رسالة إلى السنيورة… “روح عند سعد”
تستمرّ المفاوضات الجارية عبر وسطاء لإقناع الرئيس سعد الحريري بالعدول عن فكرة الدعوة إلى مقاطعة الإنتخابات النيابية إقتراعاً، مقابل إعلان مناهض لموقفه الأول ينزع عنه قوته. بيد أن الأمور لا تشي بخواتيم سعيدة، تبعاً للمسار الجاري راهناً، والذي يوحي بأن مقدار الثقة بين الحريري والرياض ـ صاحبة الدعوة – شبه منعدم.
كانت الأمور تتّجه إلى التجاهل الكلّي بين الرياض وسعد الحريري، عملاً بمبدأ “لكلّ شخص شؤونه”، قبل أن تخطو مبالغات الثلاثي جنبلاط – جعجع – السنيورة، خطوةً إلى الأمام من خلال إقناع السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، بمقدار السلبية التي يخفيها الحريري من وراء رغبته في جعل جماعته خارج نطاق المشاركة في الإنتخابات… وتبعاً لمقدار تواجد السنّة عامة وتأثيرهم في غالبية الدوائر، يصبح لانكفائهم وقعه السلبي وانعكاسه على مجمل اللوائح، بما فيها لوائح الثلاثي أعلاه. ويُقال أن البخاري عمل على الوشاية بسعد الحريري في المملكة خلال الفترة الأخيرة، ما دفع بها إلى محاولة الفرض على رئيس تيار “المستقبل” من خلال وسطاء، إجراء هندسات سياسية على خطابه، والعودة عن الدعوة إلى المقاطعة من خلال إجراء زيارة إلى بيروت يقف فيها على خاطر أنصاره سياسياً، رفضها الأخير بطريقة واضحة، ما أسهم في تأجيج حالة الرفض السعودية له.
بإختصار، ما يريده سعد الحريري من وراء دعوته إلى مقاطعة السنّة، وبالتحديد أفراد تيّاره، هو التالي: إيصال رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده مفادها “أنا أبو السنّة في لبنان”، ومَن يريد أن يخاطبهم عليه دخول البيوت من أبوابها، وأنا باب الطائفة. بناءً عليه، جاء ردّ الفعل السعودي بالإلتفاف باتجاه دار الفتوى عبر تنصيبها “باباً للسنّة في لبنان”، ومن خلال الهالة الدينية، أقنع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بلعب دور بالنيابة عن الحريري، الذي أخذَ يتهم من قبل المشايخ في دار الفتوى على أنه يتلاعب بمصير السنّة!
يقول أحد اللصقاء بالحريري سابقاً، أن حلّ المشكلة الواقعة بين الحريري والرياض بسيط جداً: أن يُعطى موعداً لإجراء لقاء بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما قد يزيل تلقائياً الملاحقات القضائية بحق رئيس تيّار “المستقبل” فور وصوله إلى المطار، وعندها يقبل الحريري بإجراء هندسات على خطابه. لكن، وحتى الآن، المملكة غير مستعدة لمنح الحريري هذه الجائزة لأسباب عديدة، من بينها الكلام الذي يُنقل عنه بحقّ بن سلمان، فضلاً عن توجّهها نحو “إنبات” زعامات تقليدية في المناطق السنّية، وعلى نفس القدر من الأهمية، سعد الحريري غير مستعدّ لتكبّد أو دفع أثمان مجانية لقاء وعود لا ضمانات لها، خشية من خسارة المكانة التي تحقّقت له أمام أنصاره، سيّما خلال الفترة الأخيرة.
في المقابل، تعمل القيادات السنّية الأخرى على محاولة استقطاب الأعضاء الفاعلين في ماكينة تيار “المستقبل”، من الذين يكافحون من أجل تحفيز المقاطعة وزيادة مفعولها. تحت هذا العنوان، حصل لقاء قبل أيام بين رئيس الحكومة الأسبق والأب الفعلي للائحة “بيروت تواجه” فؤاد السنيورة، وأحد معاوني الرئيس سعد الحريري رئيس “جمعية بيروت للتنمية” أحمد الهاشمية.
اللقاء الذي دام لساعات وبحث إمكانية تهدئة الأجواء في العاصمة، بما في ذلك وقف الحملات المضادة بين الفريقين والتي بلغت مؤخراً حدّ تمزيق وإحراق صور اللائحة المدعومة من السنيورة في بيروت، وشنّ هجمات إلكترونية على الأخير، إلى جانب التخفيف من الدعوات إلى مقاطعة المشاركة في الإقتراع، لم تسفر عن شيء، بدليل أن الهاشمية، وحين اقترب موعد انتهاء اللقاء، إقترح على فؤاد السنيورة العودة بطلباته إلى “الشيخ سعد” في محلّ إقامته في أبو ظبي، ما يعني أنه يطلب بشكل غير مباشر، إجراء زيارة إلى مقرّ إقامته، وهو ما وقف أمامه السنيورة باستهجان، إذ ما معنى إجراء هذا اللقاء بالهاشمية بصفته مندوباً عن الحريري، ما دام أنه لا يملك أي صلاحية بالتقرير؟
هذه الأجواء الضبابية لا بد أن تنعكس على يوم الإنتخابات، وصراخ رئيس لائحة “بيروت تواجه” أمام حشد من البيارتة ووصوله إلى درجة الإنهيار، ينمّ عن المأزق الإنتخابي الذي تعاني منه، ليس فقط اللائحة المدعومة من السنيورة ـ معراب – جنبلاط والسعودية، وإنما الحالة السياسية التي وصلتها الطائفة السنّية ككل، والتي تنمّ عن خواء سياسي واضح وغياب لصوت العقل، وانصراف الجميع إلى لغة السوء في التخاطب دون النقاش.