“الهَوبَرة” الكلامية لا تنقذ الهيكل من السقوط
في غمرة الإنهماك في السجالات الإنتخابية، بدا أن ما يحصل على مستوى التطوّرات المتسارعة ديبلوماسياً على الساحة الداخلية، يشي ببدء تسوية غير معلنة، بدأت معالمها تتكرّس من خلال جملة إشارات برزت فرنسياً وخليجياً، وشكّلت مفاجأة لأكثر من جهة سياسية محلية. وفي مقدّمة هذه الإشارات، الإعلان عن زيارة قداسة البابا فرنسيس الأول إلى لبنان في حزيران المقبل، ثم توقيع إتفاق مبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ولو مشروط، وصولاً إلى العودة الخليجية إلى الساحة اللبنانية من بوابة تحسين العلاقات بين لبنان ودول الخليج والمملكة العربية السعودية، من خلال عودة السفيرين السعودي وليد البخاري، والكويتي عبد العال القناعي.
وفي قراءة أولية لكل هذه المؤشّرات، فإن أوساطاً ديبلوماسية على تماس مع عاصمة أوروبية، لا تخفي أن عملية خلط أوراق دولية قد شارفت على الإنتهاء، وقد بدأت تداعياتها تظهر على الساحة الإقليمية، من اليمن إلى لبنان، لكن كل السيناريوهات التي كانت متداولة حول هذه التسوية، لم ترتقِ إلى جوهرها، نظراً للتناقضات في المصالح الدولية والإقليمية التي ظهرت نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، وتعليق الإتفاق الأميركي ـ الإيراني في اللحظة الأخيرة من جهة أخرى.
ولذلك، من الصعب، وبحسب الأوساط الديبلوماسية نفسها، أن تتبلور الصورة الحقيقية لما ستكون عليه الساحة اللبنانية غداة دخول التسويات مرحلة التنفيذ، لكن الثابت والواضح، أن انغماس المجتمع الدولي، وعلى وجه التحديد باريس بالصراع في أوكرانيا، لم يحجب المواكبة الدولية للوضع اللبناني الذي كان على قاب قوسين من الإنهيار الكامل، والذي ازداد الكلام عنه في الآونة الأخيرة، ولو أنه أتى بصيغة النفي للمصارحة التي قام بها عن قصد، أو عن غير قصد، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي.
وعلى الأرجح، فإن الحرص الخارجي على لبنان، يتجاوز الحرص الداخلي الذي لم يظهر في أي خطوة جرى اتخاذها على مستوى السلطة منذ العام 2019 إلى اليوم، فكان أن تحرّكت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان بالتنسيق الذي حصل بين باريس والرياض من أجل الوصول إلى أمر واقع جديد، يفرض إيقاعه على القوى السياسية اللبنانية من خلال الضغط أولاً لإجراء الإنتخابات النيابية عبر ربطها بزيارة البابا فرنسيس إلى لبنان، وثانياً من خلال تقديم الدعم المباشر لتمرير الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد، الذي شكّل مفاجأة للبنانيين، كونه أتى في لحظة بدا فيها أن قرار الإصلاح لم ينضج بعد على المستوى السياسي، وثالثاً الإنفتاح الخليجي على لبنان، والذي أتى بناء على قرار، وليس على خلفية تغييرات في المواقف حصلت من قبل من تسبّب في قطع العلاقات اللبنانية ـ الخليجية.
وعليه، فإن هذا الحراك الدولي والإقليمي، يأتي من أجل تشجيع السلطة على السير في تنفيذ الإستحقاقات الدستورية، بعيداً عن الشعارات والخطابات والوعود الكلامية، والتي وصفتها الأوساط نفسها، ب”الهَوبَرة” السياسية المستمرة منذ سنتين، ومن دون أي خطوات عملية تأخذ في الإعتبار أولوية إنقاذ الهيكل اللبناني من السقوط.
المصدر :
ليبانون ديبايت.