تابعوا قناتنا على التلغرام
اقتصاد ومال

لبنان أسير “أزمات” الخبز والبنزين والسرقة !

يعيش المواطن اللبناني ضيقاً حتّى الاختناق، فها هو الطوق يشتد حول لقمة العيش، لا خبز في الأفران، ولا قدرة للتنقل مع قرب “دولرة” أسعار الوقود. وبين هذا وذاك، أجورٌ لم تعُد قادرة على تأمين السلع الأساسية والحاجات الضرورية لكل كائن حي.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يشعر اللبناني بالقلق والخوف على مستقبله، فالأزمة بلغت “لقمة الخبز”. وما كان يُحكى عن “أزمة جوع” بدأ يتلمسها، في الطوابير أمام المخابر، وفي عيون الناس الذين “بدأوا التقنين في الطعام”، تقول إحدى المواطنات اللبنانيات في العقد الخامس من العمر. فيما يجزم آخر، ثمانيني، “لم يسبق لنا أن عشنا هذا الوضع في لبنان، في أحلك أيام الحرب الأهلية، كنا نجد الخبز والطعام، إن الإذلال فاق كل التصورات”.

وفي جولة ميدانية لـ “اندبندنت عربية”، في الشمال وبيروت وجبل لبنان، غاب الخبز عن كثير من صالات العرض، فيما اصطف مواطنون لساعات في طوابير تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل الحصول على قليل منه. ولماذا الخبز العربي الأبيض، لأنه ببساطة هو الصنف المدعوم من الدولة اللبنانية. وفي ظل غياب الخبز، تنقّل مواطنون بين الأفران والصالات لعلّهم يجدون رغيفاً، فيما تكتفي فئات بشراء الخبز المعروف “بالإفرنجي” وبعض الأنواع غير المدعومة.

الأفران الكبرى تحاصر الناس

أقفلت أكثرية الأفران أبوابها باكراً، فما إن جاءت الظهيرة حتى أوصد كثير من الأفران الأبواب بحجة أنه “لم يعد لدينا طحين من أجل عجنه وخبزه”، و”لم نُزوّد بكمية مدعومة كافية لتأمين حاجات المواطنين”. لذلك، أبلغ بعض الأفران المحال بأنه سيتوقف عن تسليمها الخبز، إلا في حال مضاعفة التسعيرة. ويروي فراس، أحد أصحاب المؤسسات التجارية في عكار، أن الفرن الذي يتعامل معه أبلغه بأنه سيزوده بالخبز شرط مضاعفة السعر، فـ”الربطة التي تباع بـ 13 ألف ليرة (نحو نصف دولار) في الفرن سيتوجب بيعها بـ 30 ألفاً” (أكثر من دولار واحد بقليل). هذا الأمر، يقرأ به فراس “استغلالاً لحاجات الناس وإخضاع الخبز للسوق السوداء”. لذلك، أبلغ زبائنه “الذين ينتمي معظمهم إلى فئة محدودي الدخل”، عبر غروب “واتساب”، بأن “الربطة ستكون بـ 30 ألفاً، وعليهم الحجز مسبقاً” لكي يؤمن عدداً “على الطلب”.

في المقابل، اتخذ بعض الأفران إجراء التقنين وأقفل الأبواب باكراً. وتؤكد إدارة أحد الأفران في منطقة زغرتا “نحن لم نقفل أبوابنا أمام الناس من أجل حجب الخبز عنهم، إنما نضطر إلى الإغلاق عندما تنتهي الكميات المتوافرة”. وتضيف “نبحث في الأرجاء عن الطحين، ونحضر الاجتماعات ونقوم بالوساطات، ولكن لا نحصل إلا على كميات قليلة”. ويلفت أحد أصحاب الأفران إلى أن امتناع الأفران الكبرى عن التوزيع فاقم الأزمة، لأن زبائنها يعودون إلى الأفران المحلية عندما لا يجدون منتجاتها في السوبر ماركت. ومن أجل توزيع عادل، تقوم بعض الأفران بتحديد الكميّات للزبائن، فيما تبرز شكاوى من عمليات ابتزاز يتعرض لها المواطنون، على غرار ما جرى إبان أزمة البنزين.

إلى ذلك، تأتي طوابير الخبز لتكشف مكنونات النفس البشرية، فتجد المواطنين المصطفين في الطوابير مندفعين في غريزة البقاء، يتضاربون، يتدافعون، ويتسابقون للحصول على الخبز، ولا يعود مستغرباً سقوط البعض أرضاً أو غياب آخر عن الوعي.

وزير الاقتصاد سنعاقب “السارقين”

يشعر وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام بخيبة أمل من مختلف الفاعلين في مجال صناعة الرغيف، وتحديداً “أولئك الذين يستغلون الدعم من أجل مصالحهم الخاصة”. وفي حديث لـ “اندبندنت عربية” يتحدث سلام عن “تجار الأزمات الذين استفادوا من مليارات الدولار على مدار سنوات، على حساب المواطن الذي لم يشعر بها”، متهماً هؤلاء بدفع البلاد نحو نفق مظلم.

ويؤكد سلام أنه صاحب موقف مبدئي ضد سياسات الدعم، لكنه يتطرق إلى سلسلة إجراءات يجب اتباعها من أجل حماية الفئات الضعيفة، لأن “رفع الدعم يجب أن يترافق مع إجراءات حمائية”. ويقول “الشيء الوحيد المتبقي للناس هو الخبز، بعد رفع الدعم عن كل شيء بما فيه الدواء”، و”لا يمكن رفع الدعم عنه عشوائياً”.

ويشير سلام “التزمنا بالحفاظ على دعم الخبز، وعندما وجدنا أننا عاجزون عن الاستمرار في ذلك، اتجهنا إلى الاقتراض من البنك الدولي من أجل الوصول لاحقاً إلى رفع دعم تدريجي عن السلع، على أن يترافق ذلك بإقرار البطاقة التمويلية وبرنامج كامل لدعم الطبقات الفقيرة التي أصبحت تشكل 80 في المئة من الشعب اللبناني”.

ويتهم سلام التجار باستغلال دعم طحين الخبز، مردفاً “عندما رفعنا الدعم عن المنتجات كلها باستثناء الخبز، برزت الأزمة لأن أصحاب الأفران استفادوا من الطحين المدعوم لصناعة منتجات أكثر ربحاً، بالإضافة إلى الاحتكار والتهريب”. ويتابع، “تستغل الأفران الكبيرة الطحين المدعوم لصناعة الحلويات، الكرواسان، والمنتجات غير المدعومة، لتحقيق ربح كبير”، معتبراً أنها “تتذاكى على الدولة، وتسرق المال العام”.

ويسأل عن اختفاء 45 ألف طن من القمح خلال مايو (أيار) الماضي، وهو ما يكفي حاجات البلاد لأكثر من شهر. وقد فتح مصرف لبنان لها اعتمادات بالدولار، وتؤكد بيانات الجمارك اللبنانية ذلك، “البيانات مسجلة بالورقة والقلم، ومن ثم تأتيني لتقول بعد ثلاثة أسابيع لم يعد هناك طحين”، مكرراً “لقد سرقوا القمح، وقاموا بتوضيبه بأكياس جديدة بعدما أزالوا عنها أسماء المطاحن”. وقد دفعت هذه القناعة وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال إلى تقديم مجموعة من الإخبارات إلى النيابة العامة المالية بأسماء عدد من الأفران والمطاحن المشتبه فيها بناء على معلومات جمعتها الوزارة. ويلفت سلام إلى أن “جرم هؤلاء ينصب على تهديد الأمن الغذائي، وهو لا يقل عن خيانة الوطن”.

الحلول ممكنة لأزمة الخبز

يكشف الوزير سلام عن اجتماع عُقد مع أصحاب المطاحن، وقد أفاده هؤلاء بوجود 20 ألف طن في لبنان. يُضاف إليها ما تم طلبه من الخارج. فهناك بواخر مستوردة عدة، إحداها بسعة 10 آلاف طن، وأخرى تأخرت فحوصاتها بسعة ثمانية آلاف طن. بالتالي، فإن هناك حوالى 38 ألف طن يمكن أن تؤمن حاجة لبنان لنحو الشهر.

ويتحدث سلام عن تجاوب مصرف لبنان مع طلباته لفتح اعتمادات لاستيراد القمح من الخارج، وهناك أربع بواخر إضافية وافق الوزير على طلباتها. ورداً على سؤال “ما مدى قدرة مصرف لبنان على الاستجابة لطلبات الدعم في ظل تراجع الاحتياطات بالنقد الأجنبي لأنه أبلغ من يلزم بأنه غير قادر على الاستمرار طويلاً بدعم البنزين، فكيف الحال بالقمح؟”، يجيب سلام “لقد استبقت هذه الفرضية، إذ اتجهنا إلى استخدام حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي حيث تبلغ حصة لبنان مليار و300 مليون دولار، إلى جانب القرض بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي الذي يصل إلى مجلس النواب قريباً، وثمة حاجة إلى دراسته وإقراره في أسرع وقت ممكن من أجل تغطية استيراد القمح لمدة تسعة أشهر مقبلة.

يؤكد سلام “يفرض التعامل مع الجهات المالية الدولية، التدقيق والتزام الشفافية للمحاسبة على كل حبة قمح، وليس كما كانت تسير الأمور سابقاً لناحية سرقة القمح”، “لذلك هم يستبقون تلك الإجراءات بتخبئة وسرقة ما يمكن من القمح”.

ويُقر سلام بتأثير حرب أوكرانيا على كلفة استيراد القمح، مشيراً إلى نتائج مرضية مع ألمانيا وأوكرانيا ورومانيا وبولندا، من أجل الحفاظ على وتيرة الاستيراد. ويأمل في تطويق أزمة القمح لأن حاجة لبنان هي حوالى 600 ألف طن سنوياً من القمح، يمكن تأمينها من خلال الاعتمادات المؤمنة لمدة شهر من مصرف لبنان، بالإضافة إلى قرض البنك الدولي الذي يؤمن الحاجات لتسعة أشهر إضافية، و”من ثم يخلق الله ما لا تعلمون”.

ماذا عن البنزين؟

لا يقل الخوف من “دولرة” سعر البنزين عن الخوف من انقطاع الخبز، فكلاهما يعني القضاء على مظاهر الحياة في لبنان. ويوضح جورج البراكس، نقيب أصحاب محطات الوقود، أنه “لم يَصدر بعد أي قرار بشأن تسعير البنزين بالدولار، على غرار ما جرى مع المازوت والغاز، ولكن حاكم المصرف المركزي أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل الانتخابات أنه غير قادر على الاستمرار بالدعم الجزئي للبنزين طويلاً. وقد طلب منه رئيس الحكومة تأجيل القرار لمدة شهرين”. والآن، بعد إجراء الانتخابات، عاد هذا الموضوع إلى الطرح، فبحسب البراكس، إن الحساب العلمي يؤكد أن ذلك سيقود إلى ارتفاع كبير في سعر صفيحة المحروقات، فتسعير الدولار حالياً يتم وفق منصة صيرفة، أي 24900 ليرة، بينما سعر صرف الدولار في السوق الحرة يقترب من 29 ألف ليرة حالياً، وبالتالي فإن الانتقال بين السعرين سيؤدي حكماً إلى ارتفاع الأسعار، ليبلغ سعر الصفيحة 23.5 دولار.

ويدعو البراكس إلى ايجاد آلية لضبط السوق وتأمين استعادة أصحاب المحطات ما ينفقونه من دولارات بغية شراء الوقود، لأن عدم وجود الآلية التي تؤمن الدولارات الطازجة سيؤدي إما إلى خسائر كبيرة أو إلى إقفال المحطات. ويؤكد البراكس أنه لا يمكن تحديد سقف لسعر صفيحة البنزين، لأن ذلك مرهون بثلاثة عوامل متحركة: سعر النفط عالمياً، سعر صرف الدولار مقابل العملة اللبنانية، والاستمرار باعتماد منصة “صيرفة” أو الانتقال إلى التسعير بدولار السوق الحرة. ويقود عدم ثبات هذه العناصر مجتمعة، والخوف من الإقبال الكبير على السوق السوداء من أجل تأمين الدولارات لتأمين استمرارية شراء المحروقات، إلى احتمال تفلت سعر الصرف وبلوغ مستويات جنونية.

المصدر : بشير مصطفى – أندبندنت عربية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى