وصل حال الدولة اللبنانية إلى مرحلة الإرهاق الفعلي ,فهل دقت ساعة عودة النازحين؟
عمليًا، لاتزال خطة وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو لمحاصرة لبنان سارية المفعول. وهي تهدف إلى إخضاعه، تمهيدًا لفرض الإملاءات الأميركية عليه، وفي صلبها توطين الفلسطنيين، وترسيم الحدود البحرية وفقًا للخرائط التي أعدتها “إسرائيل”، ودمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني، وذلك من خلال ممارسة الضغوط الإقتصادية على البلد، التي أدت الى بروز إحتجاجاتٍ شعبيةٍ في الشارع، لخلق فوضى عارمة، علّها تقلب الطاولة على جميع اللبنانيين، وتسقط من خلال ذلك المؤسسات الدستورية في الدولة. يذكر أن “خطة بومبيو” نجحت في تحقيق أحد أهدافها، يوم دفعت الفوضى في الشارع رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الى تقديم إستقالته من الرئاسة الثالثة، والتخلي عن مسؤولياته في أحلك الظروف التي شهدها البلد، عقب “إحتجاجات 17 تشرين الأول 2019”.
بعدها هاجم “المحتجون” القصر الجمهوري والمجلس النيابي مرارًا وتكرارًا، لكنهم لم يفلحوا في إسقاط هاتين المؤسستين. والدليل راهنًا الى إستمرار الخطة المذكورة، هو ما حدث أخيرًا، إثر الكارثة التي حلت في طرابلس الأسبوع الفائت، بغرق الزورق الذي كان على متنه عشرات المهاجرين الى أوروبا قبالة الشاطئ الطرابلسي الأسبوع الفائت. فوجدها العابثون بأمن لبنان وإستقراره، والمراهنون على إسقاط الدولة فيه، فرصةً للإستمرار في الإمعان في تقويض هذا الإستقرار، من خلال إستغلال آلام المفجوعين بفقدان أحبائهم ، وتحريضهم على الجيش اللبناني، في محاولةٍ لنشر الفوضى في الشارع. كذلك محاولة الضغط في الشارع أيضًا، وشن الحملات الإعلامية على الجيش، لثنيه عن القيام بواجبه، وبالتالي غض النظر عن عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية الى البلدان الأوروبية، تحت “عناوين إنسانية”، منها “إنسداد سبل العيش في لبنان”، لتخريب علاقات لبنان مع دول الإتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يدفعهم الى وقف المساعدات عن لبنان.
ومعلوم أن لبنان لم يصل الى هذا الدرك، إلا بفعل تشديد الحصار الأميركي غير المعلن على البلد، والذي قضى بمنع إدخال المال المعلوم وغير المعلوم الى لبنان، على حد تعبير مرجع في العلاقات الدولية. كذلك إستمرار الضغط الأميركي على البنك الدولي، لثنيه عن تمويل عمليتي إمداد خطوط شبكة الكهرباء من الأردن عبر سورية الى لبنان، وخط الغاز المصري عبر الأردن ثم سورية وصولًا الى لبنان لتغذية المعامل الكهربائية فيه، وبالتالي تخفيف أعباء تكاليف الكهرباء، التي أرهقت كاهل اللبنانيين.
حقًا، لقد وصل حال الدولة اللبنانية الى مرحلة الإرهاق الفعلي، ولم يعد بوسعها تحمل المزيد من الأعباء الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية. ودفعت “فاجعة طرابلس” وغرق”شهداء الحصار الإقتصادي” المسؤولين في لبنان، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى إعادة طرح عودة النازحين السوريين الى ديارهم مجددًا على طاولة مجلس الوزراء. ولعل ما زاد أيضًا من مخاوف الرئيس على الأوضاع المعيشية والإجتماعية والإقتصادية في لبنان، هو نشوء أزمة النزوح الأوكراني. حيث بلغ عدد النازحين من أوكرانيا نحو خمسة ملايين نازح. ما سيحوَل إهتمام المنظمات الدولية الى هذه الأزمة المستجدة، مما يعني تخفيف المساعدات الدولية المخصصة للنازحين السوريين في الدول المجاورة لسورية، وفي مقدمها لبنان، الأمر الذي قد يدفع الأحوال من حال الإرهاق الى حال الإنهيار التام. فالدولة اللبنانية لم تعد قادرةً على رعاية شعبين على أراضيها، على حد تأكيد مرجع مسؤول رسمي ومعني بقضية النزوح.
ويكشف أن حجم هذه المساعدات لم يتعد ثمانية مليارات دولار منذ إندلاع الأزمة السورية في منتصف آذار 2011 حتى العام 2022، علمًا أن أعباء النزوح الى لبنان، رتب على الخزينة نحو خمسة وأربعين مليار دولار، وفقاً لتقديرات الجهات الرسمية اللبنانية المعنيّة، من خلال إستفادة هؤلاء النازحين من الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة وفي طليعتها مصرف لبنان، وشركة الكهرباء والبلديات، كدعم المحروقات سابقًا، والطحين، والدواء، والكهرباء من دون رسوم، ورفع النفايات من الطرق، على سبيل المثال، لا الحصر. وفي هذا الصدد، يلفت المرجع عينه الى أن الحكومة اللبنانية متجهةً الى رفع الدعم عن الطحين أيضًا عاجلًا أم آجلًا، ما سيفاقم الأزمة المعيشية، ويرفع منسوب الجريمة في البلد، التي إرتفعت أصلًا بفعل النزوح.
وفي إنتظار حل هذه الأزمة على المستوى الإقليمي، معلوم أن أزمة النزوح ليست محصورةً في لبنان منفردًا، ولا يبدو أن هناك حلًا يلوح في الأفق القريب، في غياب الحل السياسي في المنطقة حتى الساعة، وبالتالي لا عودة قريبة للنازحين. ولكن في الوقت عينه تقوم الحكومة اللبنانية ممثلةً بوزارة الشؤون الإجتماعية بواجبها تجاه أزمة النزوح، من خلال إعداد خطةٍ بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتفضي هذه الخطة الى إحصاء النازحين وولادتهم، كي يكون لدى الدولة كل المعطيات اللازمة، التي تسهم في عودة النازحين الذين بلغ عدد المسجلين منهم في وزارة “الشؤون” 893686 نازحًا، عند نضوج التسوية السياسية في المنطقة.
وتلفت مصادر رسمية مسؤولة ومعنية بقضية النزوح، أن وزارة “الشؤون” لن تألو جهدًا من أجل إتمام الخطة المذكورة بالتعاون مع المحاكم الشرعية السنية، التي فتحت أبوابها لتسجيل عقود الزواج غير المسجلة في المحاكم، لغير اللبنانيين، من دون رسوم، ما يسهم في تحديد الزيجات والولادات، لتسليمها الى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، ثم الى الجهات المختصة في سورية حين تأتي فرصة العودة.
بالإضافة الى ذلك، فقد سلمت الوزارة المذكورة، الى المستشفيات والأطباء والقابلات القانونية نموذجًا موحدًا لتسجيل الولادات لغير اللبنانيين، لتفادي الوقوع في مشكلتي (مكتومي القيد أو عديمي الجنسية)، وهذا ما يسهم في حماية هويتهم، ودائمًا برأي المصادر المسؤولة. كذلك تقوم وزارة “الشؤون الاجتماعية ” بالتنسيق الدائم مع وزارات الصحة والتربية والداخلية، لإنجاح الخطة المذكورة أيضًا.
وعن إمكان مساعدة النازحين داخل الأراضي السورية، تشير المصادر الى أن هذا الأمر يتطلب موافقة الأمم المتحدة، وعليها أن تقوم بعملية مسح جغرافي للاماكن الآمنة في سورية، كذلك التنسيق مع الجانب السوري من أجل هذه الغاية، وهذا الأمر غير متاحٍ في غياب الحل السياسي والرضى الغربي في آنٍ، تختم المصادر.
وفي هذا الإطار، سلم في الساعات القليلة الفائتة، وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار ممثلًا الحكومة اللبنانية طلبًا الى ممثل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أياكي إيتو، طلباً رسميًا من الحكومة للبدء في تطبيق خطة عودة النازحين السوريين الى ديارهم.
المصدر :
المرصد أون لاين.