المياه اختفت من بيروت: الدولرة أو التوقف عن العمل؟
في شهر شباط الماضي، أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان في بيان، أنها وضعت قيد التحصيل جداول إصدارات العام 2022، ودعت جميع المشتركين إلى تسديد بدلات المياه المترتبة عليهم، وذلك بعد رفع الرسوم السنوية في بداية العام 2022 بشكل كبير، بحيث أصبحت 983 ألف ليرة، بعد أن كانت 349 ألفاً، تتضمّن بدل الاشتراك السنوي وبدل الصيانة وبدل صيانة الصرف الصحي، إضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة 11 بالمئة، وتدوير الكسور وطابع 1000 ليرة. رغم ذلك لا تزال المياه تُقطع عن المنازل في بيروت، وهي كذلك منذ أيام.
أعطال وانتظار مانحين
اليوم الجمعة 24 حزيران أصدرت منذ ساعات، المؤسسة التي تخدم مليوني و500 الف مواطن، بياناً أكدت فيه، بعد تكرار الشكاوى نفسها بشأن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، وظروف العاملين فيها، وغلاء المازوت الذي يجعل من المستحيل تشغيل المضخات لنقل المياه، وصعوبة أعمال الصيانة التي تتطلّب مالاً بالدولار الأميركي، أن فرقها تواصل أعمال الصيانة للعطل الذي طرأ على خط الضخ الرئيسي المعروف بخط 1200 الذي يغذي عدداَ كبيراَ من أحياء العاصمة بيروت، ومناطق ساحل المتن والضاحية الجنوبية، على أن ينتهي العمل الأسبوع المقبل، بحال تأمنت القطع اللازمة بالتنسيق مع جهات مانحة.
وفي هذا السياق يؤكد مدير عام مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران أن انقطاع المياه لا يتعلق بشحّ المصادر، بل بالقدرة التشغيلية الضعيفة للمؤسسة، سواء بسبب غلاء المازوت، قلة المال للصيانة، وحتى بسبب عمليات السرقة المتكررة لمعدات المؤسسة في محطّاتها، مشيراً في حديث لـ”المدن” إلى أن البيان الأخير الذي صدر عن المؤسسة يقول كل شيء بوضوح.
دولرة فاتورة المياه؟
قبل الأزمة، كانت قيمة فاتورة المياه حوالي 230 دولاراً أميركياً، أما اليوم، فهي رغم الزيادة لا تصل إلى 40 دولاراً بحال احتسبناها على أساس سعر منصة صيرفة. وبالتالي تعرّضت المؤسسة إلى ضربة قاضية، كانت أسهل منذ عام وأكثر، وأصبحت كارثية اليوم بسبب أسعار المحروقات. فهل من نيّة لدولرة قطاع المياه إسوة بقطاع الاتصالات الذي يُطلق الشهر المقبل فواتيره الجديدة المدولرة على سعر منصة صيرفة بعد أشهر من “النقّ” بشأن استمرارية القطاع. وقطاع الطاقة الذي يستعد بدوره لرفع قيمة فواتيره في المستقبل القريب بحجة تأمين ساعات تغذية؟
يؤكد جبران أن هذ التوجه غير مطروح حتى اليوم، إنما السؤال هو كيف تستمر المؤسسة؟ ويقول: “افتراضاً قمنا بدولرة فواتير المياه، ماذا يفعل المواطن الذي لا يزال يحصل على راتبه بالليرة؟ واعتبر أن الخطوة الأولى التي يجب أن تحصل هي توحيد سعر صرف الدولار، ومن ثم رفع الحد الأدنى للأجور، وبعدها تأمين الأموال للمؤسسات العامة لتتمكن من الاستمرار ودفع رواتب موظفيها، وبعدها تدرس هذه المؤسسات ميزانياتها وكلفة خدماتها وتعتمد تسعيرات جديدة.
9 مليون و800 ألف ليرة للفاتورة العادلة
يكشف جبران أن فاتورة المياه السنوية حالياً لا تكفي لشيء، مشيراً إلى أن الفاتورة المنصفة اليوم بحال كان سعر صرف الدولار 30 ألف ليرة، هي 9 مليون و800 ألف ليرة. وبحال كان سعر الدولار 20 ألف ليرة، فهي 6 مليون ونصف المليون ليرة، لكن هذا يُعتبر مستحيلاً في الفترة الحالية.
البديل أغلى .. وأسوأ
لست أدري ما السرّ الذي خشي حسن إخراجه من فمه عندما سألته كصحافي عن سعر برميل المياه ضمن نطاق الضاحية الجنوبية، فتحوّل من “صاحب مصلحة” إلى مجرد سائق بيك آب لا يعرف بالأسعار شيئاً.
رغم ذلك بحثنا في أسعار مياه الستيرنات التي تُعتبر البديل عن مياه الدولة عند غيابها في بيروت، فوجدنا أن الأسعار تختلف بين منطقة وأخرى، وبين نوعية وأخرى.
في الضاحية الجنوبية لا تتمايز الأسعار بين البائعين كثيراً، يقول أحد موزعي المياه فيها، إنما تختلف بين المياه الحلوة والمياه المالحة بعض الشيء، والتي تكون أرخص بحوالى 20 بالمئة من سعر المياه الحلوة. إذ أن سعر برميل المياه الحلوة يصل إلى 50 ألف ليرة، بحال كانت النقلة أقل من 10 براميل، و40 ألف ليرة إذا كانت النقلة ما بين 10 و20 برميلاً، و30 ألف ليرة للبرميل بحال كانت النقلة أكثر من ذلك. وهذا مع الإشارة إلى أن نقلة الـ5 براميل لم تعد رائجة، لأن كلفة نقلها أكبر من كلفة شراء المياه. وبالتالي فإن نقلة 40 برميلاً التي تكفي العائلة متوسطة الحجم حوالى 10 أيام أو أكثر بقليل بحال تم تقنين استخدام المياه، تبلغ مليون و200 ألف ليرة، أي أكثر بـ250 ألف ليرة من قيمة فاتورة مياه مؤسسة المياه على سنة كاملة.
وفي منطقة فردان وعائشة بكار والزيدانية والصنائع تختلف الأسعار، فيصل سعر البرميل أحياناً الى 70 ألف ليرة بحال كان هناك ضغط على الطلب، والسبب بحسب معلومات “المدن” هو قلة المنافسة الموجودة في هذه المناطق.
وحسب موزع مياه، فإن السعر يخضع لاعتبارات واضحة هي كلفة المحروقات للنقل، وكلفة المحروقات لاستخراج وتعبئة المياه، وكلفة المحروقات لتفريغ الحمولة، وبالتالي كلما ارتفعت أسعار المحروقات، كلما ارتفعت كلفة شراء المياه من النواعير، وبالتالي ارتفاع سعر مبيعها للمواطنين.
سوق سوداء للمياه
يستغل التجار زمن الأزمات لتحقيق أرباح خيالية، وفي أزمة المياه لا يختلف الحال. إذ كلما انقطعت المياه عن السكان كلما ارتفع الطلب، واتسعت تجارة السوق السوداء، ويتحكم من يملك السلعة بمن يطلبها، بحيث وصل سعر نقلة مياه 10 براميل الأسبوع الماضي في بيروت إلى مليون ليرة، أي ضعف ثمنها المفترض.
المصدر : محمد علوش – المدن