الحكومة والرئاسة: هل يخبّىء الحزب “65” جديدة؟
أن تغرق استشارات التكليف والتأليف في مستنقع الشروط والشروط المضادّة والمطالب والأجندات السياسية والخدماتيّة، فتلك ثابتة في مسيرة قيام الحكومات اللبنانية، لن تشذّ عنها الجولة الأخيرة من جولات عهد الرئيس ميشال عون الحكومية.
لكن لهذه الجولة عراقيلها الجديدة: عامل الوقت الذي يضغط على الجميع، وتحديداً مَن هم في الحكم. إذ دنا العهد من أشهره الأخيرة، وتسارعت وتيرة الانهيار الاقتصادي التي ستنزع ترف الغنج والدلال عن مفاوضات التكليف والتأليف لتضعها أمام معادلة واحدة: إمّا ولادة سريعة، وإمّا لا ولادة. والأرجح أنّ الثانية هي الغالبة.
وفق بعض شخصيات قوى الثامن من آذار، سيكون الذهاب إلى الاستحقاق الرئاسي لتحقيقه سريعاً هو أفضل الحلول، فيتمّ تجيير المجهود الذي سيوضع في سبيل تأليف حكومة لن يكون عمرها أكثر من أسابيع محدودة لمصلحة أولى حكومات العهد الجديد. وتضيف هذه الشخصيات أنّ “حزب الله” متحمّس لإتمام الاستحقاق الرئاسي في وقته من دون أيّ تأجيل نظراً إلى تدهور الوضع الذي لا يحتمل أيّ مراوحة أو تعطيل، ولأنّ الدول المعنيّة تفضّل التعامل مع عهد جديد وسلوك جديد قد يفتحان الأبواب المغلقة، حتى بعدما أتت صناديق الاقتراع خلافاً لبعض حساباته وجعلت من الأكثرية النيابية متحرّكة، زئبقية، وقابلة للانتقال من ضفّة إلى أخرى. إلا أنّ هذه المرونة في شكل الأكثرية النيابية لا تعني بالنسبة إلى “حزب الله” أنّه سيفقد الرئاسة الأولى وسيقدّمها على طبق من فضّة للآخرين.
أغلبية “برّي”… لا الحزب
تفرض الواقعية التعاطي مع الأغلبية التي حقّقها رئيس مجلس النواب نبيه بري في التجديد له لولاية سابعة، على أنّها أغلبية نبيه بري لا أغلبية قوى الثامن من آذار، لاعتبارين أساسيَّين:
1- أنّ تصويت نواب “اللقاء الديمقراطي” لمصلحته يتركّز بشكل أساسي على العلاقة الثنائية المتينة التي تجمع بين برّي ورئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط.
2- تصويت بعض قدامى المستقبل أو المستقلّين الذين أيضاً تربطهم علاقة وثيقة برئيس المجلس. وهذا ما يقود إلى التأكيد أنّ تلك الأغلبية هي أغلبية برّي بالتحديد.
تقف حدود أغلبية قوى الثامن من آذار الصافية عند حافة الـ60 صوتاً بالتحديد، أو 61. إلا أنّ بعض شخصيّات هذا الفريق تجزم أنّ لهذا المحور القدرة على جمع أغلبية جديدة للاستحقاق الرئاسي، لكن ربطاً بشخصية المرشّح لرئاسة الجمهورية الذي بإمكانه تجاوز “الحاصل الأساسي”، أي الستّين صوتاً، وجذب أصوات إضافية من مجموعات أخرى على استعداد للدخول في تفاهمات تأتي برئيس من قوى الثامن من آذار. ما يعني أنّنا قد نكون أمام “65” جديدة مختلفة عن “65” انتخاب برّي” وعن “65” انتخاب نائبه الياس بو صعب.
فعليّاً، لا تزال كتلة قوى الثامن من آذار النيابية هي “الأكبر”، وهي الأكثر قابليّة للتفاهم. فالمؤشّرات الأوّلية تدلّ على أنّ تلاقي المعارضات، وتحديداً “القوات” و”الكتائب” و”الاشتراكي” وقوى “17 تشرين” والمستقلّين، دونه عقبات وخلافات كثيرة. وها هو جنبلاط يستعدّ للمشاركة في أيّ حكومة تحت عنوان عدم الهروب من المسؤولية، فيما بقيّة القوى لم تلتقط أنفاسها بعد من إشكالات انتخابات رئيس المجلس ونائبه. وبين النواب الموارنة المعارضين أكثر من مرشّح أو طامح إلى الرئاسة، ما يجعل من احتمال تفاهمهم صعباً جدّاً.
كذلك فإنّ علاقة النواب الجدد مع القوى الحزبية المعارضة فيها الكثير من “النقزة” والخشية من القضم والسيطرة، وحتى الاتّهام بالتحالف مع قوى كانت لسنوات من ضمن المنظومة. كلّ هذه الوقائع تضع شروطاً كثيرة أمام احتمال تشكيل جبهة معارضة متحكّمة بالاستحقاق الرئاسي.
استبعاد جبران… وتقدّم سليمان
بناءً عليه، ولاعتبارات كثيرة ترتبط بخصوماته الكثيرة داخلياً، وبالعقوبات الأميركية، سيكون من السهل استبعاد اسم جبران باسيل عن لائحة الترشيحات الممكنة لرئاسة الجمهورية، ليكون معبراً للرئاسة أو عرّاباً للعهد الجديد.
تتقدّم هنا حظوظ سليمان فرنجية ليكون أكثر الأسماء جدّيّة في محور الثامن من آذار نظراً إلى مرونته السياسية وانفتاحه وقدرته على التواصل مع مختلف القوى السياسية وشبكة علاقاته الدولية، فضلاً عن أنّ وصوله إلى قصر بعبدا لا يشكّل وفق مؤيّديه انكساراً للآخرين، خصوصاً أنّ “حزب الله” لن يساوم على الرئاسة للإتيان بمرشّح وسطيّ قد يعيد تكرار تجربة ميشال سليمان الرئاسية.
أما ترشيح قائد الجيش جوزيف عون فدونه مطبّ دستوري يتجلّى في تعديل المادّة 49 الذي من المرجّح أن تتصدّى له الكتل المسيحية أوّلاً والكثير من النواب المعارضين بحجّة رفض إجراء تعديل على قياس شخص. أضِف أنّ موازين القوى في مجلس النواب لم تنزع من هذا المحور القدرة على إيصال رئيس من صلبه، إذا ما جرى التفاهم مع جنبلاط، أو بعض النواب المستقلّين، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر قدامى المستقبل.
سيتعزّز هذا السيناريو أكثر إذا ما فُتحت أبواب مجلس النواب في الموعد المحدّد لإتمام الاستحقاق الرئاسي من دون أيّ تعطيل. وهنا ثمّة شرطان لهذا الاحتمال: أن يدعو رئيس مجلس النواب لعقد الجلسة الانتخابية، وأن توفّر الكتل النيابية الأساسية النصاب القانوني.
65 جديدة؟
وفق مشهدية انتخاب برّي رئيساً للمجلس بالأكثرية المُطلقة (النصف زائداً واحداً: 65 صوتاً) من دون اعتماد أسلوب المماطلة لجمع نسبة أصوات أعلى، أي من دون انتظار “التوافق” و”الميثاقية”، والركون فقد إلى “ما يقوله الكتاب”، يمكن القول إنّ بري لن يتأخّر في دعوة مجلس النواب إلى القيام بواجبه.
وفق مشهدية عدم مقاطعة أيّ من الكتل النيابية تلك الجلسة تحت عنوان احترام الدستور، سيشارك هؤلاء، وتحديداً المعارضين، في جلسة انتخاب الرئيس التي قد تكون على شاكلة انتخابات نائب رئيس مجلس النواب، أي بفارق أصوات محدودة. وهو ما يعني أنّ مشاركة قوى الثامن من آذار في الجلسة سيُفهم منها أنّ الرئاسة حُسمت وأنّ أغلبيّتها صارت في الجيبة.
كلّ هذا المسار دونه معبر إلزامي: تفاهم باسيل وفرنجية، الذي بمقدار ما هو صعب، هو أيضاً متاح بعدما كُسر جبل الجليد الذي كان بينهما، وبفعل قناعة باسيل أنّ فرنجية “الرئيس” هو أقلّ الأضرار الممكنة عليه إذا ما تمكّن من تحسين شروطه التفاوضية. وعلى هذا الخطّ سيكون شغل “حزب الله”.