تابعوا قناتنا على التلغرام
محليات

عندما تصبح “المثلية” هي القضية في بلد الأزمات !

في ذروة الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تطحن لبنان واللبنانيين، وفي ظل العجز التام للطبقة السياسية عن إضاءة بصيص أمل ولو بعيداً في تحسن ما، اشتعل الجدال اللبناني في موضوعين منفصلين مترابطين: الزواج المدني والمثلية الجنسية. وهما موضوعان لا يقدم طرحهما الآن ولا يؤخر في أزمة الرغيف وأزمة البنزين وأزمة الاتصالات وغيرها من الأزمات المتناسلة، والتي تقود البلد إلى انهيار حقيقي بات أمراً واقعاً.
خلال أسبوع منصرم، بدا وكأن أزمات لبنان كلها سببها مثليو الجنس وبضعة نواب طرحوا الزواج المدني كمدخل لتطوير النظام عبر توحيد المواطنين في أحوالهم الشخصية في ما يتعلق بالزواج والطلاق والحضانة والإرث. هبّ رجال الدين مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا نفذ المثليون تظاهرة دعوا إليها للمطالبة بالاعتراف بهم، وإذا تجرأ النواب على طرح مشروع قانون يبيح الزواج المدني الاختياري في لبنان.
ألغيت التظاهرة وحوصر مشروع الزواج المدني الذي شيطن أصحابه، بعدما اتّهموا بشكل أو بآخر بمحاولة هدم الدين والمجتمع والانقلاب على القيم والتقاليد والعادات التي “تربينا عليها”. مورس العنف اللفظي والتكفير بحق أنصار الزواج المدني، وكاد الأمر يصل إلى إباحة دم المثليين عملاً بحديث يقتل الفاعل والمفعول به.
على كل حال، القضية أبعد من قضية مجموعة من البشر لها ميولها الجنسية المختلفة التي قد لا تتقبلها الغالبية العظمى من اللبنانيين، وليس النقاش فيها ذا جدوى في مجتمعات لم تتعود النقاش بقدر ما احترفت الاتهام والإقصاء. هذه قضية إشكالية كبيرة ضائعة بين العلم والدين، وبين الأخلاق والحريات، ولن يستطيع لا رجال الدين ولا غيرهم منعها، ولن يستطيع المدافعون عنها إقناع الناس في هذا الشرق بالقبول بها. فطوال تاريخ الأديان كانت الظاهرة موجودة وعلناً في الأدب والشعر العربيين، وهناك مؤلفات ما زالت متداولة منذ أيام العباسيين وحتى اليوم في الجنس والمجون وأنواع “الشذوذ الجنسي”، مثل “نزهة الألباب في ما لا يوجد في كتاب” للتيفاشي و”الروض العاطر في نزهة الخاطر” لللنفراشي وديوان أبو نواس وغيرها.
لئن تصدرت تظاهرة المثليين خطاب رجال الدين الغاضب، فإن الهجوم كان موجهاً أساساً ضد فكرة الزواج المدني. هي العدو الأكبر ومصدر الخطر المحدق. يعرف رجال الدين أن مسألة المثلية هي مسألة شخصية تعني صاحبها وستبقى محدودة ولن تؤثر في مصالحهم ولا في تطور المجتمع، وأنهم لن يستطيعوا منعها، سواء كانت بالسر أو بالعلن. هذا أمر مبتوت، فهل ستتوصل البشرية بكل أديانها وقيمها وفلسفاتها إلى إلغاء الكذب من النفوس مثلاً؟ هناك أمور تفرضها الطبيعة لا فكاك منها، وحتى الأديان لم تزعم أنها ستخلص البشرية منها.
لماذا الزواج المدني؟
لأن الزواج المدني هو الخطوة الأولى على طريق الدولة المدنية العلمانية التي تخضع اللبنانيين لقانون موحد للأحوال الشخصية. ذلك يعني أن قضايا الزواج تصبح بعهدة الدولة الواحدة الموحدة التي تجعل اللبنانيين مجتمعاً واحداً يتساوى أبناؤه في الحقوق والواجبات والشعور بالانتماء. الزواج المدني المطروح هو زواج اختياري، فمن أراد الزواج الديني له ذلك وسيبقى قائماً، ورجال الدين يعرفون أن كثيراً من اللبنانيين، وبخاصة المقيمين في الغرب، باتوا يعقدون قرانهم في أوروبا مدنياً، وقبرص على بعد “فشخة” تستضيف كل الراغبين بعقود زواج مدنية. الزواج المدني يعني لرجال الدين، وربما أكثر من الاعتبارات الدينية، فقدان الدور والنفوذ والتمويل. المحاكم الشرعية والروحية هي دول قائمة بذاتها، لها قوانينها وتنظيمها وتمويلها، وتمارس على الناس سلطة مطلقة وتعشش فيها أمراض البلد المعروفة ولن يتخلى عنها القائمون عليها بسهولة.
سينكفئ المطالبون بالزواج المدني تحت ضغط المؤسسات الدينية والحملات التكفيرية ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسينام الحديث عنه فترة طويلة، كما حدث عندما أقر مشروع قانون الزواج المدني الاختياري عام 1998 عهد الرئيس الياس الهراوي في مجلس الوزراء، ثم طُوي في جوارير مجلس الوزراء بعد حملة شرسة من المفتي محمد رشيد قباني آنذاك.
لن يقر قانون للزواج المدني في لبنان ما دام النظام طائفياً والحكام طائفيين. إنهم يختبئون وراء رجال الدين في القضايا المحرجة. السياسيون ورجال الدين في لبنان توائم تتبادل الأدوار والمنافع وسيبقى لبنان بلداً طائفياً لا أمل به حتى يأتي الإعصار.
اللبنانيون يجوعون وباتوا بلا دولة وبلا حكومة وبلا قانون وبلا قضاء وبلا أمن وبلا خبز وبلا دواء وبلا استشفاء وبلا كهرباء وبلا ماء وبلا كرامة وبلا مستقبل… لكن كل ذلك لا يهم ولا يثير الحنق.
Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى