مطالبات بمنح الجنسية اللبنانية لأبناء الأم بدلا من “مرسوم المصالح”
جرت العادة في لبنان، أن يصدر رئيس الجمهورية مرسوم تجنيس في نهاية عهده، يمنح بموجبه الجنسية لمجموعة من المستحقين وأولئك الذين أدوا خدمات عظيمة للبلاد. ويعود السبب في ذلك إلى أن لبنان لا يمنح الجنسية إلا وفق معيار الدم، أي لأبناء الأب اللبناني. ومع دنو عهد العماد ميشال عون من نهايته، أي بعد نحو 4 أشهر فقط، في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، بدأت التسريبات عن إعداد مرسوم للتجنيس، ما أدى إلى بدء السجال حوله حتى قبل أن يبصر النور.
صلاحية رئاسية يكفلها الدستور؟
وفق المادة السادسة من الدستور اللبناني، فإن “الجنسية اللبنانية وطريقة اكتسابها وحفظها وفقدانها تحدد بمقتضى القانون”، ولم يأت الدستور اللبناني على التفاصيل في شأن الجنسية، وجاءت نصوصه عامة. ولما كان المشرع اللبناني قد اعتمد معيار الدم لا مكان الولادة لاكتساب الجنسية، فإن شرائح كبيرة من المقيمين قد حرمت من حق الحصول على الهوية اللبنانية.
ويحرم قانون الجنسية اللبناني الصادر في عام 1925 والمعدل في 1960 الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي من حق منح الجنسية لأبنائها. من هنا تأتي أهمية الصلاحية الاستثنائية بمنح الجنسية التي خص بها رئيس الدولة، كفرصة لإنصاف بعض الفئات. وعلى الرغم من النطاق الضيق الذي تفسحه القوانين أمام اكتساب الجنسية، إلا أن دائرة شؤون الجنسية والقضايا في المديرية العامة للأحوال الشخصية أفسحت المجال لتقديم “طلب التجنس بالجنسية اللبنانية”، وإرفاقه بمجموعة مستندات: طلب موقع من أصحاب العلاقة الراشدين تصديق المختار على التواقيع، وصورة من جواز السفر.
وتضمنت المستندات إشارة لافتة إلى التابعية السورية، عندما ذكرت “أو بيان قيد سوري وصورة عن الهوية”. وكذلك تقديم إقامة صالحة، وسجل عدلي، وإفادة مذهب، ومستندات تثبت إقامته في لبنان (5 سنوات بالنسبة للأجنبي غير المتزوج من لبنانية)، وبيان عائلي لأصحاب العلاقة منظم من قبل مختار المحلة بالاستناد للأوراق الثبوتية وفق نموذج معين. ويشير موقع المديرية إلى أن الطلب يقدم في دائرة شؤون الجنسية والقضايا، ويرفق بإيصال رسم تجنس، ويحال الملف إلى المديرية العامة للأمن العام للتحقيق.
لذلك بقي هذا النظام عرضة للتجاذب والسجال، وتباينت المواقع بين من يضعه في خانة التغيير الديموغرافي والتوطين، ومن يعده انتهاكاً لحقوق المواطنة للمرأة وأطفالها. وبين هذا وذاك، حاولت جهات عدة تقديم تعديلات لفسح المجال وأحياناً بصورة جزئية أمام منح الجنسية لأبناء الأم اللبنانية ومساواتها في الحقوق مع الرجل. وفي هذا السياق يمكن ذكر بعض المشاريع المقترحة لتعديل القانون خلال السنوات القليلة الماضية، ومن بينها المشروع الذي تقدم به الوزير زياد بارود، واستثنى اللبنانية المتزوجة من فلسطيني من هذا الحق، وكذلك اقتراح مقدم من النائبين السابقين بيار دكاش وبهيج طبارة للمساواة بين الأم والأب اللبناني في منح الجنسية لأبنائهما، والاقتراح المقدم من نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت في عام 2016 الذي يعطي الأم حق منح الجنسية لأبنائها، ومشروع قانون مقدم من وزير الخارجية السابق جبران باسيل في مارس (آذار) 2018 الذي يستثني اللبنانيات المتزوجات من مواطني الدول المجاورة، واقتراح اللقاء الديمقراطي.
المرسوم حق للرئيس
يقول الخبير القانوني، خليل خير الله، إن لرئيس الجمهورية صلاحية استثنائية لإصدار “مرسوم تجنيس”، حيث يمنح مجموعة من الناس الجنسية، مضيفاً أن “منح الجنسية يجب أن يستند إلى أسباب موجبة تبرر لإصدار المرسوم، كأن يلحظ أنهم قدموا خدمات ودعماً للبنان في الداخل والخارج”.
يتحدث خير الله عن وجوب التمييز بين الشق النظري، والممارسة العملية والواقعية، مشيراً إلى أن هناك تشكيكاً مستمراً بهذه المراسيم التي لا تخضع لمعايير علمية، وتفوح منها أحياناً رائحة المنفعة، لكونها صلاحية لا تخضع للرقابة، ولا يعرضها الرئيس على مجلس الوزراء ولا النواب، لافتاً إلى اعتياد رؤساء الجمهورية إصدار هكذا مراسيم في ختام عهودهم كـ”هدية للرئيس الراحل”.
ينوه خير الله إلى أن الممارسات الدستورية في لبنان، تغلب عليها الصفقات بين الأحزاب أكثر من كونها تطبيقاً لنصوص مكتوبة، وتأتي الأعراف لتتفوق في الشق العملي على التشريعات.
في عام 2018، أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مرسوم تجنيس منح بموجبه الجنسية لـ300 شخصية، من بينهم عدد من رجال الأعمال السوريين المقربين من النظام السوري. وخلق المرسوم آنذاك سجالاً كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية اللبنانية، وما إن بدت ملامح مرسوم جديد حتى عاد الخطاب السجالي، وتقدم اللقاء الديمقراطي الذي يرأسه تيمور وليد جنبلاط قائمة المعترضين.
يشير النائب هادي أبو الحسن إلى تحفظ “اللقاء الديمقراطي” على أي مرسوم تجنيس جديد، متحدثاً عن “مسائل مريبة ورائحة صفقات لتجنيس رجال أعمال سوريين ضمن هذا المرسوم الذي لم يطلع الأمن العام على الأسماء الواردة فيه للتحقيق في خلفياتهم إلا بعد صدوره”. ويطالب أبو الحسن عبر “اندبندنت عربية” بإعطاء الأولوية للأمور الطارئة ومعاناة المواطنين.
يقترح أبو الحسن “إقرار مشروع القانون الذي يمنح الجنسية لأبناء الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي ولا يزال في أدراج مجلس النواب، بدلاً من تمرير مرسوم يقوم على الصفقات والمصالح”، منتقداً “تراجع الاعتبار الإنساني والحقوقي لصالح الاعتبارات الطائفية والمذهبية”.
ويوضح أن الاقتراح الذي تقدموا به، يسعى لإنصاف مكتومي القيد وأبناء الأم اللبنانية التي “تحمل ابنها 9 أشهر، وعندما يولد تفصل بينهما الجنسية. هذا أمر غير أخلاقي”، ولا يشتمل هذا الاقتراح حالات مكتومي القيد التي طرأت بعد بدء الأزمة السورية في 2011، بسبب عدم تسجيل المواليد، مؤكداً أن “النقاش أمام اللجان النيابية والهيئة العامة، يشكل ضمانة للوصول إلى قانون يحفظ المصالح الوطنية والتوازنات”.
المطالبة بمرسوم تجنيس مستقل
في موازاة الحديث عن مرسوم تجنيس جديد، تصاعدت النداءات لإنصاف المواطنين في وادي خالد اللبنانية الواقعة في أقصى عكار عند الحدود السورية، الذين حرموا من الجنسية بسبب بعض الأخطاء. ويوضح النائب محمد يحية لـ”اندبندنت عربية” أنه كلف فريقاً متخصصاً لتصنيف الملفات بالنسبة لمواطني وادي خالد، متحدثاً عن مشكلات مختلفة يعانيها المواطنون. يقول يحية “هناك أمور مستغربة مثل ورود أسماء بعض المواطنين في لوائح الشطب ولا يمكنهم في المقابل استصدار إخراج قيد، وفئة أخرى تم تجنيس بعض أبنائها وحرم الآخر من الجنسية في مرسوم 1994، وكذلك هناك شريحة مكتومي القيد، وكانت هناك شريحة لم تتقدم بملفات التجنيس لأنها لم تكن واثقة بصدور المرسوم”.
المصدر : اندبندنت عربية.