لماذا “الحرب العالمية الثالثة” أصبحت أكثر احتمالا الآن؟!
حذر المحرر بصحيفة “ديلي تلغراف” (Daily Telegraph) أليستر هيث من أن حربا عالمية ثالثة باتت أقرب احتمالا للوقوع اليوم، معتبرا أن الأسلحة الجديدة وإخفاق الغرب في فهم أعدائه يزيدان من خطر نشوب صراع مروع.
ويقر هيث في مقاله بالصحيفة بأن البشر ظلوا محظوظين حتى الآن، فعلى الرغم من أنهم هم من اخترع الأسلحة النووية قبل 77 عاما مضت، فإنهم لم يستخدموها في قتل بعضهم بعضا منذ إلقاء الولايات المتحدة قنبلة نووية على مدينة ناغازاكي اليابانية.
وقال إن الدول تجنبت استخدام الصواريخ بعيدة المدى لإبادة مدن أعدائها، مضيفا أن البشر يعبثون بالهندسة الوراثية، وبالسفر إلى الفضاء، ويستغلون الذكاء الاصطناعي وبعض الكائنات المسببة للأمراض الفتاكة، لكنهم لم يستخدموا حتى الآن أيا من تلك التقنيات في حرب جماعية.
ومع ذلك التوفيق المقرون بالثقة بالنفس إلى حد الغرور والغطرسة، تزداد احتمالات اندلاع صراع دولي خطير -أسوأها وقوع حرب عالمية أخرى- أكبر بكثير مما ندرك، وهي احتمالات تتفاقم يوما بعد يوم.
ويمضي المحرر بالصحيفة البريطانية إلى القول إنه ما من أحد يعرف على وجه الدقة احتمال نشوب مثل ذلك الصراع، لكن حتى مع احتمال بنسبة 10% لحدوث كارثة عالمية خلال هذا القرن سيكون “مخيفا” بما يستوجب من كل الدول الغربية الاهتمام بالأمر بشكل عاجل ومتجدد لضمان تفادي حرب كمعركة هرمجدون في نهاية الزمان، وذلك لن يتأتى إلا “عبر قوة ردع فعالة، وتحالفات جديدة، واستثمارات ضخمة في الأسلحة الدفاعية، وانخراط عاجل في تعاون دبلوماسي”.
لكن لماذا هذا التشاؤم؟ يتساءل هيث ثم يجيب بقوله إن التشاؤم جزء من لعبة أرقام، معتبرا أن “الخطأ الأحمق الفادح” المتمثل في انتشار التقنيات المتطورة، بما فيها السلاح النووي، يكمن في قدرة مزيد من الدول على إلحاق ضرر جسيم بأعدائها، وأن الجغرافيا السياسية أصبحت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى مع انتهاء الهيمنة الأميركية على العالم، مما زاد من احتمال حدوث سوء فهم فادح أو نزاع محلي في أفريقيا أو أميركا الجنوبية أو آسيا يخرج عن السيطرة.
ويتساءل كاتب المقال مرة أخرى عن الأسباب التي تحول دون أن تسمح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإيران بأن تصبح دولة نووية، معتبرا أن هذا الأمر يجعل من اندلاع حرب إقليمية احتمالا شبه مضمون.
لقد كانت الحرب الباردة صراعا بسيطا حالفنا الحظ في النجاة منها، بنظر أليستر هيث الذي استشهد بأحداث صاحبت تلك الحقبة مثل رفض فاسيلي أرخيبوف نائب قائد إحدى الغواصات الروسية الانصياع لأوامر القبطان بإطلاق طوربيد نووي على الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 1962 في خضم أزمة الصواريخ الكوبية.
والمثال الآخر ذلك الذي حدث في عام 1983عندما تجاهل ضابط عسكري روسي يدعى ستايسلاف بيتروف إنذارا مبكرا بأن الولايات المتحدة شنت حينها هجوما نوويا على الاتحاد السوفياتي.
وفي عالم اليوم الذي يبدو الأكثر تعقيدا مع وجود أنظمة مستبدة “مصابة بجنون العظمة” -كما هي حال كوريا الشمالية- قادرة على التسبب في مجازر هائلة، فسيكون الأمر أسهل بالنسبة للدول لارتكاب خطأ فادح يشعل فتيل حرب شاملة، وفق مقال تلغراف.
كما “أن حقيقة أن أداء روسيا في ساحة القتال بأوكرانيا ظل ضعيفا للغاية يعد خبرا جيدا، لكن لا يجب أن يغرنا بإحساس زائف بالأمن”.
وباستثناء ألمانيا، أبلى الغرب بلاء حسنا بدعم أوكرانيا بقوة ولكن بحكمة، مع أن دولا أخرى مثل الهند وباكستان تجاهلت تلك الجهود.
ويرى محرر صحيفة تلغراف أن العديد من القوى الناشئة تود الاحتفاظ بخيار غزو إحدى جاراتها، مؤكدا أن أوضَح بؤرة توتر ساخنة الآن هي تايوان، وأن تلك القوى لم تعد مستعدة للانصياع لإرادة الغرب.
ويضيف الكاتب أن العالم بات أكثر خطورة وليس العكس، وأن “الإرهاب البيولوجي” صار مدعاة لقلق متعاظم، وأن هجوما سيبرانيا كبيرا أو اعتداء على كابلات الاتصال البحرية العابرة للمحيط الأطلسي قد تدمر الاقتصاد المعتمد على الإنترنت وربما ينظر إليه على أنه بمثابة إعلان حرب.
وقد ساور الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة اعتقاد بأنها نجحت في ردع استخدام الاتحاد السوفياتي السلاح النووي، إلا أن المؤرخين الذين اطلعوا على وثائق موسكو التي رُفعت عنها السرية يدركون أن ذلك كان ضربا من الوهم.
ويختم أليستر هيث مقاله بالقول بأن مستقبل السلام العالمي يبدو أكثر كآبة من أي وقت مضى ما لم ترتق بريطانيا وأميركا ودول أخرى بمستوى أدائها بشكل كبير.