5,7 مليار دولار غلة الكبتاغون: كم هي حصة الانتخابات؟
كتب أحمد عياش :
ما كان يجب توجيه السؤال حول صلة مال تجارة الكبتاغون بالانتخابات النيابية المقبلة في لبنان ، لو لم يشر التقرير الصادر عن معهد “نيو لاينز” الى ان هذه التجارة جنت العام الماضي خمسة مليارات و700 مليون دولار أميركي ، كما أشار إلى تورط أفراد من عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد وكبار أركان نظامه و”حزب الله” في تصنيع الكبتاغون وتهريبه.
لا جدال في ان هناك ضرورة الوصول الى تأكيد لهذه المعلومات ، أقله صدور نفيّ موثق عمن إتهمهم التقرير بالضلوع في هذه التجارة. لكن ذلك لا يعني إطلاقا الوقوف مكتوفي الايدي في لبنان، كما يفعل بعض القضاء في قضايا كبرى وأهمها اليوم إنفجار مرفأ بيروت.
في خلاصة نشرتها امس “الشرق الأوسط” للتقرير الصادر هذا الشهر عن “معهد نيولاينز” للأبحاث، والذي أعده الباحثان كارولين روز وألكسندر سودرهولم، أن تجارة الكبتاغون باتت تشكل “اقتصاداً غير مشروع متسارع النمو في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط”.
واستناداً إلى احتساب قيمة مضبوطات كبيرة وحدها، “تُقدر القيمة المحتملة لتجارة التجزئة عام 2021 بأكثر من 5.7 مليار دولار». ويشكل الرقم قفزة كبيرة مقارنة بقرابة 3.5 مليار دولار عام 2020، علماً بأنه يعكس فقط قيمة سعر التجزئة للحبوب التي جرت مصادرتها العام الماضي، التي حددها التقرير بأكثر من 420 مليون حبة.
وكشف التقرير عن ان بعض منشآت صناعة الكبتاغون الصغيرة تقع في لبنان، الذي يعد أساساً ثالث مورد لنبتة الحشيشة بعد المغرب وأفغانستان. وأورد التقرير أن “لبنان يعد بمثابة امتداد لتجارة الكبتاغون السورية ونقطة عبور رئيسية لتدفقات الكبتاغون”.ويوضح التقرير أنه “بناء على تاريخه في السيطرة على إنتاج وتهريب الحشيشة من البقاع الجنوبي، يبدو أن (حزب الله) لعب دوراً داعماً مهماً في تجارة الكبتاغون.”ولطالما نفى “حزب الله” أي علاقة له بتصنيع وتجارة وتهريب المخدرات على أنواعها، انطلاقاً من أن ذلك “محرم دينياً.”
إذا وضعنا المستوى الديني لهذه القضية، وذهبنا الى المستوى السياسي، هناك معطيات أخرى ومصدرها موسكو، وهي تتلاقى مع التقرير الأميركي الجديد. ففي شباط الماضي وردت معلومات من العاصمة الروسية الى بيروت، كشفت ان وزارة الخارجية الروسية إستدعت الوزير السوري فيصل المقداد ليحمل رسالة الى الأسد تتعلق بمسألتيّن هما: مادة الكبتاغون المزدهرة تصنيعا وتجارة في سوريا، وموقف الأسد من انعقاد الجولة الجديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف.
بالنسبة للمسألة الأولى المتعلقة بمخدر الكبتاغون، وهي الأهم لدى موسكو، فقد أشارت المعلومات الى ان القيادة الروسية تلقت تقارير “مقلقة” حول تعاطي الجنود الروس هذه المادة بسبب سهولة الوصول اليها من الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام. وبدا ان تعاطي الجنود الروس للكبتاغون بات يهدد نظام الانضباط التي تفرضها القيادة العسكرية الروسية على وحداتها العاملة في سوريا، والتي حضرت الى سوريا عام 2015 ، لكي تنقذ نظام الأسد من السقوط أمام المعارضة السورية التي إنطلقت عام 2011. ولم تفلح الاتصالات التي كانت تجريها القيادة العسكرية الروسية في سوريا بإقناع ماهر الأسد لكي يتخذ الإجراءات اللازمة كي لا يتعرض الجنود الروس لمخاطر تعاطي الكبتاغون، فكان ان صدر القرار في موسكو بإستدعاء الوزير المقداد لكي يلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كي يتسلم شخصيا الطلب الروسي الموجه مباشرة الى رئيس النظام السوري كي يقوم بما يلزم من إجراءات للقيام لوضع حد لممارسات ماهر الأسد.
في موازاة ذلك، ذكرت المعلومات الواردة من موسكو، ان تحذيرا مماثلا أبلغته موسكو لقيادة “حزب الله” على خلفية مشكلة تعاطي الجنود الروس حبوب الكبتاغون، والسبب ان الحزب شريكا لماهر الأسد في إنتاج وترويج هذه المخدرات.
ويذكر ان تقارير إعلامية أفادت أخيرا ان العقوبات الدولية ، لاسيما قانون قيصر الأميركي، قد دفعت بشار الأسد إلى تكليف شقيقه الأصغر اللواء ماهر ، كي يتولى حماية ورش إنتاج الكبتاغون .
أما “حزب الله”، شريك ماهر الأسد، فقد كلف شخصا يدعى حسن دقو الذي إشتهر أخيرا بلقب “ملك الكبتاغون” حسبما وصفته صحيفة “الشرق الأوسط” لإدارة أمبرطورية الكبتاغون الى جانب ماهر الأسد. واسم الشخص الكامل المكلف من الحزب ،هو حسن محمد دقو، سوري الأصل وحاصل على الجنسية اللبنانية بموجب حكم قضائي صدر عام 2019 ، (أي في عهد رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون).
من هذه المعطيات، تقول أوساط بقاعية بارزة ل”النهار” ان الإمكانات المالية التي يوظفها “حزب الله” في الاستحقاق الانتخابي في لبنان عموما ، وفي البقاع خصوصا، تثير تساؤلات حول مصدرها. فالحزب، كما تقول المصادر، ظاهريا وضمنا، هو الأكثر ملاءة . ويكفي هنا رؤية الاف المندوبين في الماكينة الانتخابية للحزب يرتدون زيا موحدا ، لكي يتبيّن حجم الإمكانات التي يتمتع بها هذا الحزب، في وقت يبدو سائر الأطراف لاسيما المناوئة للحزب، تعاني وهنا في تدبير الموارد لخوض السباق الانتخابي.
وتتساءل الأوساط نفسها: الا يجدر بالقضاء ، وسائر الهيئات المكلفة الاشراف على الانتخابات ، التمعن في المعطيات ذات الصلة بالمال الانتخابي، ولو إقتضى الامر الذهاب الى التدقيق الجنائي في ما نشر عن “غلة الكبتاغون” العام الماضي، على غرار التدقيق الجاري لمراجعة حسابات مصرف لبنان؟
المصدر :
النهار.