تابعوا قناتنا على التلغرام
محليات

التنمّر الإلكترونيّ يُسقط الخطوط الحمر للقيم والأخلاق…

قد يكون أبشع ما أوصلتنا إليه مواقع التواصل الاجتماعيّ وأكثر الأمور فظاعةً، فقدان القيم الاجتماعيّة واندثار الأخلاقيّات وزوال الروح الإنسانيّة، بعدما صارَ التنمّر، هو القاعدة، والأخلاق هي الاستثناء.

فإذا كانَ الكلّ متفقاً على أنّ التعرُّضَ للكرامات مرفوضٌ، والإهاناتِ من “المُحرّمات”، والحملات الشّعواء مُدانة… فمن الذي ينال من كرامات النَّاس ويستقوي على الضُّعفاء ويختبئ خلفَ شاشةٍ حتَّى يَرميَ “عقده” جزافاً على الآخرين؟ فَعن أيّ تواصُلٍ اجتماعيّ نتحدّث إذاً، طالما صرنا على مقربةٍ من اضمحلال المُجتمع وعلى مسافةٍ ليست ببعيدةٍ من تلاشي التواصل وتراخي القيم؟

لم تَكُن ديما صادق أوّل من تعرّض للتنمّر في الفترة الأخيرة، ولن تَكونَ بطبيعة الحال الوجه الأخير الّذي يتعرّض لهكذا نوع من الحملات. ولكنّ الغريب هذه المرَّة وعلى خلاف المرّات السابقة، أنَّ مَن تَعرَّض لديما، لم يستهدف شخصها ولا مهنتها ولا مواقفها، بل قرّر أن يَدخُل “حرمة بيتها” من “الباب العريض” ويتنمَّر على ابنتها المُصابة بمتلازمة “جوبيرت” (Joubert Syndrome)، ويذهب إلى أبعدِ حُدودِ اللّاأخلاقيّات، مُتمنياً لجنينها، الّذي لم يولد بعد، “الإعاقة” (بحسب تعبيرهم)، قبل أن تخرجَ الأخيرة عن صمتها وتردّ: “عندكن مشكلة معي حاربوني قد ما بدكن. ولادي شو بدكن فيهن؟! طفل ما خلق ليه عم تدعو ليه، ليه؟ جد ليه؟ مين زرع كل هالشر فيكن؟ متى صار مجتمعنا هيك؟ عالعموم من هلق ورايح كتبو شو ما بدكن ما حرد بحرف لان الكلمة بتخاطب العقل وانتو بطل فيكن عقل ما فيكن الا الغريزة. آخر كلمة، الله يرجعلكن الانسانيّة.”

وأمامَ هكذا نوعٍ من التنمّر، أشار مصدرٌ قانونيّ لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ إلى أنَّ الصحافيين في لبنان والعالم بحاجة بطبيعة الحال إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ التي باتت تُعتَبَر من مقوِّمات الحياة الأساسية لاستِقاء المعلومات والأخبار، أمّا كلّ ما يتم تداولُه من تعليقات وردود عبر تلك المواقع، من ألفاظٍ نابية ومخلّة بالآداب العامة، فتُعتَبر جرائمَ، تتحوَّل إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، ومن ثم تُحال إلى المراجع القضائية الجزائية للبتّ بها، وأبرزها جرائم القدح والذم والتحقير.

ويُتابع المصدر القانونيّ قائلاً: “إن مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية يشكّل جزءًا من الضابطة العدلية، وكل ما يتعلق بالدعاوى يتحوَّل إلى النيابة العامة التي بدورها تحوّل الملف إلى المكتب المختص بحسب نوع الجرم. وجرائم التواصل الاجتماعي هي من اختصاصِ المكتب المذكور، فيقومُ بالتحقيق اللَّازم من ثمَّ يَعود للمدعي العام من أجل البت بالادعاء ويعيد الملف الى المرجع الجزائيّ المختصّ”.

ويتابع: هذا النوعُ من الجرائم يُعتبر جنحةً ولا جناية وبالتالي، فإنَّ العقوبة لا تكون قاسيةً بحسب قانونِ العقوبات، ما يعني أنها لا تزيد عن الشهرَين أو يتمّ استبدالُها بغرامة ماليَّة.

ويرى المستشار والخبير في التحوّل الرقميّ وأمن المعلومات رولان أبي نجم أنّه وللأسف لا فئة مستثناة من التنمر خصوصاً عبر مواقع التواصل، على الأصعدة كافةً، فمثلًا، في المدارس مع اعتماد نظام التعليم المدمج رأينا كمّاً هائلاً من التنمر، فيما النساء اليوم هنَّ الأكثر عرضةً للتنمر بصورهنَّ الخاصة، والمشاهير أيضاً خصوصاً إذا ما ارتكبوا أي خطأ غير مقصود؛ مُعتبراً أنّ ما يحصل مع الإعلاميّة ديما صادق جرى مع غيرها سابقاً، لأنها إعلاميّة مشهورة ومواقفها السياسية مستفزّة لمن يعارضها. فالموضوع تخطّى الأخلاقيات والأدبيّات بحيث أنَّ هناك عدداً من القياديّين في التيَّار الوطني الحرّ يُهلّل لما يحصل مع ديما صادق ويُجاهرون علناً بألا خطوط حمراء بعد اليوم، وهم صاروا معروفينَ ليسوا بحاجةٍ إلى حساباتٍ مزيفة.

وعن تعقُّب المُتنمِّر وملاحقته قانونًا، يُؤكد أبي نجم ألّا قوانين تَضبط هذا النوع من الجرائم وحتى عناصر مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في لبنان عددهم قليل وغير كافٍ لضبط شبكة تواصُل واسعة.

وعن موضوع الحسابات المزيّفة، يرى أبي نجم أنها “سيفٌ ذو حدَّيْن خصوصاً بعدما قرر محاربته إيلون ماسك عبر تويتر، لأنّ معظم الحسابات في الأنظمة العربية لا يمكنها التعبير عن رأيها بحسابٍ مكشوف، باعتبارها أنظمة ديكتاتورية لا تسمح بالتعبير عن الرأي”.

ويُضيفُ قائلاً: ” الاستهداف يكونُ غالباً عبر الجيوش الالكترونية في البلدان العربية، عبر مجموعاتٍ يتمّ خلقُها على “واتساب”، وفي الوقت نفسه هناك بعض الحسابات المزيفة التي تستطيع بـ 100$ خلق وسمٍ Hashtag مُعيّنٍ ليصبح Trend، وهذا أمرٌ ينطبقُ على الشركات وليس على الأفراد حصراً.

وعن مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، يقول أبي نجم إنّ العمل على ضبط الحسابات الوهمية أمرٌ صعب نوعاً ما، خصوصاً ألّا قانون في لبنان والعالم، يمنع الفرد من الحصول على حسابٍ أو أكثر.

أمّا في ما يتعلق بإمكان معرفة مَن وراء الحساب المُزيَّف أو محاسبة المُتنمّر، فيُشير إلى أنّ هناك 3 أنواع من القوانين:

قانون البلد، وقانون المنصة، وقانون البلد الذي تتبع له المنصة، فمثلًا اذا شتم شخصٌ ما رئيسَ الجمهورية في لبنان عبر منصة تويتر (الأميركيّة)، فالقانون اللبناني يُحاسب الشّاتم وتُنسَب إليه تهمة “الجرم”، ولكنه لا يستطيع معرفة هوية الشخص حتى وإن تواصلَ مع شركة “تويتر”، لأنَّ قانونَها والقانون الأميركيّ يُدخلانِ هذا النوع من الشتائم ضمن خانة حريّة التعبير.

وتقول الأخصّائيّة النفسيّة ماريتا طربيه لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ: “للتنمّر آثارٌ نفسيّةٌ واضحة على الشخص، فهو قد يُولّد لديه ضغطاً، أو شعوراً مُتواصلاً بالخوف والقلق، والاكتئاب، وحتى يمكن أن يُزعزع ثقته بنفسه. أمّا القدرة على التحمل، فتعودُ إلى شخصية كُلّ فرد. والأخطر، عندما تصل الأمور عند الإنسان إلى حدّها، فيتحوّل إلى شخصٍ عدائيّ ويردّ على كلّ من يُعرّضه للتنمر.فمن له قدرة على التحمل وله شخصية مُحصَّنة وقويّة، قد يصمد في وجه الضغوطات”.

أمّا عن ضرورة اللجوء إلى إختصاصيّ نفسيّ لتلقّي المعالجة والمتابعة اللازمة، فتقول إنّ المُساعدة الإجتماعيّة تصير ضرورية عندما يُشكل التنمّر خطراً على حياة الإنسان المهنية وعلى علاقاته الاجتماعية والعائلية أو حتى على صحته النفسية.

إذاً ومع تنامي مواقع التواصل الاجتماعيّ في ظلّ غياب الرقابة والأخلاق والإنسانيّة، وتقاعس الدولة عن أداء مهامها وواجباتها القانونية لردع المواطنين عن القيام بالجرائم المعلوماتيّة، يُعوَّل على كلّ فردٍ وعلى كلّ مُستخدم بأن يكونَ واعياً، حتَّى يصيرَ التواصل انسانياً، ولا يبقى حصراً… اجتماعياً.

المصدر :

نداء الوطن.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى