تابعوا قناتنا على التلغرام
محليات

سينما أمبير في طرابلس تعود للحياة من باب المسرح !

كما عاد النبض إلى “سينما الحمرا” في صور و”ستارز” في النبطية، ستعود الحياة قريباً إلى “سينما أمبير” في طرابلس المدينة التي كانت تضمّ في فترة عزّها أكثر من ثلاثين صالة ودار ونادٍ للسينما. فسيشهد المبنى التراثي الذي يضمّ سينما أمبير والذي شكّل جزءاً من ذاكرة الفيحاء، عملية تنظيف وترميم وتأهيل ليستقبل العروض المسرحية وعروض الأفلام وقد بدأ فعلياً باحتضان الأنشطة وورش التدريب المسرحية.

ينفذ المشروع المسرح الوطني اللبناني بقيادة المخرج قاسم إسطنبولي وجمعية تيرو للفنون ويتحدث إسطنبولي لـ “المفكرة” عن عملية ترميم تحافظ على الهوية التاريخية للسينما، وعلى جماليّتها العمرانية، “من يريد أن يتابع سينما حديثة فهناك سينما المول، أما مشروعنا مغاير عن السينما التجارية، وهو مشروع للحفاظ على الإرث الثقافي، هوية المدينة، وعلى معلم ثقافي يشكل جزءاً من ذاكرة الطرابلسيين”، و”المهم ما تقدمه على خشبة المسرح من فنون”.

لذلك سينصبّ الجهد على إقامة ورش تدريبية، وتقديم أعمال مسرحية، وإعادة استخدام ما تيسّر من الآلات التي لا تزال تعمل فيه لعرض أفلام النيغاتيف، أما “عمليات التأهيل على نطاق واسع، فيقع على عاتق الدولة، إذ سيقوم المتطوّعون  بالتأهيل على قدر إمكانياتهم، وإعادة إحياء المسرح المجاني لكلّ الناس، وإتاحة حاضنة لكافة المبادرات الفنية الفردية”.

وقد بدأت العملية من الداخل، لتنتقل لاحقاً إلى الخارج حيث سيتمّ ترميم واجهة المبنى الذي يتوسّط ساحة التل التاريخية، وإعادة تجميل البناء من خلال طلائه وتجديد اللوحة التي ستحمل اسم “المسرح الوطني اللبناني في طرابلس- سينما أمبير”. وسينهي نجاح هذه المحاولة عقدين من الإغلاق والإهمال، إذ تحرّكت بوبينات سينما أمبير لآخر مرة قبل عقدين من الزمن وكان ذلك لعرض فيلم “هاللو أمريكا” بطولة عادل إمام وشيرين. ولا تزال لوحة الأسعار القديمة عند “الكاشير” قرب المدخل شاهدة على آخر التسعيرات حيث كان سعر البطاقة في القاعة 5 آلاف ليرة لبنانية، وعلى الشُرفة 7 آلاف.

تاريخ المدينة الحي

يعود تاريخ تأسيس هذه السينما إلى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي حسب الكاتب هادي زكاك صاحب كتاب “العرض الأخير؛ سيرة سيلَما طرابلس”، الذي يشير إلى تأسيسها على يد أنطون شاهين، بالتعاون مع شركة أمبير في بيروت، ومن بعدها توالى إنشاء صالات السينما في طرابلس من الروكسي، إلى سينما ريكس، والتي تأسست في أواخر الثلاثينيات. ويعتقد زكّاك أنّ العصر الذهبي كان في الخمسينيات والستينيات إلى مطلع السبعينيات، حيث تزايد عدد الصالات بشكل كثيف، ليشمل مناطق جديدة خارج ساحة التل، وظهور قاعات كبرى ومجهزة بأحدث التكنولوجيا حينها، مثل الريفولي، بالاس، أوديون، رومانس، وميتروبول، شهرزاد، وكولورادو، كما ظهرت الصالات في أحياء باب الرمل والتبانة بمعدل 4 صالات، و6 صالات في مدينة الميناء. كما تأسست نوادي سينما عدّة في المدينة عشية الحرب اللبنانية، وكان لها دور ثقافي بارز، ومؤشر لتحرّر المرأة، والوضع السياسي. وقد تجاوز عدد الصالات والقاعات التي تعرض الأفلام ونوادي السينما الثلاثين.

انعكست الحرب اللبنانية على واقع السينما والفن في طرابلس، وانحدرت السينما بشكل لافت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وتراجعت السينما مع ظهور حركة التوحيد، ومن ثم مع الدخول السوري إلى المدينة، انتعشت جزئياً قاعات السينما، ولكن ازدادت التحديات مع انتهاء الحرب مع ظهور الفضائيات والفيديو والتطوّر التكنولوجي وتلقّت السينما “الضربة القاضية مع ظهور تسجيلات الـ DVD المقرصنة ومنصات الأفلام واليوتيوب”.

إحياء ذاكرة لم تنطفئ بعد

نظراً لكلّ هذا التاريخ، لاقى أهالي طرابلس خبر إعادة ترميم سينما أمبير، بترحيب وشوق كبيرين، إذ كانت أحد الشواهد على أيام العزّ والازدهار والحركة السياحية والتجارية النشطة. كما كانت الحاضرة معهم في مناسباتهم الثقافية، ومحطة أساسية أيام الأعياد خصوصاً أنّها تقع في قلب المدينة.

ولكن لماذا تمّ اختيار سينما أمبير دون غيرها لتأهيلها في طرابلس، يجيب المخرج قاسم إسطنبولي لـ “المفكرة” أنّها “واحدة من دور السينما المتبقية في طرابلس إذ لا يزال غيرها ثلاث صالات قائمة، وهي ثاني أقدم سينما في التل، كما يمكن الاستحصال على عقد إيجار خاص بها”. وتختزن سينما أمبير في موقعها، ومكانها جزءاً من تاريخ المدينة وذاكرتها، وهي تخدم فكرة مشروع إنشاء مسرح وطني لبناني في طرابلس.

لا يقتصر المشروع على ترميم المبنى، وإنما يرمي إلى إعادة تفعيل وتشغيل القاعة وإعادة استعمال جهاز العرض القديم لاستعماله لأفلام البوبينات النيغاتيف ويقول إسطنبولي إنّ هناك أيضاً توجّه لتركيب جهاز عرض حديث للأفلام الحديثة.

تأسيس مسرح في طرابلس كامتداد للمسرح الجنوبي

يعتبر مشروع تأهيل مبنى أمبير استكمالاً للمبادرة التي بدأها اسطنبولي في صور والنبطية حيث رمّم سينما الحمرا وستارز وأسّس المسرح الوطني. لذلك يسعى مشروع طرابلس إلى تأسيس “مسرح وطني في طرابلس لأهل طرابلس وكافة الفنانين في العالم، مسرح للجميع وليس مسرح صف أمامي وVIP”، على حد تعبير إسطنبولي وإقامة مهرجانات ثقافية، واستقبال فنانين من كافة أنحاء العالم، وصولاً إلى تحويلها إلى عاصمة للثقافة.

وسيبدأ التدريب لبناء فريق طرابلسي من المتطوعين، بالتعاون مع وزارة الثقافة، والبلدية، والجمعيات الأهلية والفنية والمؤمنين بالمشروع وإحياء إرث وذاكرة المدينة. ويشرح إسطنبولي أنه سيتمّ تنفيذ المشروع على مراحل، بما يتوافق مع الإمكانيات المتاحة وصولاً إلى الافتتاح الرسمي في تموز المقبل. ويضيف: “ستنطلق جمعية تيرو من خبراتها التي راكمتها خلال سنوات، بعد تأهيل سينما في صور وكذلك سينما في النبطية. كما سيُبنى على تجربة تأسيس مهرجان صور المسرحي والسينمائي والموسيقي، حيث احتضن الجنوب شخصيات من 43 جنسية، وذلك من أجل إقامة مهرجان لبنان السينمائي بالتوازي بين صور والنبطية وطرابلس”.

أما المنتج الفني الذي سيقدّم على المسرح، فهو بحسب إسطنبولي: “العروض المسرحية الغنية والرقص المعاصر والحكواتي” كما “وإحياء الأرشيف الفني والسينمائي وفق برمجة سنوية” والسعي لإنشاء فرقة مسرحية طرابلسية.

يقول إسطنبولي بأنه لن يستسلم للواقع الداعي إلى اليأس: “نحن جئنا إلى طرابلس لتحقيق حلم إعادة السينمات المغلقة إلى الحياة، تأمين الصلة بين الشمال والجنوب، وكسر الجدار الوهمي بين المناطق اللبنانية، والحفاظ على الروابط الحميمة، وليس لتنفيذ مشروع تجاري”. ويضيف: “من يمتلك الشغف لمشاهدة السينما يجلس على الأرض لمتابعة العرض، ومن يحب التمثيل يقف على أي مسرح كان للتدريب”، مشيراً إلى أنّه بدأ بالفعل إقامة ورشة تدريب مسرحي في مبنى السينما رغم وضعه الراهن.

وجه طرابلس الحقيقي

يرحب إسطنبولي بكافة أشكال التعاون لتطوير المسرح والفن، لأنّ “الثقافة تبنى بالشراكة والتعاون”، و”لا بد من الاستفادة من التجارب الفنية المختلفة الحاضرة والسابقة”، كذلك الانفتاح على كافة الناس. ويرى إسطنبولي أنّ المدينة تعرّضت لعملية “تشويه الصورة” خلال فترة من الزمن، بالرغم من كونها “مدينة تحب الحياة”. لذلك يعتقد أنّ إقامة مسرح ومركز ثقافي في قلب ساحة التل في طرابلس هو حاجة وضرورة للمدينة وفرصة لإعادة العروض الفنية إلى قلب طرابلس، فهي تاريخياً “مدينة سينما ومسرح، وفيها تأسّس أول معهد للفنون، وتأسّست فيها أقدم دور السينما في لبنان، وظهرت أولى الفرق المسرحية”، “نحن أمام شعب محبّ للحياة، شعب متمرد، ثائر ومحب للفنون”.

من جهته، يتحدث رئيس اللجنة الثقافية في بلدية طرابلس باسم بخاش عن علاقة مميزة بين المدينة والسينما، حيث شكلت “المتنفس للسكّان الذين تعرّفوا فيها على السينما العربية، والهندية، وأفلام هوليوود وأفلام الفنون القتالية والكاراتيه”. وطرابلس هي “المدينة العربية الأكثر كثافة في توزيع السينمايات مقارنة بمساحتها”، لافتاً إلى “أنّ معظم صالات السينما ما زالت قائمة في طرابلس، ولم تهدم على خلاف باقي المدن”. ويتحدّث بخاش عن “مدّ يد الدعم والتشجيع مختلف نشاطات إحياء السينما في طرابلس على مختلف أشكالها”، وتقديم المساعدة اللوجستية في التنظيف.

لذلك يشيد بخاش بمبادرة قاسم إسطنبولي في إحياء التراث الثقافي لمدينة طرابلس،  فهذه القاعة هي “عميدة الصالات ولها رمزية كبيرة”،”فهي أول صالة سينما افتتحت في طرابلس، ولها رمزيتها، كما أنّها تقع في المركز ووسط المدينة”.

المصدر :

المفكرة القانونية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى