“المستقبل” قطع الطريق على السنيورة والمخزومي
كلما تكشّفت أرقام أكثر عن نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، كلما صارت القراءات أوضح، لناحية التحالفات والإصطفافات، المُعلنة منها، وتلك التي حيكت “تحت الطاولة”، ولأن الإستحقاق شكّل أكثر من مفاجأة في أكثر من دائرة، إلا أن “بيروت الثانية” كانت محطّ الأنظار، وذلك لعدة أسباب، أهمها، أنها “دائرة سعد الحريري”، هكذا يُسمّونها كون رئيس تيار “المستقبل” يقترع فيها ومقعده ثابت فيها وقد ورثه عن والده الشهيد.
لذا، وبحسب مصادر بيروتية، ورصداً لحملة المقاطعة التي أعلنها بعض جمهور “التيار الأزرق” وقياييه، كان لا بُدّ من متابعة النتائج بالأرقام، للخروج بالخلاصات الأقرب إلى الواقع، بحيث أن كل التوقّعات والإحصاءات التي سبقت العملية الإنتخابية أجمعت على أن المنافسة الفعلية ستنحصر بين خمس لوائح: “الثنائي الشيعي” ومعه “التيار الوطني الحر” والقومي (وحدة بيروت) والأحباش (لبيروت) وتحالف الرئيس فؤاد السنيورة والحزب الإشتراكي و”القوات اللبنانية” (بيروت تواجه) وفؤاد المخزومي (بيروت بدها قلب) ونبيل بدر مع الجماعة الإسلامية (هيدي بيروت).
ورجّحت بعض هذه الإحصاءات، بحسب المصادر، حصول إحدى لوائح التغيير (ابراهيم منيمنة ووضاح صادق) على حاصل واحد، إذا ما تمكّنت من توحيد معظم اللوائح التي تسجّلت في بيروت الثانية تحت عناوين الثورة والتغيير وهي أربع لوائح، إلا أن النتيجة كانت مغايرة للواقع والتوقّع، إذ حصدت لائحة “بيروت التغيير” ثلاث مقاعد (حاصلان وكسور أعلى)، وقد فاز منها ابراهيم منيمنة ووضاح صادق (عن السنّة) وملحم خلف (الروم الارثوذكس)، فالمفاجأة لم تكن وحسب في حصول هذه اللائحة على الحواصل، بقدر ما هو رصيد الأصوات التفضيلية لهذه اللائحة بالإجمال، وللفائزين الثلاثة تحديداً. فقد أظهرت الأرقام حصول الفائزين على رافد كبير من الأصوات السنّية تحديداً، وقد رصدت أكثر من جهة هذا الأمر، خصوصاً وأن “صبّ الأصوات” تمّ في الساعات الأخيرة ليوم الإقتراع، في مشهد شبه منظّم ومقصود، كما لو أن الأمر فيه تدبير حزبي منظّم.
وأضافت المصادر البيروتية، صحيح أن الإغتراب رفد اللائحة بأصوات كثيرة، كون “التغيير” بكل عناوينه صار أشبه ب”الموضة”، كما أن عدة مرشحين من اللائحة نشطوا شخصياً في عدة دول عربية، وخصوصاً في الإمارات، حيث كان لهم جولات لحشد المؤيدين، إلا أن المراقبين أجمعوا على أن “صبّ” الأصوات بالشكل الذي حصل، أي الأصوات السنّية، ما كان ليحصل لو لم يكن هناك من توجيه وعمل دؤوب من قبل جهة ما.
وتابعت المصادر، أنه، وفي دراسة للأرقام وللأقلام التي سجّلت هذا الرافد الكبير بالأصوات السنّية، أكد المراقبون أنها أصوات “مستقبلية”، إذ أن هذه الأقلام محسوبة تاريخياً على خط الحريري، وهي بمعظمها تقترع للائحة الحريري، ومنذ أكثر من دورة إنتخابية، والأكيد أنها لا تتوجّه إلى صناديق الإقتراع بدون “توجيه ما” من مرجعية “مستقبلية” ما، وهنا يحضر إسم أحمد الحريري، أمين عام تيار “المستقبل”، الذي له الباع الطويل في التوجيه أو الإحجام، وفق المصالح والتحالفات أو “النكايات”. علماً، أن المعطيات من أكثر من دائرة انتخابية سجلت حضوراً أكيداً وواضحاً لأحمد الحريري، ومعه الماكينة الإنتخابية لتيار “المستقبل” و”الداتا” والمفاتيح الإنتخابية المناطقية، حيث ساهم في فوز البعض، أو في قطع الطريق على البعض الآخر.
وبالعودة إلى بيروت الثانية، تابعت المصادر، فقد صار من شبه المؤكد أن تيار “المستقبل” قد شارك بفعالية في الإنتخابات، ولو “من تحت الطاولة”، عبر المساهمة في فوز لائحة “بيروت التغيير” بثلاثة مقاعد، وإذا ما أخذنا في الحسبان، الشوائب التي اعترت عملية الإقتراع (ولاحقاً الفرز) في العديد من الأقلام الشيعية، حيث ل”حزب الله” وحركة “أمل” نفوذ كبير فيها، بالإضافة إلى اقتراع جمهور “المستقبل” باتجاه محدّد، فإنه من المؤكد بأن تحالفاً ما قد تمّ بين “الثنائي” و”المستقبل” لقطع الطريق تحديداً على لائحتَيْ “بيروت تواجه” (السنيورة) و”بيروت بدها قلب” (المخزومي)، كون هاتين اللائحتين تشكّلان الخصم الحقيقي لكل من “الثنائي” و”المستقبل”، الأول لاعتبارات سياسية، والثاني لاعتبارات شخصية و”نكايات”!
في المحصلة، ختمت المصادر، لا مقاطعة سنّية في “بيروت الثانية”، وتحديداً لا مقاطعة “مستقبلية” فيها، بل انغماس كبير في العملية الإنتخابية، قطعاً للطريق على البعض، وتعويماً للبعض الآخر.