هل يبيع الأوكرانيون الأسلحة الغربية؟
في خطابه أمام منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في سويسرا قبل نحو شهر، ناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي العالم الغربي دعم بلاده بمزيد من الأسلحة، معتبرا أنه كان من الممكن إنقاذ عشرات آلاف الأشخاص لو حصلت أوكرانيا على كامل احتياجاتها العسكرية دفعة واحدة بداية الحرب في فبراير/شباط الماضي.
زيلينسكي عاد وكرر كلامه في الإعلام الأميركي بعد قمة دافوس أيضا، مسخّفا مخاوف المسؤولين الأميركيين وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أن جيشه سيحتاج إلى تدريب كبير قبل تلقي أسلحة متطورة.
كلام الرئيس الأوكراني بدا غير مألوف، وذلك نتيجة إعلان العديد من الدول الغربية دعم أوكرانيا بالكثير من الأسلحة المتنوعة منذ بداية الحرب إلى اليوم. أما المخاوف الغربية التي تحدث عنها زيلينسكي، فأوحت بأن الدول الغربية تخفي ما قد يكون أعمق من مسألة تدريبات أو تحضيرات، خصوصا بعد أن أظهرت القوات الأوكرانية تراجعا ميدانيا ملحوظا منذ مدة.
أسئلة كثيرة طُرحت في الأروقة الدبلوماسية وخلف جُدُر أجهزة الاستخبارات الغربية عن مصير هذه الأسلحة: ماذا يحل بها بعد وصولها إلى الأراضي الأوكرانية؟ ولماذا هذا التراجع في الأداء العسكري؟ إلى حين ظهور تقارير جدية تتحدث عن لجوء بعض عناصر وضباط من الجيش الأوكراني والأجهزة المسؤولة عن الإمداد اللوجستي إلى بيع هذه الأسلحة في “السوق السوداء” وعلى الإنترنت!
في البداية، حاولت وسائل إعلام أوكرانية وأخرى غربية التقليل من أهمية الاتهامات، موجهة أصابع الاتهام بشكل مضاد إلى روسيا والإعلام الموالي لها، بأنها هي من تروج “معلومات مضللة” بشأن بيع أسلحة مفترض.
في حينه، قالت كييف إنها صادرت آلاف المطبوعات التي تحتوي على “مواد متطرفة”، تسيء إلى سمعة الجيش الأوكراني، عمدت روسيا إلى نشرها، وعثرت عليها القوات الأوكرانية في المناطق المحررة.
أسلحة غربية للبيع على الإنترنت
متابعة هذا الملف تظهر بالفعل أن أسلحة كثيرة من المساعدات العسكرية الغربية أُدرجت للبيع في العديد من أسواق الأسلحة على شبكة “الإنترنت المظلمة” (Dark web) التي تُعد مكانا آمنا لتداول الممنوعات حول العالم بأساليب غير شرعية.
وهذه الأسلحة يزعم عارضوها أنها مقبلة من الدول الغربية لدعم الجيش الأوكراني، إذ يفترض المحللون السيبرانيون أنها وُضعت جانبا بطريقة مجهولة من بين الإمدادات التي تلقتها أوكرانيا، بغية بيعها لشبكات الإرهابيين الذين يتطلعون إلى شراء قاذفات صواريخ وأنظمة هجومية عالية التأثير.
وفي تحقيق مشترك قبل أسابيع، كشفت وكالتان متخصصتان في الأمن السيبراني -“بليبينغ كمبيوتر” (Bleeping computer) الأميركية، و”كيلا” (Kela) الإسرائيلية، عن أن قوائم الأسلحة على الشبكة المذكورة “تبدو حقيقية” وتُسعر بشكل “واقعي”.
وكالة “كيلا” عثرت على هذه القوائم، وأكدت أن أوكرانيين نشروها في العديد من أسواق الشبكة المظلمة، وبعض هذه الأسواق متخصص في بيع البنادق والقنابل اليدوية والسترات الواقية، حيث يعد البائعون زبائنهم المفترضين بتسليمهم المبيعات على الأراضي الأوكرانية.
الوكالة كشفت، في تقريرها، عن أن صفحات تعرض أنظمة صواريخ “جافلين” (Javelin) الأميركية المضادة للدبابات مقابل 30 ألف دولار، وقد حدد أحد الباعة موقعه في العاصمة كييف. كما أدرج بائع آخر أسلحته المقدمة من دول حلف الناتو إلى أوكرانيا، وهي صواريخ “إن إل إيه دابليو” (NLAW) المضادة للدبابات مقابل 15 ألف دولار، إضافة إلى طائرة “سويتش بليد 600 كاميكازي” (Switchblade 600 Kamikaze) بدون طيار أميركية الصنع، مقابل 7 آلاف دولار.
لكن الوكالتين شككتا في صحة القوائم بحجة ضعيفة، متكئة على قرينة نشرها على قنوات “تليغرام” (Telegram) روسية بعد مدة قصيرة من إدراجها على “الشبكة المظلمة”، على الرغم من اعتراف الوكالتين بأن هذه الأسلحة كانت تُهرب عبر دولة مولدوفا بواسطة شاحنات وبشكل سري، وتفترض أن كييف كانت على علم بالأمر.
تقول الوكالتان إن النشر المتزامن والمنسق يزيد من “احتمالية التضليل”، وذلك من أجل “تقديم الأوكرانيين على أنهم غير أخلاقيين وغير جديرين بالثقة”، لكن في المقابل لم تسطع أي من الوكالتين نفي الأمر بشكل حاسم، أو تأكيد أن هذه المعلومات غير صحيحة، وذلك لأن التحقق من صحة القوائم والبائعين والزبائن على الشبكة المظلمة، هو “أمر صعب جدا”.
صحيفة كندية تفجر المفاجأة
لكن المفاجأة جاءت من الجانب الآخر للقارة الأوروبية، تحديدا من كندا حيث كشفت صحيفة “ذا ستار” (The Star) في تحقيق مفصل قبل أسابيع، السبب خلف نقص الأسلحة الناتج عن عمليات بيع ممنهجة للأسلحة والذخائر والصواريخ والمعدات المقبلة من الغرب.
وتقول الصحيفة إن جنود الخطوط الأمامية في أوكرانيا “يتصارعون مع واقع مظلم ومثبط للعزيمة” نتيجة “الفقر في التجهيز بشكل خطير”، على الرغم من التعهدات الغربية بإرسال الدبابات والمدفعية وأنظمة الصواريخ. كما تؤكد أن الفجوة بين متعهدي الأسلحة المقدمة من الحكومات الغربية لأوكرانيا، وبين عشرات آلاف المقاتلين في الخطوط الأمامية “مثيرة للدهشة”.
ونقلت الصحيفة عن مقاتل كندي عاد إلى دياره من أوكرانيا، أنه واجه نقصا في المعدات خلال قتاله مع القوات الأوكرانية في ضواحي كييف ودونباس. كما أكد قناص سابق في القوات المسلحة الكندية أن المقاتلين يرسلون إلى المعركة بـ4 مخازن طلقات فقط، أي بأقل من نصف الحد الأدنى الذي يحمله الجنود عادة في المعركة، وهناك شك وإحباط حول اضطرار هؤلاء الجنود المدعومين من أغنى البلدان وأفضلها تسليحا حول العالم، للدفاع عن أنفسهم بطرق “مرتجلة”، متحدثا عن تسليمهم صواريخ جافلين بلا عدد كاف من بطاريات الليثيوم، غير القابلة لإعادة الشحن، ومؤكدا أن لا أحد من بين القيادة الأوكرانية كان يعطي إجابة شافية حول سبب النقص أو الجهة المسؤول عن عمليات توزيع هذه الأسلحة.
بعد انطلاق المعارك بشهر تماما، أقر البرلمان الأوكراني نهاية مارس/آذار الماضي قانونا يهدد من يسرقون أو يبيعون أو يسيئون استخدام المساعدات والتبرعات، بالسجن لمدة تصل إلى 12 عاما. لكن برغم ذلك، فإن العديد من حالات الاستغلال قد ظهرت، حيث ألقي القبض، حسبما تكشف الصحيفة، على موظف حكومي يبيع قاذفة قنابل يدوية مضادة للدبابات وبندقيتي كلاشينكوف وكمية من خراطيش البنادق بشكل غير قانوني.
وكذلك أوقف السلطات الأوكرانية نائب رئيس إدارة عسكرية غربي أوكرانيا، بتهمة استخدام سيارات الإسعاف المتبرَع بها، لتسيير خدمات خاصة بغية الربح، وكذلك توقيف رئيس بلدية مدينة غربي البلاد بتهمة قبوله رشوة لنقل حافلة تبرعت بها مجموعة إنسانية من فنلندا، وهي الحالات التي استطاعت الصحيفة توثيقها.
الصحيفة دعت الخبراء إلى مزيد من المساءلة ووضع الضوابط الصارمة على شحنات الأسلحة، لضمان عدم تحويلها إلى “السوق السوداء” ومنع تحقيق مكاسب شخصية للموظفين العموميين، داعية وزارة الدفاع الكندية إلى التحقق من وصول المساعدات عبر “شهادات المستخدم النهائي” بضمانة وزارة الدفاع الأوكرانية، لكن الصحيفة خلصت في نهاية المطاف إلى أن كندا “ليس لديها مثل هذا النظام للتحقق”.
أما المنظمات الداعمة للجيش الأوكراني، فتنقل عنها الصحيفة أنها على دراية بـ”مخاطر السرقة”، ولهذا تهتم المنظمات بتسليم إمداداتها للسائقين الموثوقين والملحقين بوحدات عسكرية محددة فقط، أو في مستودعات الإمداد التي تديرها تلك المجموعات، لكن الصحيفة في المقابل اعترفت -في نهاية تقريرها- بأن أوكرانيا مصنفة ضمن “مؤشر الجريمة المنظمة” العالمي عام 2021 على أنها “أكبر أسواق تهريب الأسلحة في أوروبا”!
المصدر : عماد الشدياق – الجزيرة.