تابعوا قناتنا على التلغرام
محليات

من هم “مكتومو الهوية” في لبنان؟

“مكتوم القيد” ليست مجرد صفة لشريحة من اللبنانيين، وإنما هي شكل من التمييز تجاه مجموعة من الناس لا تمتلك بطاقة الهوية لأسباب مختلفة.

بعض أسباب الظاهرة تاريخي ناتج من عدم الشمول بإحصاء 1932 للسكان أو مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، وحرمانهم من حق الحصول على الجنسية اللبنانية، والبعض الآخر لأسباب قانونية وتقصير الأهالي عن تسجيل عقود زواجهم أو عدم تسجيل المواليد الجدد خلال مدة السنة التالية لقدومهم إلى الحياة، وبين هذا وذاك ينشط المجتمع المدني لكسر قيود التهميش.

حياة صامتة 

بصمت وسكينة يعيش حسن وعائلته في “حي المنكوبين” في أحد ضواحي طرابلس، الشاب الثلاثيني يشكل نموذجاً لأرباب العائلات مكتومي القيد، فهو أب لثلاثة أطفال يحملون الصفة التي ورثها عن والده.

تشي هذه التجربة بوجود ثلاثة أجيال من “مكتومي القيد”، ممن لا يمتلكون وجوداً أو قيوداً قانونية. ويوضح حسن أن “والده مكتوم القيد ولم يحصل على الجنسية بمرسوم التجنيس في 1994، وهو كان قاصراً دون الثماني سنوات، ولم يستحصل على الجنسية اللبنانية من والده وذلك على خلاف أبناء عمومته الذين أصبحوا لبنانيين ويمارسون المواطنة بصورة شبه كاملة”، فيما هو “لا يمتلك أي وثيقة تثبت هويته إلا ورقة زهرية اللون يبرزها عند المرور على الحواجز الأمنية”.

يحمّل حسن الأهل مسؤولية “حرمان أبنائهم من المستقبل”، فهو “لا وجود قانوني له وكذلك أطفاله”، وقد باءت جميع المحاولات القانونية بالفشل، وأصبح معلقاً بحبال الأمل ويتبع أي مسار يقترح عليه، ويبذل في سبيل ذلك كل ما يؤمنه من دخل بعمله الحرفي.

يأسف حسن لشكل العلاقة مع الدولة اللبنانية، فهي “لا تعرفهم إلا بضبط مخالفة السيارة وفاتورة الكهرباء”، أما “باقي الحقوق فهم محرومون منها بالمطلق”، فلا يمكنه التسجيل في الضمان أو الحصول على الرعاية الصحية، كما أن أبناءه الذين يصر على تعليمهم لن يكون لهم نصيب في الحصول على وظيفة لائقة بالسلك العام.

ويؤكد مختار منطقة وادي النحلة (أحد ضواحي طرابلس) فاضل سيف، أن هناك صعوبة كبيرة لحل مشكلة مكتومي القيد لأبوين مكتومي القيد أيضاً والذين تعود جذورهم إلى المناطق الحدودية الذين حرم أهلها من الجنسية اللبنانية، كما أنهم لا يمتلكون جنسية أخرى.

في المقابل، هناك فئة من مكتومي القيد سببها تقصير الأهل في توثيق عقود زواجهم وتسجيل مواليدهم، ونظراً إلى النتائج الخطرة لهذه المشكلة، بدأ يبذل جهوداً إضافية في منطقته حيث يجول على الأقارب والقاطنين الذين يأتيهم مواليد. يقول سيف، “معاملة التسجيل ليس لها كلفة مالية إلا الطوابع، ولكن إهمال بعض الأهالي هو سبب ضياع مستقبل أطفالهم”.

وأضاف سيف “اكتشفنا أن إحدى العائلات لديها أطفال بلغوا سن الخامسة والثامنة من دون تسجيل، واحتاج تسجيلهم إلى معاملة معقدة عبر رفع دعوى تثبيت نسب وفحوص الحمض النووي”.

تاريخ من التهميش

تعتبر منطقة عكار ووادي خالد من أكثر المناطق اللبنانية التي تعاني مشكلة مكتومي القيد بشقيها “الحرمان من الجنسية” و”عدم توثيق الزيجات ومرور عام على الولادة وعلى الرغم من ذلك عدم تسجيل الأطفال”.

يرجع مختار وادي خالد وأحد الفاعلين في مجال مكافحة الظاهرة عيد مروان الوريدي، المشكلة إلى جذورها التاريخية وعدم شمولهم بإحصاء العام 1932.

وقال الوريدي “في وادي خالد آثار تعود إلى القرن الـ 18 وذلك إثبات إضافي على أننا مواطنون لبنانيون أصيلون”، ولكن عندما جاء الإحصاء في العهد الفرنسي، “خاف بعض أبناء الوادي من تكرار تجربة التجنيد التي حصلت في ظل الحقبة العثمانية وسفربرلك، لذلك تهرب السكان الأميون من التسجيل”، مضيفاً أن “المنطقة كانت تحت حكم الإقطاع، الذي أعطى الأفضلية في التسجيل للموالين له”، ونتج من ذلك أنه بعد مرور نصف قرن ما زال هناك أكثرية من دون جنسية، وبدأ العمل لمرسوم التجنيس الذي تأخر صدوره إلى عام 1994.

وأشار الوريدي إلى أن “هذا المرسوم لم يشمل أيضاً الجميع بسبب عدم وجود نظام ومعيار واضح وواحد للتسجيل، إذ سقطت كثير من الملفات منه، وحتى داخل العائلة الواحدة حرم بعض أبنائها من الجنسية”.

 وبحسب مروان الوريدي فإن “هناك إحدى العائلات المؤلفة من سبعة أبناء تم تجنيس ستة منها، فيما بقي أخ لهم من دون جنسية واستمر كونه مكتوم القيد ولا يمكنه الحصول على الجنسية، لأن المادة الـ (12) من قانون الأحوال الشخصية تقر بأن الولد يكتسب الجنسية عند الولادة من أبيه، وبالتالي بما أن والده كان مكتوم القيد فيبقى الطفل من هذه الفئة”.

ملف الـ 90 

يشير الوريدي إلى أنه “فعلياً هناك 90 عائلة تحتاج إلى تصحيح أوضاعها، وبحسب التقديرات يبلغ عددهم 500 شخص يتنقلون بموجب إفادة مختار”، ويلفت إلى أن “الفرد لا يمكنه الحصول على سجل عدلي أو جواز للسفر، فكيف الحال بالنسبة إلى الوظيفة العامة”.

ويحتاج هؤلاء إلى مرسوم تجنيس خاص صادر عن رئاسة الجمهورية لتسوية أوضاعهم، إلا أن هذا الأمر مستبعد بسبب محاذير ديموغرافية وسياسية، وكذلك الموقف الرافض لمرسوم التجنيس الصادر عام 1994 وما يشوبه من مشكلات وعدم وحدة المعايير والتشكيك في الدوافع خلفه، كما أن الطعن بمرسوم التجنيس الذي تقدمت به الرابطة المارونية لدى القضاء الإداري في لبنان ومجلس شورى الدولة لم يتم البت به حتى اليوم، أي بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن.
ويرد مختار وادي خالد على هذا الطرح من زاوية الحق الإنساني المكتسب لمجموعة صغيرة لا تمس التركيبة الديموغرافية للبلاد، “ففي وقت ترفض تسوية أوضاعهم، يبحث عن المغتربين في البرازيل لمنحهم الهوية”، ويأسف “أنه في القرن الـ 21 ما زال هناك أشخاص مكتومو القيد ومن دون هوية، ومحرومون من الحقوق المدنية، بينما تمنح الأحصنة هوية لإثبات أصولها، فكيف الحال بالبشر؟، وفي وقت يحرم أفراد يريدون العيش في لبنان وينتمون إلى أرضه من الهوية تطبق القوانين عليهم عند القيام بأي مخالفة”.

الوريدي أشار إلى أنه اقترح على مدير الأمن العام عباس إبراهيم العودة لمنح بطاقات قيد الدرس إذا كانت هناك نية لعدم تجنيس هذه الشريحة، وهي بطاقة كانت تصدر عن المديرية العامة ذات السلطة الأمنية الرسمية، وتخول حاملها من بين مكتومي القيد الحق بالحصول على سجل عدلي، والمرور على الحواجز من دون عودة للمختار، وكذلك جواز سفر، كما أن لهذه البطاقة فائدة للشابات اللواتي يتزوجن من لبناني، إذ تؤهلهن لاكتساب الجنسية اللبنانية بفعل الزواج على خلاف مكتومة القيد التي لا تكتسبها.

غير مسجل غير موجود

شريحة أخرى من مكتومي القيد تلك الناتجة من إهمال القيد لأبناء الأب اللبناني، وفي هذا السياق تتحدث المحامية ميسا شندر عن آثار “الخطأ الفادح بحق العائلة والأطفال” والناجم عن قضايا إثبات الزواج والنسب، وتنطلق من “واجب يقع على عاتق الأهل لناحية تسجيل كل طفل يولد، وذلك قبل مرور عام على تاريخ ولادته، ومن ثم تنظيم وثيقة ولادة يذكر فيها اسمه وشهرته وتاريخ ولادته ونسبه لأبويه والمحلة التي ولد فيها وسجله”، وهذا المستند هو الذي يثبت وجود هذا الطفل على قيد الحياة، ويكتسب من خلاله حقوق المواطنة، ووجوده وكيانه إن كان أجنبياً، وتمتعه بالحقوق المدنية والشخصية.

وفي حال عدم توثيق ولادته وإدراجها في سجلات والده لدى دائرة النفوس، يتحول إلى طفل مكتوم القيد ويخسر هذا الطفل حقوقه المدنية إضافة إلى حرمانه من حقه بالنفقة والميراث، ناهيك عن تعرضه للتنمر والابتزاز في حال أصر والده على نفي نسبه إليه، كما يحرم من حقوقه السياسية ولا يمكنه أن يكون مرشحاً أو ناخباً لأنه لا وجود له على لوائح الشطب.

وتتحدث شندر عن “حلول ليست سهلة وبعيدة من متناول جميع الأهل”، إذ يتطلب إثبات النسب تأمين شهادة الولادة من المستشفى وإفادة من مختار المحلة التي ولد فيها الطفل، وشهادة شخصين لإثبات نسب الطفل إلى أبويه، إلا أن الأمر لا يتوقف عند إثبات النسب والحصول على صورة صالحة للتنفيذ لإثباتها في النفوس، وإنما لا بد من التوجه إلى قاضي الأحوال الشخصية لتقديم ملف قيد مولود من خلال وكيل قانوني، وصولاً إلى إلزامية تحويله مع والده إلى مستشفى متخصص لإجراء فحص الحمض النووي الذي يعتبر مرتفع الكلفة، إضافة إلى رسوم مالية مرتفعة نسبياً، قبل عودة الملف لدائرة النفوس وتحويله لاحقاً إلى الأمن العام لإجراء التحريات، ومن ثم إحالة الملف مجدداً إلى قاضي الأحوال الشخصية وإلى النيابة العامة التي لها الحق بالطعن، وتستمر العملية المعقدة حيث يحال إلى هيئة القضايا في وزارة العدل التي قد تعترض على الملف بسبب عوامل ديموغرافية أو للحفاظ على النسيج المجتمعي.

وتجزم شندر أن إنجاز المعاملات قد يستغرق مدة زمنية طويلة تتراوح بين ثلاث و10 سنوات، لأن إثبات قيده على سجلات والده يستتبع اكتساب الجنسية اللبنانية وكافة حقوق المواطنة، وعليه “فنحن أمام معاملة مرهقة مالياً ونفسياً”، بحسب شندر، التي تحذر من خسارة الأطفال والشبان لكثير من الحقوق ريثما يتم إثبات زواج الأبوين وإثبات النسب إليهم.

المصدر :

اندبندنت عربية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى