مشاعات العاقورة إلى الواجهة: أجندة مُحاكة قبل نهاية العهد؟
في أوجّ التأزّم المالي الأعمق استفحالاً في تاريخ لبنان، ينكبّ خبراء مُكلَّفون درس المخارج الماليّة والاقتصاديّة، على البحث عن السبل الآيلة إلى استعادة المودعين اللبنانيين جزءاً من ودائعهم في المصارف، كمرحلة أولى في اتّجاه إنقاذ جنى أعمارهم كاملةً، في مُهمّةٍ بالغة الصعوبة، تستوجب طرح خيارات تمسّ بالثروات الأصيلة والجيوب، وتالياً غير مرغوبة لاعتبارات عدّة.
وفي ضوء هذا البحث الحثيث، لم تغِبْ مرّة جديدة قضيّة المشاعات عن الكواليس، وأكثرها تفجّراً وسخونةً في جرد العاقورة، التي ما تنفكّ عن لائحة النقاط المطروحة لتعويض خسارة المودعين، وتحديداً منذ أن أدرجت حكومة حسان دياب في خطّتها الماليّة بنداً يقوم على «استخدام أصول الدولة من عقارات وأملاك»، ما أثار استنفار أهالي المناطق التي تقع ضحيّة استثمار هذه الأراضي والمساحات العقارية الشاسعة ووضع اليد عليها، خصوصاً في ظلّ التعدّيات التي تشهدها مشاعات العاقورة على يد جهات مغطّاة سياسياً ومعروفة اللون والتوجّه، خصوصاً في السنوات الستّ الأخيرة، من دون حسيب أو رقيب، في وقتٍ يشتمّ أهالي المنطقة رائحة «غير نظيفة» وراء التحرّكات المشبوهة التي حصلت قبيل الانتخابات النيابيّة الأخيرة، وفقاً لأوساط الأهالي، وهم رفضوا الموضوع قطعاً عندما لوّح به وزير المال السابق علي حسن خليل، إلاّ أنّهم اليوم يلمسون نيّة فعليّة في هذا الاتجاه بتغطية سياسيّة فاضحة من السلطة الحالية.
في ذلك الحين، حمل وزير البيئة السابق محمد المشنوق اقتراحاً إلى رئيس الحكومة، يقضي بحماية أموال المودعين من خلال بيعهم أراضي عامة بعد فرزها، على اعتبار أنّ عائدات هذه العملية قد تصل إلى 50 مليار دولار.
ويقضي الإقتراح بإنشاء المجلس الوطني لإدارة أملاك الدولة، وتعرض الدولة على أصحاب الودائع في المصارف فرصة شراء قطعة أرض أو أكثر من المساحات المعروضة، ضمن تسهيلات في الدفع ووعود بتعزيزات زراعيّة وصناعيّة، علماً أنّ المساحة التي شملها الاقتراح تصل إلى 1000 كلم مربع، تُفرَز إلى مليون قطعة بمساحات مختلفة.
يومها، قوبل هذا المشروع برفضٍ عارم من نواب في جبيل وكسروان الفتوح وفعاليّات سياسية ومحلية وحقوقيّة، أبرزها القاضي بيتر جرمانوس، الذي أكّد أنّه «لا يمكن اعتبار الإنهيار المالي والاقتصادي حجّة لوضع اليد على الأملاك الخاصة ومنها أملاك القرى والبلدات، إلاّ إذا كانت هناك نيّة مبيّتة لتغيير النظام المالي وهوية الأرض وتأميم الأملاك الخاصة».
عملياً، تبيّن أنّ المشاعات في كل لبنان تشمل 60 في المئة من مساحته، بما فيها الاعتداءات التي طاولت الأملاك البلديّة، خصوصاً في السنوات الستّ الماضية، من دون تحديد المعتدّين ومحاسبتهم أمام القضاء المختصّ، خصوصاً أنّ مبالغ ماليّة طائلة يدفعها رجال أعمال لإبعاد هذا الملف عن المواجهة الإعلاميّة عشيّة كلّ انتخابات بلديّة.
وتشكّل الأراضي المشاعيّة في العاقورة مساحةً عقاريّة مركزيّة في محافظة جبل لبنان، فهي مفتوحة على فتوح كسروان من الجهة الجنوبيّة، على تنّورين شمالاً، من الشرق على اليمّونة، وغرباً في اتّجاه الأملاك الخاصة في العاقورة.
وكان رئيس لجنة المشاعات السابق في البلدية الياس كامل، قد أجرى مسحاً عقارياً، أظهر أنّ مساحة المشاعات في جرود المنطقة تصل إلى 104 ملايين متر مربّع، وهي مساحة ضخمة خارجة عن ملك الدولة قانونياً، بل تتبع، وفقاً للفقرة العقاريّة الرقم 5، التي تتناول المشاعات من جزّين إلى بشرّي- إلى الأهالي، تبعاً للامتيازات التي منحها إيّاهم القانون العقاريّ، وهو الأمر الذي يؤكّد أنّها ليست مشاعات جمهوريّة.
وفي حديث لـ»الجمهوريّة»، يشدّد كامل على أنّ «أيّ مسّ بالمشاعات التابعة لأبناء العاقورة يُعرّض السّلم الأهليّ للخطر. فهذه الأراضي لا تمتلكها الدولة، وسنواجه باللحم الحيّ أيّ مخطّط لوضع اليد زوراً على جزء من هذه الأراضي والاستثمار وبيع الجزء الآخر»، مُشيراً الى أنّ «هناك قراراً جامعاً وحاسماً لدى 19 عائلة في العاقورة، بالوقوف ومنع تنفيذ أيّ مشروع يقتطع الأرض المشاعيّة، أياً كان مَن يقف خلفه ولأيّ هدفٍ كان، خصوصاً أنّ تنفيذه سيوقع السلسلة الجغرافية الممتدّة من جرود بشرّي إلى جزّين، ضحيّة القضم العشوائيّ، ولن يقتصر على أراضي جبل لبنان في المستقبل القريب».
أمّا عن الاعتداءات المتكرّرة، فيكشف الياس كامل، أنّ «لدينا معطيات وبراهين موثّقة تثبت لائحة الاعتداءات التي في حوزتنا، أبرزها من جهة اليمّونة، على العقارات التي صدرت فيها أحكام قضائيّة مُبرَمة، إضافةً إلى أخرى في عين الشلالة، بعتارة، ونبع بيت عرب، بتغطية سياسية من السلطة الحالية وعلى يد رجال أعمال بارزين طُرحت أسماؤهم للتوزير في حكومات سابقة».
وحذّر كامل من أنّ «أيّ محاولة لوضع اليد على متر مربّع واحد لمصلحة أجندات تجاريّة وسياسيّة خاصّة تخرج عن سيادة الدولة، قبل نهاية هذا العهد، ستُواجَه باستنفار مسيحيّ ماروني من العائلات والقوى الحزبيّة والمستقلّة، التي يهمّها كرامة هذه المنطقة في وجه مَن يُتاجر بأرضنا في سوق الانتخابات ولإتمام صفقات جانبيّة»، مطالباً البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بـ»منع استغلال هذه الأزمة الماليّة من رصيد ثرواتنا الأصيلة، وخوض هذه المعركة السياديّة إلى جانب أبناء الكنيسة المارونيّة، لإغلاق الباب لمرّة واحدة وكفى، أمام هذه المشاريع التي تؤدّي على المدى المتوسّط والبعيد إلى تغيير هويّة الأراضي».
فهل هي أجندة سياسيّة تتمّ حياكتها على أيدي أركان هذه السلطة قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون، بذريعة تعويض خسارة المودعين أموالهم؟