها، ولو استغرق ذلك وقتاً، سيؤدي الأمر إلى ترميم الثقة، وقبل ذلك، لا شيء سيعيد الثقة التي تعتبر أساس الاقتصاد والمصارف”، لذلك “لا بد من جدولة الديون مع فوائد منخفضة، إضافة إلى إصلاح قطاع الكهرباء إذ تستمر الخسارة على الرغم من انعدام الإنتاج بفعل إنفاق اللبناني حوالى مليار ونصف مليار دولار لاشتراكات الأحياء”، وكذلك “ضبط مداخيلها في مرفأ بيروت والمطار”، متسائلاً “من يمنعنا عن فعل ذلك وتأمين الخدمات البديهية؟”، ومحملاً “الخلافات السياسية العقيمة مسؤولية”.

القطاع المصرف يدفع الثمن

وأقر خير الدين بصعوبات يعيشها القطاع المصرفي جراء سياسات الدولة وسياساته الذاتية، وتحدث عن تفاوت في “أسلوب تعامل المصارف التجارية مع زبائنها”، رافضاً تعميم الاتهام بـ”إذلال المصارف المواطنين على وجه الإجماع” لأن “هناك مصارف أخطأت كثيراً بحقوق المودعين، وتواجه كثيراً من الدعاوى بينما مصارف أخرى قادرة على استعادة الثقة بالعميل الذي يعتبر أن مصرفه ذو أداء جيد. وقد حاولنا التجاوب مع زبائننا إلى أقصى الحدود”، وقال خير الدين، “الدولة هي من تمتلك القرار في بقاء القطاع المصرفي أو زواله، لأنه إذا شطبت 60 مليار دولار من ديونها، عندها لن تجد مصرفاً قادراً على الاستمرار، سنعود إلى ما دون الصفر”. وحول الطرح القائل بضرورة شطب جزء من الديون لكي نتمكن من العودة إلى تحقيق النمو، أجاب، “هذا طرح صندوق النقد الدولي الذي يدعو إلى طي الصفحة، لبداية مرحلة جديدة. فهو يريد حماية حقه في استقرار إقراضه الدولة بنحو ثلاثة مليارات دولار”.

وتطرق خير الدين إلى تركيبة القطاع المصرفي اللبناني وقال، “هناك سياسات كبرى وقرارات محصورة بيد أكبر 12 مصرفاً، أما باقي المصارف التي لا تعتبر Market Makers فتتبع في خطواتها الكبار”. وفي ما يتعلق بـ”سيف المحاكم الدولية التي تلاحق البنوك المتخلفة”، رأى خير الدين أن “اللجوء للقضاء في الخارج محصور بالمقتدر الذي يملك ودائع كبيرة، وهو في الواقع يأخذ من القليل المتبقي من سيولة، ويحرم صغار المودعين لدى المصارف”. لذلك، طالب رئيس مجلس إدارة بنك “الموارد” بقانون “الكابيتال كونترول” لتجنب الاستنسابية في التعامل مع الزبائن، ورداً عما حكي عن تهريب خمسة مليارات دولار إلى الخارج، قال إن “مصرف لبنان فند تلك المبالغ، أكثرها دفع مبالغ واعتمادات لتجار تعاقدوا قبل الثورة، وهناك حوالى مليار دولار لأفراد وشركات”.

وحمل خير الدين القرار الذي اتخذته حكومة حسان دياب، في مارس (آذار) 2020 لناحية “وقف سداد سندات اليوروبوند”، الأمر الذي خلق أزمة سيولة خارجية للمصارف اللبنانية مع البنوك المراسلة.

إعادة الهيكلة ممكنة؟

وعن قدرة المصارف على الاستمرار، وخطط إعادة الهيكلة، كرر خير الدين التأكيد أن “بقاء القطاع رهن قرار من الدولة اللبنانية، وبالتالي، فإن إعادة الهيكلة رهن رسم الدولة سياسة عامة، على أن تقوم القطاعات الاقتصادية بتطوير نفسها وفق الخطة القطاعية”، مضيفاً، “المصارف تلتزم بسياسات الدولة، وليس العكس”.

المصارف أخطأت

وبعيداً عن السجالات داخل الجمعية، انتقد بعض الخبراء القانونيين انتقال القطاع المصرفي في ظل النظام الليبرالي من مؤسسات تنافسية، إلى مجموعة مؤسسات تتبع سياسة واحدة، فضلاً عن الانكشاف على القطاع العام، لذلك، تنتقد الأكاديمية سابين الكك (أستاذة جامعية) “أدلجة القطاع المصرفي في لبنان”، وإلزامه بقرارات واحدة، وإتباع سياسة توظيفات موحدة، لذلك، تشدد على ضرورة التمايز بين مؤسسات القطاع، لافتة إلى أن “الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي طالب بتقييم وضعية كل مصرف على حدة، لمعرفة مكانة كل مصرف وحجم موجوداته بشفافية”، وبالتالي، فإن عليهم الخيار بين “التأميم وأن تكون تحت عباءة الدولة والقطاع العام، والشراكة مع الدولة ومصرف لبنان، أو أن يعيد القطاع تصحيح قراره الخاطئ وإحياء التمايز والميزة التنافسية، والالتزام بقانون النقد والتسليف الذي يعطي لائحة المصارف حق استقبال الودائع والحفاظ على أموال الناس”، وانتقدت الكك فكرة إنشاء الصندوق السيادي لأنه يأتي ليكرس معادلة “كنا شركاء مع الدولة في السياسات الخاطئة، فلا بد من أن نصبح شركاء معها في  الواردات والممتلكات”، و”هذا يخالف في المطلق فكرة الصندوق السيادي الذي يجب أن تمارس الدولة مطلق سيادتها، وحصانتها، وقوتها على ممتلكاتها، وقطاعاتها، ووارداتها لصالح العموم”، متخوفة من تكرار تجربة الاتصالات الخليوية مجدداً مع القطاع المصرفي الذي أهدر أموال المودعين.

وأكدت أن التنافسية هي أساس القطاع المصرفي، لأنه قطاع تجاري، وأحد أسباب سقوطه هو “الرضوخ إلى سياسة خاطئة من مصرف لبنان، وذلك من أجل مصالح النافذين والمسيطرين داخل جمعية المصارف الذين حالوا دون منح الحرية للمصارف في اختيار توظيفاتها والدخول في شهادات الإيداع لدى المصرف المركزي، ومن ثم الانتظام وفق تشابك المصالح مع السلطة الحاكمة، وهذا ما أدى فعلياً إلى سقوط القطاع”.

المصدر : شير مصطفى – أندبندنت عربية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى