“تهريب” قرار مخالف: أسعار المؤسسات السياحية بالدولار.. !
تُعتَبَر دولرة الأسعار في جميع المؤسسات مطلباً ملحّاً منذ انفلات أسعار صرف الدولار والتأكُّد من أن مصرف لبنان لا رغبة لديه في ضبط الانفلات. ومع أن الدولرة باتت أمراً واقعاً لم يعد بالإمكان التملّص منه، حتّى على مستوى الدولة ورسومها، إلاّ أن عدم وضع الإطار القانوني المناسب وإجراء رقابة فعلية، يحوِّل الدولرة إلى مكسب من طرفٍ واحد، على حساب الدولة والموظّفين. وهو حال دولرة الأسعار في المؤسسات السياحية. إذ سيشرّع القرار غير القانوني، مكاسب المؤسسات بالدولار، ويُبقي الدولة والموظّفين رهينة الليرة.
قرار غير قانوني
للاستفادة من فصل الصيف والموسم السياحي، بادر وزير السياحة وليد نصّار إلى إعطاء المؤسسات السياحية ضوءاً أخضر للإعلان عن أسعارهم بالدولار. وبرَّرَ نصّار قراره الصادر يوم الخميس 2 حزيران، بأن المؤسسات السياحية تدفع أكلافاً بالدولار، والسيّاح إذ يمتلكون الدولار، يصرفونه في السوق لدفع فواتيرهم في المؤسسات السياحية. وعليه، عندما يتاح للمؤسسات التسعير بالدولار، ستتمكّن من إدخال عملة أجنبية لسد أكلافها وتنشيط القطاع وتفادي المزيد من الخسائر والإقفال، لما له من آثار سلبية على مئات آلاف العمّال أيضاً.
يُعمَل بالقرار بشكل “استثنائي واختياري، خلال الفترة الممتدة من تاريخ نشره ولغاية نهاية شهر أيلول 2022 ضمناً”. والقرار هو “إعلان فقط”، أي لا يأخذ صفة القانون أو المرسوم “لكن كل المؤسسات السياحية موافقة عليه”، قال نصار في حديث تلفزيوني. ولفت النظر إلى أنه حصل على “موافقة شفهية من مجلس الوزراء”. لكن رغم ذلك، لا تعتبر الموافقة الشفهية إطاراً قانونياً يسمح بدولرة الأسعار بشكل علنيّ. إذ يحتاج ذلك لغطاء من وزارة المالية ومجلس الوزراء، وتنسيقاً مع وزارة الاقتصاد التي عليها مراقبة الالتزام بالأسعار، وهذا ما لم يؤمّنه نصّار. ومع ذلك، بدأ عدد كبير من المؤسسات بإعداد الترتيبات المطلوبة للإعلان عن الأسعار بالدولار.
كيفية الدفع
بعيداً من الناحية القانونية، وبموجب الوضع المستجدّ، ستعلن المؤسسات السياحية عن أسعارها بالدولار، على أن استيفاء قيمة الفاتورة يبقى بالليرة وفق سعر صرف السوق، أو بالدولار إن أراد الزبون. أي بدل الإعلان عن سعر الصنف بـ300 ألف ليرة، مثلاً، يُعلَن عنه بـ10 دولارات، وهكذا “يمكن للزبون مقارنة الأسعار بوضوح وثبات بين باقي المؤسسات في لبنان ودول أخرى”، حسب الوزير. كما يحدّ ذلك من عدم التزام المؤسسات بالأسعار المتداولة، إذ يسعّر البعض الدولار بأعلى من سعر السوق، والزبون لا يدرك تفاصيل تغيّر السعر، فيكون الدولار ملاذه الأنسب.
استيفاء الفاتورة بالليرة سيتيح إفادة الدولة من ضرائب أعلى. فاستناداً إلى حديث نصّار، ستستوفي الدولة ضرائبها من المؤسسات وفق فواتيرها المرتفعة بالليرة، وإن بالسعر الرسمي. فبدل استيفائها ضريبة على الـ15 ألف ليرة التي تمثّل 10 دولار بالسعر الرسمي، تستوفي ضريبة على الـ300 ألف ليرة، نظراً إلى أن هذا المبلغ مثبت في الفواتير التي تحصّلها المؤسسات. وبهذه الحالة أيضاً، تكون الدولة قد حصّلت الضريبة على الدولار، من دون رفع رسومها وضرائبها بشكل رسمي. وعلى حدّ تعبير نصّار، تتخلّص المؤسسات السياحية من التقلّبات التي يجدها الزبائن في السوبرماركت، إذ ترتفع الأسعار مع ارتفاع الدولار، ولا تنخفض بانخفاضه إلاّ بنسبة ضئيلة وبعد فترة طويلة، وليس بشكل مباشر. أما في حال الاعلان عن الأسعار بالدولار، فيُحتَسَب السعر بشكل مباشر.
الرقابة والحرمان
يصبّ القرار في صالح المؤسسات، لكنه على عكس ما توقّع نصّار، لن يفيد الدولة إلاّ جزئياً، كما أنه يهدر حقوق الموظّفين. فلضمان استيفاء الدولة رسومها وضرائبها تماشياً مع الأسعار الجديدة، يجب إعلان ذلك من خلال وزير المالية، وهو ما لم يحصل، وبالتالي، يمكن للمؤسسات السياحية عدم دفع الضرائب والرسوم إلاّ بناءً على الإطار القانوني المعمول به راهناً. كما أن الصيغة الاختيارية لقرار وزير السياحة، تساعد المؤسسات على التملّص من أي تداعيات للقرار، ولا رقابة فاعلة لوزارة الاقتصاد يمكنها التأكّد من التزام هذه المؤسسة أو تلك بالقرار، والتعامل معها وفق التزامها.
من ناحية أخرى، إن تعزيز واقع المؤسسات يفترض رفع مستوى مداخيل موظفيها، وهو ما حرص على إظهاره نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي، الذي وعد بأن المؤسسات ستزيد رواتب موظفيها. لكنّه تهرّبَ من تأكيد إفادتهم من الدولار الذي ستحصل عليه المؤسسات. ولأن القرار لا يُلزِم المؤسسات بدفع الدولار لموظفيها، وإن جزئياً، فلا حماية لهؤلاء إلاّ إن تدخَّلت وزارة العمل وفرضت ذلك.
هو قرار مبتور وخالٍ من السند القانوني ولا يفيد الموظفين والدولة إلاّ بالفتات، في حين يخدم المؤسسات بشكل كبير. أما الرهان على “رقابة الزبون” لإلزام المؤسسات بأسعار مقبولة، فهو غير كافٍ لأن “شريحة لا تتعدّى الـ5 بالمئة هي مَن يعتمد عليها القطاع حالياً”، وفق الرامي. وهذه الشريحة لديها القدرة الدولارية على ارتياد المؤسسات السياحية ولن تكترث لبعض الزيادات، على عكس ما كان سائداً حين كانت الطبقة الوسطى هي المعيار. كما أن رقابة الزبائن تعني تفضيل مكان على آخر، ولا تضمن حقوق الدولة والموظفين.
المصدر: المدن