تأملات في الرابعة والسبعين !
يحتفي هذه الأيام ما تبقّى من عربٍ بحقِّ العودةِ إلى فلسطين بعدَ أربَعَةٍ وَسَبعينَ سنةً تناسلتْ فيها ذكرى مجزرة دير ياسين وأخواتها. بقايا العرب المُحتَفونَ نواةٌ لإعادةِ إنتاجِ عروبةٍ بلا تشوهات خلقية. عندما تَكُونُ أقليَّةٌ في الجانبِ الصحيحِ من التاريخ لا تعودُ الأكثريَّةُ في الضفّةِ الأخرى ذاتَ أهميَّة. الأقلياتُ التي تخالفُ خرافَ پانورج هي التي تفوزُ دائمًا.
إسرائيل لمن فاتهُ الأمرُ تعتمدُ سياسةَ التنظيف. إقتلاعُ شجرةِ فلسطين من جذورِها. مَحو حقِّ العودة من أيِّ قاموسٍ تَفاوُضي. ذَبحُ حلِّ الدولتين من الوريد الى الوريد. حتى ڤيديوهات الحواسيب التي تدينُ وحشيَّةَ سحلِ البيوتِ وقَنصِ الأبرياءِ وَتَهويدِ الشَّوارِعِ يُعمَلُ على عدمِ تَوَفُّرِها على النَتّْ. ممنوعٌ توثيقُ الفعلِ الجرمي لإخفاءِ الدليل. لا يصدمُني أن أكتشفَ ربما في وقتٍ قريبٍ أنَّ شيرين أبو عاقلة أقدَمَتْ على الإنتحار.
قادةُ الكيانِ يقولونَ منذُ أربعٍ وسَبعينَ سنةً أن الفلسطينيينَ ليسوا في حالَةِ تفاوضٍ مع ” دولةِ ” إسرائيل ولا مع ” شعبِها “. الفلسطينيونَ كائناتٌ في طورِ التنظيف. قليلًا بعد وتعتقد إسرائيل انها ستتخلّص من بقَعِهِم بالمسحوقِ المناسب. أمامهم الإستسلامُ لدولةِ بَني صهيون. الوطنُ اليهوديُّ يَسمَحُ لهم بالحياة مقابلَ الخضوع. يعيشونَ فيه بتصنيفٍ صهيونيٍ واحد : حثالةُ عرَب. إياهُم أن يكونوا فلسطينيين. أمامهم خياران، خيارُ الرحيلِ أو خيار الموت إذا لم يرحلوا.
السلطةُ الفلسطينيةُ والحالةُ هذه تحوّلتْ منذُ سنين إلى مؤسسةِ دفنِ المَوتى. أكبرُ إنجازاتها كرسيٌّ بثلاثةِ أرجُلٍ في الأممِ المتحدة. تطاردُ الأشباحَ ليس إلا ولهذا السبب سيكونُ مصيرُها الموتُ الشعبيُّ والسياسيُّ. إذا لم تمُتْ ميتةً طبيعيةً سيستعملُ الإسرائيليُّ السمَّ نفسهُ الذي قتلَ به ياسر عرفات ليقتلَها.
داخِلَ فلسطين المحتلة إسرائيل تهوّلُ على الفلسطينيين بعقيدةِ ” الضاحية”. تقوم على تَهديدِهِم بأنها استعمَلَت القوةَ المفرطة في بيروت. ” دَمَّرْنا ضاحيةَ بيروت الجنوبية عن بكرةِ أبيها في العام ٢٠٠٦ ودخلتْ صواريخُنا إلى أسرَّةِ الأطفالِ وَمَزَّقَتْ نَومَهُم. كما قتَلنا الرُّضَّعَ في الضاحية يمكنُ أن نقتلَ الرضَّعَ في غَزَّة “. هذا لا يَمنَعُ إسرائيلَ مِن قتلِ الفلسطينيين حتى ولو خَضَعوا. تجربةُ الأسلِحةِ الجديدةِ بِحاجةٍ إلى لُحومٍ بشريَّةٍ لتأكيدِ فاعليَّتِها. غزَّةَ مختبرُ إسرائيلَ للذَّبح.
إنها الذكرى الرابعةُ والسبعون. أصبحَ خارجَ نطاقِ الشكِّ أن إسرائيلَ تعتمدُ التمييزَ العنصري. فعلُ الإحتلالِ الإسرائيلي يسمّيه الجلّادُ بالعِبريَّةِ ” حَفْرادَه “. حَفراده وَتَعني الفَصْل. جدارُ المكسيك نفسُه الذي شرعَ ببنائِه ترامب. الجدارُ الإسرائيليُّ هو ” جدارُ حفراده “. يحمِلُ المَعنى كلَّ مواصفاتِ العزلِ والفَصْل. تحويلُ غزّةَ إلى فرعٍ لأوشفيتز. فكُّ الإرتباطِ بين ” شعبِ الله المُختار ” من جهة وبين عبيدٍ من جهةٍ أُخرى. عبيدُ أنغولا ازدهرَ العالمُ الأطلسيُّ من بيعِ أجسادِهم في الماضي. يزدهرُ الأطلسيُّ اليوم من سحلِ الفلسطينيينَ في وطنهم الأُمّ.
الفلسطينيونَ في مستودعٍ مُقفَل. الإعلامُ العالميُّ يهتمُّ بصفقةِ إيلون ماسك الذي استحوذَ على تويتر. الدَّمُ الفلسطينيُّ وعبوةُ الكاتشاب سيان بالنسبةِ لقادةِ العالم. لا أحَدَ في العالمِ الحرِّ يأبهُ للمعتقلين الفلسطينيينَ في السجونِ الإسرائيلية. هم جثثٌ قيدَ التَّوضيبِ فحسب. إذا أرادَ المُعتَقَلونَ الهروبَ الى الأردن أو مصرَ تُفتَحُ لهم السجون من باحاتِها الخلفيَّة. إذا اختاروا المقاومةَ قُتِلوا.
الإسرائيليُّ لم يرتوِ من ١٩٤٨. يعملُ على مجيئها الثاني تمامًا كما ينتَظِرُ مسيحَهُ خرّيجَ ترّهاتِ تلمودِه. حلُّ الدولتين لا تريدُهُ إسرائيل. حلُّ الدولةِٰ اليهوديَّةِ من النيلِ إلى الفراتِ حلمُها. حلُّ الدولةِ الفلسطينيةِ على كاملِ ترابِ فلسطين وحدَهُ يعيدُ الحقَّ لأصحابه. أي تصغيرٍ للصراعِ على قياسِ سلطةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ سيقضي على الحلمِ الفلسطيني. السلطةُ الفلسطينيَّةُ في رام الله لن تكونَ حاملةً للحلم. مصيرُها الزوالُ بسببِ خطأٍ جسيمٍ في التقدير.
القضيةُ الفلسطينيةُ ليست قضيةً عالميةً كما يُكتَب. إنها قضيةُ إنسانيةِ الإنسان. قضيِّةٌ تُخرُجُها المقاومةُ من حالةِ الحقِّ وتُدخِلُها في حالة القوة.
المصدر : ليبانون ديبايت.