هل من تسوية انتخابيّة لتبرئة رياض سلامة وشقيقه؟
الدعوى ليست مساقة ضد رياض فقط، إنما لشقيقه حصّة أيضاً لكن الاختلاف في التعاطي وازدواجية المعايير يعود إلى الضغط الممارس من الحاكم والأفرقاء السياسيين تجاه هذا الملف.
أصبح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مشتبهاً به رسمياً في قضية تبييض الأموال مع شقيقه رجا الموقوف منذ 17 آذار/ مارس من العام الحالي في لبنان، وذلك بعدما أفضى التحقيق في ثلاث دول أوروبية وهي فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، إلى تجميد أصول 5 أشخاص لبنانيين مشتبه بهم، تقدّر قيمتها بنحو 130 مليون دولار أميركي.
برغم أنّ وحدة التعاون القضائي الأوروبية أو Eurojust، لم تسمِّ أحداً من المشتبه بهم، الاّ أن مسار التحقيقات الأوروبية يشير الى أن حاكم مصرف لبنان وشقيقه إضافة الى مساعدته الأولى مريان الحويّك وابنه، يترأسون اللائحة. فلجأت بعض الدول الأوروبية إلى مصادرة بعض أملاك المشتبه بهم، في ألمانيا مثلاً صادرت السلطات 3 عقارات. أما في فرنسا، فصودر مجمّعان عقاريان تقدّر قيمتهما بـ16 مليون يورو. في بلجيكا، تمّت مصادرة مبنى بقيمة 7 ملايين يورو.
أمّا الأموال المجمّدة فبلغت قيمتها مجموعة بين فرنسا وألمانيا وبلجيكا نحو 99 مليون يورو، أي أكثر من مليار دولار أميركي.
وكان “درج” قد أعدّ تحقيقات ونشرها، بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظّمة OCCRP، كشف فيها عن ثروة سلامة وشقيقه في الخارج في شبهات متعلّقة باختلاس الأموال وتهريبها إلى الخارج، إضافة إلى استنساب المال العام.
المسار القانوني وحق المودعين
يمكث رجا سلامة، بين ثلاثة جدران وبوّابة حديدية منذ منتصف الشهر الحالي بعدما أصدرت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مذكّرة توقيف بحقّه بتهمة تبييض الأموال، الإثراء غير المشروع، واستغلال المال العام، فهل لقرار تجميد الأموال من تأثير على المسار القضائي في لبنان؟
في تصريح لـ”درج”، أكّدت المحامية زينة جابر وهي أيضاً عضو في رابطة المودعين، أن الدعوى ليست مساقة ضد رياض فقط، إنما لشقيقه حصّة أيضاً لكن الاختلاف في التعاطي وازدواجية المعايير يعود إلى الضغط الممارس من الحاكم والأفرقاء السياسيين تجاه هذا الملف.
وأشارت جابر إلى أن الدعوى المرفوعة ضد الأخوين سلامة في الخارج هي الأساس وسابقة للدعوى القضائية محليّاً، ومع ذلك توضح جابر أن المسارين القانونيين مختلفيْن ولا يمكن ربطهما ببعضهما. فالقانون الأوروبي له أصوله ومبادئه وكذلك اللبناني مع الإشارة الى أن القضاء في الدول الأوروبية ساهم في تحريك القضاء اللبناني.
إذا ثبتت التهمة على الأخويْن سلامة، بإمكان المودعين استرجاع حقوقهم وأموالهم التي صودرت أواخر عام 2019 واحتجزت في المصارف، وفي هذه الحال يصبح المودعون أمام خيارين بحسب جابر: الأول مصادرة الأموال لمصلحة الدول التي رفعت الدعوى مثل سويسرا وبريطانيا وألمانيا، وبالتالي عدم استرجاع المصرف المركزي لهذه الأموال. والثاني يقضي باسترجاع الأموال ويصبح من حقّ المودعين رفع طلب جديد باسترداد أموالهم من المصارف، لكن هذا الموضوع يتطلّب مدّة لا بأس بها.
أمّا دوليّاً، فالمسار القضائي مختلف، وعلى رغم أنّ الحكم صدر على أموال رياض سلامة الشخصيّة وممتلكاته، إلّا أنّ منصبه وموقعه الأساسي في صلب الحياة الاقتصاديّة والسياسيّة يعني أن لقرار تجميد الأصول المالية لحاكم المصرف المركزي اللبناني تداعيات مهمّة يجب استحضارها.
الانعكاس الاقتصادي: هل يتراجع صندوق النقد؟
يتحضّر لبنان للتفاوض مع صندوق النقد الدولي إذ تسعى الحكومة لاقتراض ما لا يقلّ عن 4 مليارات دولار أميركي سعياً للخروج من أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ لبنان انفجرت في أواخر عام 2019، وما زالت مستمرّة حتى اليوم. وفي حديث لـ”درج”، أوضحت الخبيرة الاقتصادية سابين الكيك أن وضع رياض سلامة في دائرة الاتهام ليس له تأثير اقتصادي مباشر على لبنان، لكن موقعه الوظيفي يرتّب انعكاسات سلبية على طبيعة العلاقة بين الدولة اللبنانية عبر مصرف لبنان والدول الأوروبية من جهة، وبينها وبين صندوق النقد الدولي من جهة أخرى.
وشدّدت الكيك على الشروط التي وضعها صندوق النقد لاستكمال التفاوض مع لبنان وهما: التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، والتدقيق المالي في ملف الطاقة. يقابل هذين الشرطين أمر لا بد من التوقّف عنده، فوفقاً للكيك، سلامة يرأس هيئة التحقيق الخاصّة لمكافحة الجرائم المالية، والتي بدورها تعرقل المسار القضائي عبر الامتناع عن رفع السريّة المصرفية والابتعاد عن الشفافية في التحقيقات.
انطلاقاً من هنا، سيضع صندوق النقد الدولي علامات استفهام قبل أي تفاوض جديد مع الحكومة اللبنانية اذ ان سلامة يعتبر المسؤول المالي الأول وصاحب التواصل المباشر- عبر مصرف لبنان- مع صندوق النقد. هذا سيؤكّد غياب الشفافية مع المصرف المركزي في ظل المسار القضائي الحالي وهو معرقل.
لذا، تعتبر الكيك أنه لا بدّ للحكومة اللبنانية أن تعزل رياض سلامة عن منصبه موقّتاً إلى حين وصول التحقيقات الى مرحلته الأخيرة، لأن استمراره في منصبه وهو في موضع الشك والاشتباه ستكون له ارتدادات سلبية على الوضع المالي.
ويذكر أن رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة متهمان بأنهما استغلّا المال العام عبر استفادة الأخير من عمولات طباعة العملة الوطنية وتحويل ما لا يقلّ عن 300 مليون دولار الى حساب شركتهما الخاصّة وهي Forry Associates Ltd، كما ذكر تحقيق “درج” في سياق مشروع “وثائق باندورا” العابر للحدود.
التسوية الانتخابية
من المرجح أن المسار القضائي في ما يتعلّق بقضية سلامة يخضع لمنطق الكيدية السياسية بين القاضية غادة عون المحسوبة على “التيار الوطني الحرّ”، وافرقاء ما كان يعرف بـ14 آذار. لذا، بإمكان السياسة أن تلعب دورها وتقلب الموازين لمصلحة فريق أو آخر قبل موعد الاستحقاق الانتخابي في 15 أيار/ مايو 2022.
وأشار خبير اقتصادي آلى أن حديثاً في الصالونات السياسية يدور عن التخلّص من الملف القضائي المتعلّق بالمصارف قبل الانتخابات النيابية ويقضي بعزل رياض سلامة واستبداله شرط إسقاط الجرائم المالية عنه.
يتمّ تحريك الموضوع سياسياً، فبحسب الخبير نفسه، تنتهي المسرحية قضائياً طالما أن الطرفين يعتبران أن القضيّة مسيّسة، فهناك من يحمي رياض سلامة من جهة، ومن يحرّض غادة عون سياسياً من جهة أخرى. ويوضح أن حصول هذه التسوية وارد ويمكن أن تبقى قائمة داخلياً، لكن في حال ثبتت التهمة في الخارج على سلامة، فماذا سيكون موقف الدولة؟ يبقى القرار الأكثر فعالية في الخارج إذ باستطاعته التأثير على سلامة وثروته بطريقة جديّة أكثر من القضاء اللبناني الذي يستطيع إغلاق أي ملف بالشمع الأحمر في تسوية سياسية بسيطة.
قانونياً أيضاً، تجب الإشارة إلى أن مذكّرة التوقيف التي أصدرتها عون في حقّ سلامة وشقيقه ليس من صلاحياتها إنّما من صلاحية المدّعي العام المالي، وهذا ما أكّده مصدر قانوني لـ”درج”. والمدّعي العام المالي هو القاضي علي إبراهيم المحسوب على حزب الله. وهنا يطرح السؤال: لما لا يتّخذ إبراهيم المبادرة وكيف يسمح بالتعدّي على صلاحياته؟
طبعاً، طرح هذا السؤال لا يعني تبرئة سلامة، فالوثائق موجودة ومثبتة، والقضاء الخارجي يتابع مساره، إنّما التعدي على الصلاحيات مقابل صمت الطرف المعني يعطي نكهة سياسية قد تقلب الموازين في أي لحظة ومع أي تخبّط جديد بين “حزب الله” و”الوطني الحرّ”.
المصدر :
News Scopes