أصحاب الاحتياجات الخاصة خارج برامج الانتخابات النيابية اللبنانية
لم تندرج قضايا المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة على جدول أعمال الأحزاب السياسية في لبنان، على الرغم من الصراع المرير مع الواقع القائم. فلا تزال قضيتهم ترزح على هامش الاهتمامات السياسية في البلاد التي تعاني من الانهيار. ففي لبنان، يُقدر عدد حاملي بطاقة “ذوي الاحتياجات الخاصة” بـ 120 ألف شخص، يفتقدون إلى الخدمات الأساسية، وجاءت الأزمة الحالية لتضاعف من حرمانهم، أقله في قطاعات ثلاثة: “الصحة والتعليم والعمل”. وتأتي الانتخابات النيابية لتفاقم عزلتهم، خصوصاً عند تسويق أصغر الخطوات بخانة الإنجاز، كإعطاء الأولوية في الاقتراع أثناء الطابور، أو محاولة وضع أقلام التصويت في الطوابق الأرضية حيث يبدو ذلك ممكناً. فيما تبقى سياسات الدمج بعيدة المنال في ظل غياب مظلة للأمان الاجتماعي.
معاناة يوم الاقتراع
وعند كل محطة انتخابية يتكرر المشهد، ناشطون في هذه الحملة أو تلك يحاولون مساعدة أحد ذوي الاحتياجات الخاصة في الدخول إلى مركز الاقتراع، لا سيما “أصحاب الكراسي المدولبة”. وتشير الناشطة مايا إلى معاناة مضاعفة لدى هؤلاء، ما يجعلهم في بعض الأحيان عرضة للتنمر. ففي المراكز التي يحتاج المقترع إلى صعود السلالم، يضطر الفرد إلى مساعدة لا تكون متاحة في بعض الأحيان، وتزداد هذه الحاجة لدى الأفراد الذين يستعينون بالكراسي، أو المصابين بـ “الشلل الرباعي”. وتدفع هذه المعاناة الكثير من المنتمين إلى هذه الشريحة لمقاطعة الانتخابات.
في المقابل، تُصر فئة منهم على المشاركة وإيصال الصوت، وتقول مايا وهي أيضاً تعاني من هذه المشكلة، “شاركت في واجبي في كل المحطات والاستحقاقات السابقة على المستوى البلدي أو النيابي، وذلك بعد أن بلغت سن الاقتراع 21 سنة”. وتشير إلى أن وضعها أفضل من غيرها فهي تستعين بالعكاز، وقد اعتادت على صعود السلالم منذ الطفولة، كما أنها ترفض طلب أي مساعدة، قائلة “يحتاج الأمر بعض الوقت والجهد الإضافي ولكن أصعد وحدي إلى القلم، وعند رؤية الناس إصراري يحاولون فتح الطريق وتسهيل المرور ما أمكن”. تنطلق من هذه الواقعة لتشدد على دور الإرادة لدى هذه الفئة من أجل تجاوز العقبات، وفرض أنفسهم على المجتمع من خلال الإنجاز والعمل.
الجمعيات تتدخل لتقديم التسهيلات
إحدى العوائق الأساسية أمام ذوي الاحتياجات الخاصة أو الاحتياجات الإضافية في لبنان، هي التصميم الهندسي والعمراني للكثير من المدارس والمراكز المعتمدة للاقتراع، ناهيك عن عدم وجود مصاعد كهربائية في أكثر المراكز، هذا إذا ما توفر التيار الكهربائي في الأساس، ما يضطرهم إلى المكافحة لبلوغ الأقلام الانتخابية. أمام هذا الواقع، برزت فكرة لدى الجمعيات والناشطين في هذا المجال، ففي طرابلس مثلاً كان هناك اقتراح يقوم على فتح قلم اقتراع خاص بهذه الفئة في معرض رشيد كرامي، إلا أنه تعذر تطبيقه.
ثم جاءت فكرة إعداد قائمة بذوي الاحتياجات الخاصة لتقديمها إلى وزارة الداخلية لتوفير تسهيلات خاصة للاقتراع. وتوضح رشا سنكري (عضو بلدية طرابلس وناشطة في مجال دمج هذه الشريحة)، أن هناك فريق عمل يتولى مهمة إعداد القائمة، وإحصائهم، من أجل تأمين أقلام اقتراع لهم في الطوابق الأرضية في بعض المراكز، مشيرةً إلى أن إعداد هذه القوائم شارف على الانتهاء من أجل تقديمها إلى الداخلية، ليُتاح لهم المشاركة بيسر في الانتخابات المقررة في 15 مايو (أيار) الحالي.
خارج اهتمام الأحزاب والمجتمع
تختصر تجربة رئيس منتدى ذوي الاحتيجات الخاصة في الشمال نواف كبارة قصص عدد كبير من هؤلاء الأشخاص. ففي عام 1983، تعرض إلى حادث أقعده لباقي أيام حياته وهو لم يكن يتخطى 26 من العمر وقتها. وهذا مؤشر إلى أن كل فرد في المجتمع عرضة لأن يواجه صدمات تستدعي الحاجة إلى مساعدات إضافية خلال حياته. لم يمنعه هذا الأمر من متابعة مسيرته العلمية، وحصل بعد سنوات على الدكتوراه في العلوم السياسية من المملكة المتحدة. يتحدث عن أثر كبير لمرحلة إقامته في بريطانيا على حياته وطريقة تفكيره واكتشافه للمواطنة.
ويتطرق كبارة إلى أولى محاولاته ترسيخ فكر المواطنة في لبنان من خلال مجموعة الـ 50 الإصلاحية، التي تضمنت شخصيات ريادية بينهم سليم الحص، حسين الحسيني، بطرس حرب، نسيب لحود، غسان مخيبر، وآخرون من رجال السياسة والعلم والقانون. ويشير إلى أنه اندفع إلى الانتخابات بفكر إصلاحي ومحاولة تكريس شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة في عامي 1996 و2005. ليكتشف أن “القبلية والفكر العائلي والمناطقي في لبنان، تتقدم على الطرح المواطني والحقوقي، وأن الأفكار الذكورية تسود على حساب إدماج الفئات المهمشة من نساء وأطفال ووذوي احتياجات خاصة وغيرهم”، ويأسف أن يكون “المجتمع غير جاهز لقبول أي فئة خارج المنظومة القائمة والاصطفافات الطائفية”. كما اتضح له أن “شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة التي تُقدّر بـ حوالى 120 ألف مواطن يحملون بطاقة، وتشمل حوالى 70 ألف منتخب إلا أنهم غير موحدين، وأنهم يتماهون مع فكر القبيلة والعائلة، مع أنه يمكنهم التأثير في الرأي العام والأحزاب”، مطالباً إياهم بـ “وضع قضيتهم فوق بقية الاعتبارات”. وعلى الرغم من ذلك، يعتبر أن “التغيير آت لا محالة في المرحلة المقبلة بسبب فساد الحكام الذين يفرضون عليك حلين لا ثالث لهما، إما الثورة ضدهم أو مغادرة البلاد”، متوقعاً مرحلة شهابية إصلاحية جديدة مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية، وظهور القرار الدولي مع الأجندة الواضحة للإصلاح.
المشرّع غائب عن القضايا
وتحتل قضية دمج ذوي الاحتياجات الخاصة موقعاً متأخراً في اهتمامات المشترع، ويعتقد نواف كبارة أن “أحد أسباب ذلك هو عدم الشعور بهذه الشريحة كقوة انتخابية مستقلة”. ويعتقد أن أولى الخطوات التي تعزز مشاركتهم في الانتخابات هي إقرار التصويت الإلكتروني بواسطة الكمبيوتر من مكان الإقامة في المنزل، وفي حال كان ذلك متعذراً لا بد من اعتماد نظام الميغاسنتر الذي يعتبر من أفضل الحلول. كما يكرر مطالبته في الحالة الراهنة باعتماد مراكز الاقتراع في الطوابق الأرضية، أو اعتماد خيم كحلول جزئية موقتة من أجل تيسير الوصول إليها.
ولا بد من الاستمرار في رفع لواء الإصلاحات التي تحقق العدالة لهذه الشريحة. ويتحدث كبارة عن اقتراح مشروع جديد لإدماج هؤلاء ومنحهم الحقوق الأساسية، ليحل مكان القانون 220 الصادر عام 2000 لأنه أصبح قانوناً قديماً بعد مصادقة لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق هؤلاء الأشخاص.
الاتفاقية الدولية قائمة على الحقوق
ويتحدث كبارة عن سمات القانون الجديد الذي يتم الإعداد له، والذي يفترض أن يتبناه أحد النواب ويقدم المشروع إلى المجلس النيابي الجديد من أجل إقراره، وإنصاف الشريحة التي تعيش في وضع كارثي حالياً.
وهذا القانون يجب أن يتضمن تغييراً جذرياً وأن يقوم على مبدأ الحق، وتكريس “العيش باستقلالية”، وإدخال فئات جديدة إلى مندرجات قواعده القانونية مثل “صغار القامة”، إلى إنشاء “هيئة وطنية مستقلة عن الوزارات والخضوع لها” وتحريرها من وصاية وزارة الشؤون الاجتماعية على سبيل المثال، بحسب كبارة، الذي يشدد على أهمية ووجوب إدخال معضلة هذه الفئة ضمن البرامج الدمجية في المجتمع.
المصدر :
اندبندنت عربية.