هل يتم إعلان فشل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية؟
يعتقد الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، أنه يستطيع الإستمرار بوساطته بشأن إيجاد حلّ للنزاع الحدودي البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي إلى ما لا نهاية، كما يعتقد أنه بتقديمه العرض الذي بات يُعرف بالخط المتعرّج الذي يقضم جزءاً من حقل قانا، وجزءاً آخراً من البلوك 8 سوف يلهي الجانب اللبناني عن أعمال شركة “إنرجين” لناحية بدء استخراج النفط والغاز من حقل كاريش.
وباتت اللعبة الأميركية الإسرائيلية مكشوفة بوضع حقل قانا في موضع النزاع، ومنع شركة “توتال” من الحفر فيه وإبعاد النزاع عن حقل كاريش، والسماح للإسرائيلي بإنتاج الغاز والنفط منه دون صعوبات تذكر. وبالتالي، بات الإسرائيلي يخطِّط لفرض معادلة حقل قانا مقابل جزءٍ من البلوك 8 اللبناني، بدلاً من أن تكون المعادلة حقل قانا مقابل حقل كاريش.
لقد جرّب لبنان على مدى عشر سنوات منذ العام 2012 حتى العام 2020 التفاوض عبر الوسطاء الأميركيين (هوف، هوكشتاين، ساترفيلد، شنكر) مع العدو الإسرائيلي للحصول على كامل المنطقة البالغة 860 كلم مربع، ولكن دون جدوى، حيث أصرّ الإسرائيلي على تمسكه بالخط 1 لكي لا يحصل لبنان سوى على خط هوف، أو على خطّ ما بين خطّ هوف والخط 23، أي أقلّ من مساحة 860 كلم مربع. إلاّ أن طرح الوفد المفاوض للخطّ 29 ومطالبته بمساحة 1430 كلم مربع بالإضافة إلى 860 كلم مربع بالإستناد إلى القانون الدولي، أطاح بالمخطّط الإسرائيلي القائم وفقاً لعقيدته المتّبعة بنقل المعركة إلى أرض الخصم، واتباع سياسة القضم وفرض الأمر الواقع، ولو تمّ تعديل المرسوم 6433/2011 باعتماد الخطّ 29 بدلاً من الخطّ 23 وإيداعه الأمم المتحدة، لكان حصل لبنان على كامل حقوقه في مياهه البحرية، ولكانت شركة “توتال” استطاعت بدء التجهيز للقيام بأعمال الحفر في حقل قانا في شهر آب 2022 وفقاً للعقد الموقّع معها.
وبالتالي، عدم التعديل شجّع الإسرائيلي والوسيط الأميركي على معاودة نقل النزاع إلى المياه اللبنانية، وإبعاده عن حقل كاريش كما كان يحصل طوال العشر سنوات الماضية، وسيحاول الإسرئيلي السعي دائماً إلى إبقاء هذا النزاع داخل المياه اللبنانية عشرات السنين لحين الإنتهاء من شفط الغاز من حقل كاريش، ومن ثم يأتي ليقاسم لبنان بعد ذلك على ثروات حقل قانا.
ولكن، نسي هذا العدو، ومعه الوسيط الأميركي وبعض المسؤولين اللبنانيين، أن لبنان وبناءً لتوجيهات الحكومة بعث برسالة إلى الأمم المتحدة بتاريخ 28 كانون الأول 2022، أكد فيها أن حقل كاريش متنازع عليه، ويحذّر الأطراف الثالثة (شركات النفط والغاز) من العمل في المنطقة المتنازع عليها، كما أكدت هذه الرسالة أن لبنان سوف يلجأ الى تعديل المرسوم 6433 في حال فشلت المفاوضات. هذه الرسالة التي حاول الجانب الإسرائيلي حذفها عن موقع قسم شؤون المحيطات وقانون البحار في الأمم المتحدة لأهميتها، ولما تمثله من تهديد وعبء على الشركات التي تريد العمل ما بين الخطّ 23 والخطّ 29، تُعتبر اليوم وثيقةً رسميةً تعبّر عن موقف الدولة اللبنانية، وتحفظ الحقوق التي يحاول العدو استباحتها وسرقتها.
السؤال المهم، متى يُمكن الإعتبار أن مسار المفاوضات قد انتهى؟ هل هو دون سقف محدّد كما يتمنى الوسيط الأميركي والعدو الإسرائيلي؟ الجواب هو حتماً لا، فهذه المفاوضات تعتبر في حكم غير الموجودة ومنتهية عند انطلاق سفينة الإنتاج (Energean Power) من سنغافورة إلى حقل كاريش والمتوقّع بعد أيام قليلة. هذا الإنطلاق تأخر أكثر من عام بسبب جائحة كورونا وبعض الأعمال الطارئة المستجدة على متن السفينة، إلاّ أن الشركة تعمل ليلاً نهاراً للإنطلاق خلال الأيام القليلة القادمة. فانطلاق هذه السفينة باتجاه حقل كاريش، يعني أن العدو يعتبر حقل كاريش خارج منطقة النزاع ويريد الإنتاج منه، مع إبقاء النزاع في حقل قانا، وبالتالي، هذا يتناقض مع مضمون الرسالة اللبنانية الى الأمم المتحدة، والتي تعبّر عن موقف الدولة اللبنانية، باعتبار حقل كاريش متنازع عليه.
ماذا بعد؟ الجواب يتبيّن في تصريح الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله قبيل زيارة آموس هوكشتاين الأولى إلى لبنان، والذي قال فيه أنه لن يسمح للعدو باستخراج النفط والغاز من المنطقة المتنازع عليها، كما يتبيّن في تصريح النائب محمد رعد بعد زيارة آموس هوكشتاين الثانية، وتقديم العرض المتمثل بالخط المتعرّج، حيث قال أنه لن يُسمح للإسرائيلي بالتنقيب عن النفط والغاز في جوارنا في حال لم نستطع استخراج نفطنا وغازنا. إنها أيامٌ قليلة تفصل عن مستجدات هامة في هذا الملف، وبالتالي، هل سيسمح لسفينة الإستخراج (Energean Power) والتي تُعتبر منصّة استراتيجية للعدو بالإنطلاق والرسو فوق حقل كاريش، وبدء شفط الغاز والنفط أمام أعين اللبنانيين، من حقلٍ يعتبره لبنان بوثيقة رسمية إلى الأمم المتحدة أنه حقل متنازع عليه؟
المصدر :
ليبانون ديبايت.