جعجع الجيولوجي !
العصر الجيولوجي حسب علم الجغرافيا ، يخلـقُ إضطرابات عنيفة في الطبقات الأرضية ، فترتفع جبالٌ وتنخفض جبال ، ويُحدثُ تغييـراً في معالم سطح الأرض .
وكأنّنـا نحن اليوم في عهـدٍ جيولوجي إنقلبتْ فيه الطبقات الشرعية والسياسية في اهتزازاتٍ عنيفـة ، فانخفَضَتْ ما كانت جبالاً في معالـم سطح السلطة .
في مقابلةٍ تلفزيونية للنائب جبران باسيل مع الصحافي ماريو عبود 10 نيسان الفائت سمعتُ النائب باسيل يقول : “إنّ عهـد الرئيس ميشال عـون فشَّلـهُ سمير جعجع ، ولما راح المحاوِرُ يستزيدُ منـه توضيحاً ، كـرّر النائب باسيل القول مـرّتين ، ما يـدلُّ على أنّ اتّهـام سمير جعجع بهذا الحـدَث الجلَـل لم يكـن نتيجةَ شرود ذهني أوْ زلَّـةَ لسان .
أمام هذا الهـول الذي أصاب الوطن وقد تأجّـج بالكوارث ، فإنّ رهبـةَ المأساة تؤدّي إلى الصدمة ، والصدمة تؤدّي إلى الإرتباك ، ولا بـدّ لأصحاب المسؤولية من أنْ يبدّدوا خطورة التبعات في اتجاهها العكسي .
هذا الرئيس القـوي الذي تساقطت النجوم على كتفيـه ، المدعومُ من أكبر حـزب مسيحي قـوّي ، وأكبر حـزب شيعي قـوّي ، وأكبر كتلة برلمانية وأكبر كتلة وزارية ، إذا كان سمير جعجع يمتلك حقـاً هذه القـوّة السحرية الخارقة ، متفوِّقاً على كـلِّ هذه المجموعات الداعمة للرئيس ، فهو إذ ذاك جديرٌ بـأنْ يُنصَّـب ملكاً متوّجاً على هذه المملكة المسحورة وأشباحها .
وإذا كان في استطاعة سمير جعجع أنْ يفشّل عهـد الرئيس ميشال عـون ، فهو إذاً يتمتّع بتفوّق أقـوى لتفشيل عهـدٍ برئاسة جبران باسيل .
إذا شئنـا أن نستعرض العهود الرئاسية في شتّـى مراحلها ، يتبيّـن أنَّ طبيعة الشخصية المعنويّـة هي التي تحصّـن الرئيس ، وليس هناك مـنْ يستطيع أن يفشِّل حكماً إلاّ إذا فشَّل الحكمُ نفسه .
والرئيس سواءٌ كان متورِّطاً أوْ منزّهـاً فلا يمكن أن يكون رئيساً وغير مسؤول ، وهو إذا كان عاجزاً أمام شـدَّة الفواجع فلا يستطيع أنْ يتبـرّأَ من المسؤولية إلاّ بالتنحّـي .
الرئيس جمال عبـد الناصر – ومع فوارق التشبيه – بعد هزيمة حـرب 1967 ، واجـهَ الشعب بالحقائق وأعلن عن تحمُّـلهِ المسؤولية كاملةً ، ولّمـا لـوَّح بالتنحّـي إلتـفّ حـوله الشعب في معركة الإنتصار على النكْسة .
هناك شاهـدٌ دولي ورئيسٌ فرنسي إسمه إيمانويل ماكرون ، رافـقَ الأحداث اللبنانية في شتَّـى مآسيها ومراحل تفاقمها ، وفي مؤتمـر صحافي (27 إيلول 2020) قال : “الشعب اللبناني تعرّض للخنْق من قِبَـلِ أصحاب القرار ، وإنّـي أحمّل المسؤولية لكلّ القادة اللبنانيين وعلى رأسهم الرئيس ميشال عـون” .
طريق السياسة محفوفٌ أبـداً بالمغامرة والمخاطر ، والقادة التاريخيون الكبار طالما واجهوا انتصارات وانكسارات ، فـإنْ كبـروا بالإنتصار فما تكابروا بالإنكسار .
هكذا نابوليون حين نُفـيَ إلى جزيرة القديسة هيلانه قال : “لا أحد مسؤولٌ عن هزيمتي لقد كنتُ أنا أعظـمَ عـدوٍّ لنفسي” …
نعم … الإعتراف بالذنب فضيلة .
المصدر :
الجمهورية.