تابعوا قناتنا على التلغرام
اخبار لبنانمحليات

تفاصيل من ليلة الغرق: السلطة دفعتنا إلى الموت غرقاً    

عند السابعة من مساء السبت 23 نيسان، بدأت الرحلة الأخيرة لعائلات طرابلسية من أمام منتجع البرج المهجور عند شاطئ القلمون. صعدت العائلات على متن مركب للهجرة غير الشرعية أملاً في الهروب من جحيم الفقر والعوَز واللاأمان إلى برّ الأمان في بلاد أخرى. ولكن لم يكتب للرحلة أن تكتمل، حيث بعد قرابة الساعة شهدت تطوّراً دراماتيكياً انتهى بغرق القارب. وسُجّل في حصيلة أولية وفاة 6 أشخاص من بينهم طفلة، و33 مفقوداً فيما نجا 45 شخصاً، بحسب مصادر الجيش اللبناني التي أشارت إلى أنّه كان على متن القارب 84 شخصاً.

تبيّن من المعلومات المتوفّرة حتى الآن أنّ المركب لم يكن مؤهّلاً لاستيعاب هذا العدد من الركّاب كما أنّ لا سترات نجاة أو أية معدّات إنقاذ على متنه، ولكن ذلك ليس مبرّراً ليلوم البعض الركّاب ويسألونهم “لماذا هربتم على متن قارب هجرة غير شرعية غير مهيأ؟”، فهو بالنسبة إليهم بمثابة استخفاف بمعاناتهم، وتغاض عن الواقع الذي يعيشونه.

حادثة الموت المحتّم

يروي أحد الناجين الذين التقتهم “المفكرة القانونية” أمام مرفأ طرابلس، إنّ معظم الركاب جاؤوا من أحياء شعبية في القبة والتبانة والبقار غيرها وكانت وجهتهم إيطاليا. ويتابع أنّه كان على متن المركب برفقة شقيقه واثنين من أبناء خاله، وأنّ الثلاثة لا يزال يجهل مصيرهم. ويضيف “تعرّض قاربنا لحادث صدم من قارب تابع لخفر السواحل اللبناني بعد أن رفض قائد القارب التوقّف كما وجّه العناصر شتائم إلى الركاب”، ولكن نفت قيادة الجيش حصول حادثة الصدم، بل اتهمت قائد الرحلة بمحاولة الفرار وصدم طرّاد القوة البحرية أثناء ذلك.

بدأت المياه بالتسرّب إلى داخل القارب، ومع بدء انخفاضه دون سطح الماء، “حاولنا إنقاذ الأطفال والنساء من داخل غرفة السطح، كسرنا الزجاج لإخراجهم من الداخل”، ازداد الوضع خطورة، لم يكن بحوزتنا ستر نجاة أو معدات تساعد على الغوص”. رمى الركاب أمتعتهم في البحر للتخفيف من الحمل، ولكن لم تفلح محاولاتهم، وأصبح الغرق محتّماً، انقلب القارب. يتابع الناجي أنّه مع صدور صرخات الاستغاثة بدأ عناصر خفر السواحل محاول إنقاذ الركاب وساعدوا ما مجموعه 45 شخصاً، ويقول إنّه أثناء السباحة رأى مجموعة من الجثث طافية على السطح.

عادت مراكب الجيش اللبناني بالناجين إلى شاطئ الميناء، وجرى استقبالهم بداية في مرفأ طرابلس حيث أجرت لهم فرق الإنقاذ الإسعافات الأولية قبل نقلهم إلى مستشفيات مدينة طرابلس.

وخرج الناجون أصحاب الإصابات الطفيفة إلى الساحة المحيطة بالمرفأ حيث كان الأهالي بانتظارهم لسؤالهم عن أبنائهم أقاربهم.

وفي هذه الأثناء تستمر قبالة شواطئ طرابلس عمليات البحث عن المفقودين الذين تشير مصادر الجيش إنّ عددهم 33، فيما تبلّغ عدد من الأهالي وفاة أبنائهم بينهم الطفلة الرضيعة ت.ح،  التي انتشلت جثّتها أمس ولا تزال والدتها في عداد المفقودين، وخمسة آخرين انتشلت جثثهم اليوم ونقلتهم فرق الإسعاف إلى المستشفى الحكومي في طرابلس، عُرف منهم الشاب ب.م الذي تسلّمت عائلته جثته، وشيّعته في منطقة القبة وسط إطلاق رصاص كثيف، وكذلك السيدة ح. م. ج. التي كانت على متن المركب مع اثنين من أطفالها (صبي وفتاة)، بالإضافة إلى والدة زوجها وشقيقته. بالإضافة إلى الشابين ر.د، و ب.د، والشابة س.أ.ط. ولم تعرف هوية الضحايا الباقين.

وبحسب أوساط عمليات الإنقاذ خرج الركّاب على متن “قارب نزهة” قديم العهد مصنوع من الفايبر وطوله 10 أمتار، وكانوا بالعشرات (84 بحسب مصادر الجيش) فيما المركب يتّسع عملياً لـ 6 أشخاص. ويشرح مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر أنّ الحادثة وقعت في منطقة مائية عميقة يبلغ متوسط عمقها 450 متراً، وهي تبعد حوالي 6 أميال من جزيرة الرنكين – الفنار، و9 أميال من شاطئ الميناء في طرابلس، أي على بعد حوالي ساعة من البرّ.

وعن دور المديرية العامة للنقل البرّي والبحري التي يرأسها والتابعة لوزارة الأشغال، في كبح خروج مثل هذه المراكب، يشير تامر إلى أنّ مهمّتها تقتصر على التحقّق من سلامة السفن في الرحلات الشرعية، والحراسة تقع على عاتق الجيش اللبناني.

وأفادت مصادر قضائية “المفكرة” أنّ “التحقيقات باشرها الجيش اللبناني”، و”تتولّاها النيابة العامّة العسكرية بسبب وجود وضع خاص بالمؤسّسة العسكرية”.

مرفأ الأمل

وفجر اليوم غصّ مرفأ طرابلس بأهالي الركّاب. عند المدخل تجلس والدة الشابة س. أ. ط. (التي أعلن لاحقاً العثور على جثتها)، و الشاب م. ط.، تنتظر قبساً من نور أو أملاً يأتيها من وراء السور، ليطفئ لهيب قلبها على أبنائها. يحيط بها عدد كبير من النسوة، اللواتي يبكين، وهنّ يقلّبن الصور في الهاتف، ومواقع التواصل الاجتماعي التي ازدحمت بأخبار غرق المركب.

تحمّل إحدى النساء على مدخل المرفأ “الدولة مسؤولية ما جرى مع أبنائهنّ الغرقى”، ويوافقها الرأي جمع المتجمهرين أمام الطوق العسكري المحيط بالمرفأ.

في زاوية أخرى من الساحة، يقف رائد الزعبي الذي ينتظر مصير 10 أشخاص من عدلائه، أشقاء زوجته، وأقارب لهم، وهم من عائلات الجمل والضناوي ويعيشون في منطقة البقار – القبة. فهو ينتظر عائلة الشاب ر.ج. الذي ينحدر من قرصيتا الضنية، والشاب م. ض. وعائلته، والأطفال ليا، ريماس، ويوسف.

يكشف الزعبي أنّ أقاربه “باعوا منازلهم وكلّ ما يملكون، من أجل الهروب والعيش عيشة كريمة، بحثاً عن باب ضوء”، “حالتهم تعيسة للغاية، أحدهم كان يعمل سيكيوريتي، وتمّ صرفه من عمله”، و”هم الآن سيعودون للتأسيس من الصفر، لأنهم لم يتركوا وراءهم شيئاً”.

يضيف الزعبي “لم نكن نعلم بخطوة الهجرة، شكّلت مفاجأة لنا جميعاً، على الأرجح طالبهم المهرّبون بالتزام السرّية وإبقاء الرحلة طي الكتمان من أجل الاستمرار بتجارتهم”. ويتابع “قبل 4 ساعات، أصبحت هواتفهم خارج التغطية، وفوجئنا بعد الإفطار بخبر الغرق”. يتحدّث الزعبي عن حال الأهالي “ننتقل بين المستشفيات للسؤال عنهم ولكن لا خبر”، “فليبلّغونا بمصيرهم سواء أكانوا أحياء أو أموات، في كلتا الحالتين نريّح رؤوسنا، بدلاً من حالة الضياع التي يعيشها أبناء منطقة طرابلس جميعاً”.

قيادة الجيش توضح   

عقد قائد القوات البحرية هيثم الضناوي مؤتمراً صحافياً اليوم تناول فيه ملابسات الحادث، حيث ردّ أيضاً على ما أورده بعض الناجين عن صدم خفر السواحل للمركب. وأشار الضناوي إلى أنّ عناصر القوة البحرية عملوا على “إيقاف الزورق وإقناع قائد المركب بأنّه معرّض للغرق، والمركب كان محملاً بما يزيد عن 15 أضعاف حمولته المسموحة” إلّا أنّ “قائد المركب اتخذ القرار بتنفيذ مناورات للهروب من الخافرة بشكل أدى إلى ارتطامه، ولم يتم استعمال السلاح من قبل عناصرنا”.

وتابع أنّ المركب الذي غرق يعود تاريخ صنعه إلى عام 1974، وهو صغير بطول 10 أمتار وعرض 3 أمتار، والحمل المسموح له هو 10 أشخاص فقط، ولا وجود لوسائل أمان فيه. ولفت إلى أنّه “بسبب الوزن الزائد غرق المركب بسرعة ولولا وجودنا بالقرب منهم، لما تمكّنا من إنقاذ 45 شخصاً”.

فاجعة جديدة

خلّت النكبة حالة من الحزن والحنق العامر في طرابلس. وطوال الليل شهدت أحياء طرابلس الشعبية إطلاق رصاص احتجاجي في الهواء، وتحديداً في المناطق التي ينتمي إليها الغرقى في التبانة، البقار، والقبة، وسط مطالبات بتحقيق شفاف من قبل الجيش اللبناني لجلاء الحقيقة في ملف غرق القارب. كما شهد اليوم الأحد قطعاً للطرقات في محيط المرفأ، وأحياء الريفا، أما منطقة البقار في القبة، فقد شهدت صدامات بين محتجّين وقوى مؤلّلة من الجيش اللبناني، وقام الغاضبون بتحطيم الحاجز الواقع أمام الطبابة العسكرية.

ونفى د. ناصر عدرة مدير المستشفى الحكومي عبر “المفكرة” خبر تعرّض قسم الطوارئ للتحطيم على خلفية حادثة غرق القارب، وأكد أن المستشفى مستمر في استقبال المرضى كالمعتاد، وقد استقبل اليوم جثث 5 من الضحايا.

وقد أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان حادثة غرق قارب على متنه العشرات في أيلول 2020، وما زال ينتظر أهالي 3 منهم جلاء مصير أبنائهم المفقودين. كما سبقها مجموعة من المؤشرات لعودة قوارب الهجرة غير الشرعية، وآخرها توقيف الجيش قارباً على متنه لاجئين سوريين الأسبوع المناضي، إلّا أن الرحلة الحالية التي انطلقت أمس السبت كانت الأخطر لناحية عدد الركاب وحجم الضحايا، وآثارها على المجتمع الطرابلسي.

المصدر :

المفكرة القانونية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى