علاج اللحظات الأخيرة… خطة للتعافي المالي في لبنان
في اللحظات الأخيرة من حياة الحكومة اللبنانية التي يترأسها نجيب ميقاتي، أقر مجلس الوزراء ما اصطلح على تسميته “خطة التعافي المالي والاقتصادي”، والتي تقوم بالأساس على شطب جزء كبير من التزامات الدولة تجاه المصارف التجارية بالعملات الأجنبية، وصولاً إلى حل “المصارف غير القابلة للاستمرار” بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
كما جاءت الخطة على ذكر أفكار عامة وخطوط عريضة ووعود بالإصلاح في مجالات الكهرباء والإدارة العامة، كخطوة أساس من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، بعد أن توصلت الجهتان اللبنانية والدولية إلى اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء، والذي يتطلب إجراء إصلاحات حقيقية لينتقل إلى المرحلة النهائية، وإقرار القرض بقيمة تتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار أميركي على أربع سنوات.
غير واضحة المعالم
يوم الجمعة الماضي، الـ 20 من مايو (أيار)، أقرت الحكومة اللبنانية خطتها للتعافي المالي والتي بحسب التسريبات تنطلق من إجراء مراجعة كاملة للوضع المالي للمصرف المركزي خلال مهلة أقصاها شهر يوليو (تموز) المقبل.
ونصت الخطة على موقف مبدئي للحكومة التي تعهدت بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، لخفض العجز في رأسمال المصرف، أي “التقليل من الأعباء الدفترية على البنك المركزي”، علماً بأن هذا المبدأ لم يتوافق عليه مع جمعية المصارف، لأنه سيحرمها من جزء كبير من الودائع.
جمعية المصارف علقت على الخطة الحكومية بأن مجلس إدارة الجمعية لم يجتمع بعد لمناقشة القرار الحكومي، ولذلك فإنها تعلن بموقفها السابق بهذا الشأن”.
وسبق لجمعية المصارف أن أكدت التزامها بالقانون وتعاميم مصرف لبنان، وطالبت بإقرار قانون “الكابيتال كنترول” لحماية صغار المودعين، إضافة إلى مطالبة الحكومة بخطة شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد، بما فيه القطاع المصرفي.
كما تضمنت الخطة الحديث “تحديد حجم حاجات إعادة رسملة المصارف، كل على حدة، وتحليل لبنية الودائع وهيكلية الودائع لأكبر 14 مصرفاً، وهو ما يمثل 83 في المئة من الأصول، وهذه المهمة ستتولاها لجنة الرقابة على المصارف بمساعدة شركات دولية متخصصة، والتقييم يفترض إنجازه بحلول شهر سبتمبر (أيلول) 2022.
وتطرقت الخطة مباشرة إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان، وستتم إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف من خلال “إسهامات كبيرة” من مساهمي المصارف وكبار المودعين.
وتعهدت الخطة بحماية صغار المودعين إلى أقصى حد ممكن، علماً بأنه سيتم حل المصارف غير القابلة للاستمرار بحلول نوفمبر.
إلى ذلك، ضمنت الحكومة اللبنانية خطتها بند توحيد سعر الصرف الرسمي، وصولاً إلى إنهاء ظاهرة تعدد أسعار الصرف المتعددة التي يعيشها لبنان، فإن فشل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2019 في الوصول إلى ذلك يؤشر إلى صعوبة تحقيق هذا الموجب، في وقت تتجه إلى تحرير سعر الصرف في زمن النمو السالب.
محاولة أخيرة
يشبه الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان الخطة “غير واضحة المعالم” التي أقرتها الحكومة اللبنانية في آخر جلساتها بـ “الواجب المدرسي الذي يعده الطالب في آخر لحظة قبل موعد الفصل الدراسي”، متخوفاً من إعادتنا بالذاكرة إلى العام 1990 عندما “صفرت السلطة الحسابات”، إذ يمكن أن نكون أمام براءة ذمة ليس للدولة فقط، وإنما للشركاء بالجريمة المنظمة في ظل غياب أي بند ينص على المحاسبة، وتحميل المسؤوليات ضمن الخطة.
وقال بو سليمان إن شطب المطلوبات (الأعباء المالية) عن مصرف لبنان والتي تقدر بـ 60 مليار دولار، هي في الحقيقة حرمان المصارف والمودعين جزءاً من حقوقهم، وبالتالي فإن ذلك سينعكس مباشرة على حجم الودائع، مشيراً إلى أن شطب الدين الذي في ذمة الدولة له تداعيات سلبية على علاقة الحكومة بالمصارف التجارية التي قد تشهر إفلاسها، ومن ثم سيتحمل المودع نتائج ذلك.
أما في ما يتصل بالخطة الراهنة وإمكان اعتبارها خطوة أولية نحو إعادة هيكلة المصارف، فأضاف بو سليمان أنه “لا توجد أية اقتراحات عملية أو تفاصيل للخطة، وما زلنا في العموميات، ويحكى أنه سيتم التدقيق في ملاءة البنوك الكبرى لاستكشاف قدرتها على رد الودائع، وصولاً إلى تعهدها برد حقوق المودعين التي لا تفوق مبلغ 100 ألف دولار، أما ما يتجاوز ذلك فقد نكون أمام تحويلها إلى العملة اللبنانية، ولكن لا نعلم وفق أي سعر صرف، كما يمكن استبدالها بأسهم في المصارف”.
ويعتقد وليد بو سليمان أن النقطة الأكثر أهمية في الوضع الحالي هي تحديد “ما هي المصارف القابلة للحياة؟ وما هي المصارف التي ستشهر إفلاسها؟ وما أثر ذلك في المودعين؟”، مشيراً إلى أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وضح أموال جديدة في النظام المصرفي هما إحدى الخطوات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، إلى جانب قانون تقييد حركة “الرساميل” (الكابيتال كنترول) للحفاظ على الرساميل ذهاباً وإياباً.
ونوه بو سليمان إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ما زال على مستوى الموظفين وليس نهائياً، وهناك خطوة أساس للحصول على القرض ولا بد من البدء بها، من خلال التدقيق بموازنة المصرف المركزي لجلاء وضعه ومعرفة الحال التي هو عليها على وجه الحقيقة، وهذا الأمر يفترض إنجازه قبل نهاية شهر مايو الحالي.
كما أن هناك تعهداً من قبل لبنان لإعادة هيكلة المؤسسات العامة مثل الكهرباء والمياه، وتكريس مبادئ الحوكمة وزيادة الإنتاجية، أما في ما يتعلق بالأمن الغذائي فإن “لبنان حصل على قرض من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار من أجل تأمين حاجات لبنان من القمح، وهو ما يجب إقراره من قبل المجلس النيابي الجديد”.
ويؤكد بو سليمان أن استعادة الثقة هي المدخل للتعافي المالي والاقتصادي، لذلك لا بد من الإصلاحات وتوحيد سعر الصرف، لأن “سعر الصرف سيكون موجعاً على المدى القريب”، لافتاً إلى أن “خطة حكومة حسان دياب كانت تضمن 98 في المئة من قيمة الودائع بنسبة 500 ألف دولار للحساب الواحد، أما الخطة الحالية فهي تضمن 100 ألف دولار فقط، أي بخسارة خمسة أضعاف عن السابق”
غياب الخطوات التنفيذية
من جهة أخرى، فإن فريقاً من الخبراء لا يرى جديداً في هذه الخطة، وبحسب المتخصصة في الاقتصاد النقدي ليال منصور فإن “موافقة الحكومة اللبنانية على نص الخطة والبنود المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي لا قيمة لها، لأن لبنان لن يحصل على دولار واحد قبل تنفيذ الخطوات المشروطة من الحوكمة إلى توحيد سعر الصرف، وإعادة هيكلة المصارف والدين”.
ووضعت منصور ما يجري تسويقه في إطار “الحكي وإعلان النيات”، ذلك أنه “لا إمكان للدفع المسبق لأي جزء من قرض التمويل الذي قد تصل قيمته إلى أربعة مليارات دولار”، مشيرة إلى أن إعادة هيكلة المصارف سيؤدي بصورة آلية إلى فقدان جزء من الودائع، “وهذا الأمر حصل في الواقع، ولكن لا يوجد أي مسؤول سياسي قادر على مصارحة اللبنانيين بذلك وتحمل مسؤولية إعلانه”.
وتجزم منصور أن هناك حاجة إلى قضاء مستقل من أجل تطبيق أي خطة للتعافي، لأنه لا بد من المحاسبة والتدقيق الجنائي ورفع السرية المصرفية، وبالتأكيد لا بد من قيم الشفافية.
تحرير سعر الصرف
وتوقعت منصور الوصول إلى تحرير سعر الصرف، “وهذا ليس استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي أو تطبيقاً لخطة حكومية، وإنما نتيجة حتمية لبلوغ المصرف المركزي مرحلة العجز عن التدخل في السوق لتثبيت سعر صرف العملة الوطنية، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف إلى مستويات عالية”.
المتخصصة في الاقتصاد النقدي طالبت باتخاذ خطوات عاجلة للحد من تأثير الانهيار الاقتصادي على المجتمع، لأن “الدولار سيستمر بالارتفاع” ريثما يبدأ الاقتصاد باستعادة ثقة المستثمرين بدءاً بملاحقة المجرمين والسارقين وتطبيق القانون على الجميع رؤساء ومرؤوسين، وكذلك توزيع الخسائر بصورة عادلة ومتوازنة.
وخلصت منصور إلى أن “خطة الحكومة جاءت على ذكر تحرير سعر الصرف بطريقة موجهة، فإن جميع أشكال التحرير هي كارثة للبنان، لأنه لا يمكن تطبيقها من دون وجود نمو اقتصادي واحتياط بالدولار والعملات الأجنبية، أو وجود صناعة تؤمن إدخال دولارات من الخارج، وفي ظل غياب هذه الشروط فإن تحرير سعر الصرف سيعني كارثة”.
المصدر : اندبندنت عربية.