تابعوا قناتنا على التلغرام
اخبار لبناناقتصاد ومال

تهريب الأموال عبر مستوعبات التصدير !

منذ اعلان الانهيار المالي والاقتصادي في مطلع العام 2020، حصل ما يشبه الاجماع على أن واحدة من نقاط الضعف التي يعاني منها الاقتصاد انه تم التركيز على قطاع الخدمات، وأُهمل الاقتصاد المنتج. وبعد وقف التحويلات من الداخل الى الخارج، كان من البديهي ان يتراجع حجم الرساميل التي يتم تحويلها من الخارج الى الداخل، واقتصر الامر على تحويلات اللبنانيين المغتربين، والمرتبطة في القسم الاكبر منها بدعم عائلاتهم في لبنان.

ومع انحسار دخول العملات الصعبة الى البلد، كان الرهان الوحيد على القطاعين الصناعي والزراعي لزيادة التصدير والمساهمة في جذب الدولارات الى الداخل. وبما ان القطاع الزراعي متواضع في امكانياته التصديرية، جرى التركيز على الصناعة كحصانٍ رابح في هذا التحدّي. وتقرّر دعم المواد الأولية المستخدمة في الصناعة الوطنية، لسببين:

اولا- خفض كلفة الانتاج لكي تتمكّن المصانع من بيع منتجاتها بأسعار منخفضة نسبيا في السوق المحلي، لمساعدة المواطن في الأزمة ودعم قدراته الشرائية التي تعرّضت لنكسة كبيرة بسبب تراجع قيمة العملة الوطنية.
ثانيا- تحسين القدرات التنافسية للقطاع الصناعي اللبناني، بما يؤدّي الى زيادة التصدير، والمساهمة في إدخال العملة الصعبة الى البلد.

هذه الخطة كانت جيدة ومطلوبة، وهي تُعتمد في كل الدول التي تواجه أزمات مالية واقتصادية حادة. لكن المفارقة أن التنفيذ لم يكن في مستوى التخطيط. وما حصل فعلياً أن اسعار السلع المنتجة محلياً لم تنخفض بالقدر المطلوب. وكانت ذريعة بعض الصناعيين ان الصناعة الوطنية هي في طبيعتها صناعة تحويلية، وبالتالي تعتمد في القسم الاكبر من انتاجها على الاستيراد والتحويل ومن ثم البيع. في كل الاحوال، هذه النقطة لم تكن تشكّل لبّ الأزمة، بل أن الأدهى كان يكمن في مسألة ادخال الدولارات الى لبنان.

ما حصل فعلياً، ان بعض الصناعيين، وليس جميعهم بالطبع، اعتبروا الوضع المأساوي فرصة ذهبية لتهريب الاموال بدلاً من المساهمة في جذب الرساميل الى الداخل. وهناك معلومات ان البعض من هؤلاء لم يكتف باستخدام التصدير لتهريب امواله الخاصة من خلال التصدير والاحتفاظ بالاموال في مصارف في الخارج، بل عمد الى المتاجرة بهذه الوضعية الخاصة من خلال إدخال شركاء جدد له، كان يعمد الى تهريب اموالهم ويتقاضى حصته من هذه العملية. وبدلا من ان تكون المستوعبات مصدرا شرعيا لادخال الدولارات، تحولت مع البعض الى وسيلة تهريب اتاحت إخراج ثروات يحتاجها البلد في هذه الظروف الصعبة، وأصبحت بمثابة جريمة موصوفة ومكتملة العناصر.

هذه الفضائح مؤكدة، وهي لا تؤذي الاقتصاد الوطني فحسب، بل تؤذي الصناعيين الشرفاء الذين التزموا اخلاقيات الواجب والقانون، وعمدوا الى ادخال العملات الى البلد وفق الاصول.

وفي هذا السياق، لا شك في ان مصرف لبنان الذي كان يدعم المواد الاولية لتشجيع الصناعة، يتحمّل مسؤولية كبيرة في هذا الخلل. حتى لو قيل ان مهمة مراقبة تنفيذ القوانين هي من صلاحية الأجهزة الحكومية، الا أن القيّمين على البنك المركزي كانوا يعرفون ان هذه الاجهزة غائبة، وكان من واجبهم ضبط الوضع طالما انهم الجهة التي تدفع الاموال لدعم الصناعة، وهذا الدعم كان يتمّ من أموال المودعين الذين جُمّدت أموالهم في المصارف ولدى مصرف لبنان.

من هنا، لا بد من معالجة هذه الثغرة من دون التسبّب بضرب القطاع المنتج القادر على تعويض السوق قسما من النقص في الدولارات. وبالتالي، ينبغي ان تتم صياغة بنود واضحة في قانون الكابيتال كونترول تتعلق بهذا الجانب. ولا شيء يمنع اصدار قانون خاص في هذه القضية الحيوية، يتمّ تطبيقه على الصناعيين لمساعدة الشرفاء منهم وانصافهم، ومعاقبة وضبط من يستغل موقعه الصناعي لتهريب الاموال من البلد، والمساهمة في افقار الناس اكثر، وحرمانهم من امكانية استعادة حقوقهم المالية في القطاع المصرفي.

لم تعد كميات الاموال الموجودة في مصرف لبنان تسمح بالتبذير والتهاون اكثر. وبما اننا نراهن على اقتصاد منتج يرث الاقتصاد الريعي الذي ساهم في الانهيار الذي نعاني منه اليوم، لا بد من ان تتحمّل الحكومة مسؤولياتها، ومعها مصرف لبنان، وأيضا المصارف التي لا تزال تفتح اعتمادات استيراد المواد الاولية، واعتمادات التصدير، في ضبط هذا الوضع الشاذ، الذي سيؤدّي استمراره الى مزيد من النزف في احتياطي العملات، وبالتالي، الى تعقيد الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان واللبنانيون، اكثر مما هي معقدّة.

المصدر :

News Scopes

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى