هل يسمح تكرار الخطاب السياسي بإعادة إنتاج السلطة؟
كان من المتوقع أن تتخذ المعركة الإنتخابية لهذه الدورة، بُعداً مرتبطاً بالخطط والطروحات الإقتصادية والمالية، خصوصاً أن اللبنانيين ما زالوا يُعانون من آثار الإنهيار وينتظرون مرحلة ما بعد الإنتخابات لتبيان المسار الذي ستتخذه هذه الأزمة، إلاّ أن الشعارات الإنتخابية وما تبعها من خطابات سياسية، بقيت تُحاكي الغرائز والمخاوف التي يُمكن من خلالها شدّ العصب المذهبي والطائفي والمناطقي والحزبي.
هكذا، عزز “حزب الله” وحركة “أمل” من سردية الإستهداف التي يحملونها درعاً في كلّ استحقاقٍ إنتخابي، من انتخاب مختار في أصغر قرية جنوبية وصولاً لانتخاب رئيس الجمهورية، وكان لافتاً أن أكثر المرشحين الذين كرروا هذه السردية هم مرشحو حركة “أمل”، وتفسير ذلك مردوه إلى افلاس الخطاب السياسي الذي يمكن أن يُقدّمه من استولى على مقاليد الحكم لعشرات السنوات. في المقابل، نوّع “حزب الله” من أساليبه في هذه الدورة فأطلق كوكبة من المثقفين الجُدد الذين احتلوا منصّات التواصل الإجتماعي، كما عزز من الأعمال الفنية عبر مسرحيات تُحاكي الإنتخابات، وبدا لافتاً تنازله عن شعار مكافحة الفساد التي توّجها في الإنتخابات الماضية بعبارة “الفاسد كالعميل”.
من الثنائي الشيعي، إلى “القوات اللبنانية”، التي شددت على شعار مكافحة الفساد، متحالفةً من أجل هذه الغاية مع الحزب التقدمي الإشتراكي والرئيس فؤاد السنيورة، وقررت مواجهة “حزب الله” من خلال استنساخ شعار “نحن قدّها” الذي أصبح “نحن فينا”، دون شرح البرنامج السياسي والإقتصادي الذي يمكن لـ 17 نائباً في أفضل الأحوال أن يتبنّوه لكي يكون “فيهن”.
وفي السياق عينه، لم تُقدّم الحالة العونية أي جديد، بل كرّست شعارها القديم الجديد “ما خلّونا” من خلال التحالف مع “الّي ما خلّوهن” للحفاظ على بعض المقاعد، ولاسيّما في دوائر البقاع الثلاثة. كما أطلق التيّار مجموعةً من الوعود التي دأب على تكرارها، على الأقلّ، منذ انتخابات العام 2009، من الكهرباء مروراً بالإصلاح وصولاً إلى حقوق المسيحيين.
أمّا الحزب التقدمي الإشتراكي، فاسترجع كما كلّ موسمٍ إنتخابي شعار استهداف الجبل من قبل حليف الحليف، أي استهداف الزعامة الجنبلاطية من قبل الأصوات الشيعية في دائرة الشوف – عاليه، التي حافظت بكلّ أمانة وإخلاص على مقعد النائب مروان حمادة في الإنتخابات الماضية، وكانت ذروة هذا الخطاب مع النائب وائل بوفاعور، الذي تحدث عن غرف سوداء صُمّمت خصيصاً لاستهداف مقعده النيابي، نظراً للتأثير الكبير الذي قد يُشكّله وصوله إلى البرلمان على الحياة السياسية اللبنانية.
هذه الشعارات التي ملّ اللبنانيون سماعها في كلّ موسمٍ إنتخابي، كانت حتى العام 2018، مضافاً اليها عامل الزبائنية السياسية، قادرةً على جذب أصوات الناخبين وإقناعهم بالخطر الداهم على الأبواب. ومن هذا المنطلق باتت هذه الأحزاب غير قادرة على إنتاج أي خطاب جديد يُحاكي الهواجس الجديدة للبنانيين المتصلة بأزمتهم الحالية ومعاناتهم اليومية، والتي لا يمكن اختصارها بشعارات اعتادوا على سماعها.
المصدر :
ليبانون ديبايت.