بعد 66 عاماً على اعتماده.. هل يتخلى لبنان عن السرية المصرفية؟
يتجه لبنان نحو التخلي عن نظام “السرية المصرفية” الذي يعتمده منذ ستة عقود ونيف تلبية للطلبات الدولية التي تم التوافق على التزامها من السلطات اللبنانية، وتمهيدا لتحويل صيغة الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي إلى برنامج تمويلي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 4 سنوات.
ويرى خبراء أن مشروع القانون الرامي إلى إقرار حزمة من التعديلات المقترحة على مجموعة قوانين نافذة وذات صلة بالسرية المصرفية، من شأنه أن يؤسس لحقبة مصرفية جديدة تتوافق مع المتطلبات الدولية.
وفي هذا السياق، قال خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد محمد فحيلي، لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “التخلي عن قانون السرية المصرفية من أسهل الشروط في الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي”
ورأى أن “الفاسد هو المستفيد الأول من قانون السرية المصرفية، ويأتي في الدرجة الثانية الأحزاب السياسية والميليشيات خلال وفي مرحلة ما قبل الحرب الأهلية في لبنان لأن المصارف كانت، وما زالت، تستقبل الودائع وتمتثل لقانون السرية المصرفية ولن يكون عندها صعوبة بالامتثال لأية تعديلات للقانون”.
وأشار إلى أن “المتغيرات التي حصلت في مجال العمل المصرفي عالميا خففت من حصانة هذا القانون، ولم يعد المحرك الأساسي وراء توجه الأموال نحو المصارف اللبنانية لأن نهضة الودائع في القطاع المصرفي اللبناني ليست بفضل السرية المصرفية”.
وأضاف أنه “ليس من الدبلوماسية والمهنية اتهام من تفاوضه بالفساد وخصوصا على طاولة لبنان وصندوق النقد الدولي، لذلك فإن التوقف عند قانون السرية المصرفية خلال المفاوضات له دلالة إيجابية وهدف يتمثل بتوجيه رسالة واضحة للطبقة السياسية الحاكمة مفادها أنه إذا أراد لبنان الإبقاء على قانون السرية المصرفية، فلن يقبل صندوق النقد الدولي بوجود ثغرات في هذا القانون تسمح للفاسدين بالتحصن بها لإخفاء فسادهم، لذلك كان هناك شرط واضح في الاتفاق المبدئي لإجراء التغييرات اللازمة والضرورية في قانون السرية المصرفية”.
ليس مستحيل التحقيق
وعن مسألة الصعوبات التي تعترض تطبيق التخلي عن السرية المصرفية، أوضح فحيلي أن “التخلي عن قانون السرية المصرفية في لبنان ليس بمستحيل، وقد شَرَعَ لبنان في التخلي عنها عام 1996 من خلال (اتفاقية الحيطة والحذر) الموقعة بين جمعية مصارف لبنان وإدارات المصارف بمواكبة شركات تدقيق عالمية وتحت أعين لجنة الرقابة على المصارف ونقابة المحاسبين المجازين”.
وتابع: “كان قانون مكافحة تبييض الأموال 44/2015 الأقوى مما سبقه بمضمونه، ولكن ليس بتطبيقه، وكان أشبه بصاعقة في عالم السرية المصرفية في لبنان لأنه جرّم واستهدف الفساد والتهرب الضريبي وعددا كبيرا من الجرائم المالية التي لم تكن بالحسبان في عالم المال والأعمال في لبنان”
واقترح فحيلي أن “الاكتفاء بما هو موجود من قوانين وإجراءات لمحاربة الفساد، ولكن هناك حاجة لتفعيل العمل بها والتوجه نحو منع الأشخاص النافذين سياسيا من المساهمة في أي مصرف أو بمجالس الإدارة”.
واسترسل قائلا: “يجب إقرار قانون يُلزم المصارف برفع تقارير دورية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن حركة الحسابات المصرفية لجميع رجال الدولة وكل من هم في مركز القرار وباستطاعتهم التأثير على القرار، وتحفظ هذه التقارير بسرية تامة وتُسلّم للقضاء المختص عند توجيه أي اتهام بالفساد”.
وختم حديثه قائلا: “يجب تفعيل عمل مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة لديوان المحاسبة والتفتيش المركزي”.
التمويل مقابل رفع السرية
واعتبر الخبير في الشؤون الاقتصادية البروفيسور جاسم عجاقة أن رفع السرية المصرفية عن البنوك والمصارف في لبنان، سيتم لأنه بحاجة لدعم خارجي، مشيرا إلى أن “من سيموّل الدعم سيفرض شروطه وأولها رفع السرية المصرفية”.
ولفت عجاقة إلى أن السرية المصرفية “كانت نعمة للبنان ولولا الأزمة الاقتصادية الحالية لم يفكر أحد برفعها، وستكون لها معارضة كبيرة وخاصة على الصعيد التشريعي في المجلس النيابي، ولكن الأزمة المالية الخانقة ستكون عاملا مسهلا لرفعها في النهاية”
وفيما يتصل الهدف الكامن وراء تركيز المجتمع الدولي على شرط رفع السرية، قال عجاقة إن “الهدف من رفعها، أن يتمكن المجتمع الدولي من ملاحقة حركة الأموال غير المشروعة، لأنه يعتبر أن لبنان صار جزيرة سرية معزولة يستحيل اختراقها ومراقبة مصدر الأموال الوافدة إليها”.
وعن الآثار المترتبة على إقرار رفع السرية المصرفية، أوضح عجاقة: “إذا كان رفع السرية المصرفية هو للمحاسبة على مخالفات الماضي وكشف المتهربين من الضرائب من المكلفين بحق الدولة اللبنانية فهذا جيد. كانت السرية المصرفية الدافع الرئيسي لتدفق رؤوس الأموال، ليس تهربا واحتيالا بل كانت تسمح للمستثمر أيا كانت جنسيته بتحويل الأموال واستثمارها كما كان الوضع في سويسرا التي أدرجت حسابات رقمية لمستثمريها بدون أسمائهم”.
ووفق عجاقة فإن السرية المصرفية كما هي مطروحة اليوم تعطي المصلحة الضريبية في وزارة المال سلطة كبيرة للاطلاع على الحسابات والمعلومات المطلوبة من المصارف، التي سيصبح بإمكانها مخاطبتها مباشرة وهذا غير عادي بالنسبة للبنان: “إذا تم إقرار مبدأ المحاسبة بمفعول رجعي لتقييم التهرب الضريبي في السنوات الماضية، أعتقد أن ذلك سيكون عائقا أساسيا أمام إقرار القانون في مجلس النواب”.
المصدر : سكاي نيوز عربية.