انسحاب رؤساء الحكومة السابقين في لبنان لا يلغي تدخلهم في الإنتخابات!
لم يغلق انسحاب نادي رؤساء الحكومات السابقين في لبنان باب تدخلهم في الانتخابات النيابية المقررة 15 مايو (أيار)، المقبل بصورة نهائية، وتحديداً في الدوائر ذات الأغلبية السنية شمال لبنان، لا سيما دائرة الشمال الأولى في عكار، إلى الشمال الثانية، طرابلس المنية – الضنية التي يعتبر الرئيس نجيب ميقاتي في مقدم الفاعلين فيها، وأيضاً بيروت الثانية التي يعتبر الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري أحد نوابها، إضافة إلى دائرة صيدا– جزين (جنوب)، والبقاع الغربي– راشيا (البقاع).
في المقابل، ومما لا لبس فيه، فإن قرار “تيار المستقبل” عدم المشاركة في الانتخابات النيابية، خلق حالة من الفتور، ففي جولة شملت الدوائر التي يمتلك فيها تأثيراً، غابت المظاهر الانتخابية، فوجود “التيار” يشكل ضرورة حتى لخصومه من أجل شد عصب أنصارهم، وغياب الحريري يعني غياب المنافسة الحقيقية.
في طرابلس، غابت آثار الحملات الانتخابية، حيث لا وجود لحملات إلا شعار حملة “سوا للبنان” الذي يحض على عدم انتخاب المنظومة السياسية القائمة، وكذلك الحال في بيروت الثانية، وحدها اللوحات الترويجية للنائب فؤاد مخزومي التي حملت شعار “بيروت بدها قلب”، تشير إلى ملامح منافسة محدودة، إضافة إلى بعض الصور لإحدى المرشحات أسفل جسر الكولا (بيروت).
“المستقبل”: الترشيح يساوي الاستقالة
وأدى الاختلاف على الرؤية من الانتخابات إلى انقسامات داخل “تيار المستقبل” الذي أسسه الرئيس الراحل رفيق الحريري والد الرئيس سعد الحريري، حيث استأثر بتمثيل السنة في لبنان، في وقت أسهم اعتماد قانون نسبي للانتخابات عام 2018 في بروز شيء من التعددية داخل الطائفة.
وعشية هذه الانتخابات، اتخذ سعد الحريري قراراً بالانسحاب المؤقت من المشهد السياسي، وأدى ذلك إلى بروز المعترضين على ترك الساحة للخصوم للتوسع داخل المكون السني، وأعلن عدد من النواب الحاليين انسجاماً مع خطوة الحريري عدم الترشح للانتخابات، لا سيما بهية الحريري، ورولا الطبش، وعاصم عراجي، وطارق المرعبي.
في المقابل، جاء تحرك رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة للحد من الخسائر المتوقعة، وتشكيل نواة لوائح يمكنها أن تواجه تمدد “8 آذار” في المناطق التي يشكل التيار أكثرية فيها. في موازاة ذلك، قدم عدد من نشطاء التيار في طرابلس استقالاتهم، في مقدمهم نائب رئيس “التيار” مصطفى علوش، والمهندسة ربى دالاتي، وهيثم المبيض وآخرون، ويعمل هؤلاء على تشكيل لائحة انتخابية في دائرة الشمال الثانية، نواتها: مصطفى علوش، ربى دالاتي، نائب الضنية سامي أحمد فتفت. وتتحفظ دالاتي عن ذكر باقي أسماء اللائحة، إلا أنها تعد بأسماء كفوءة مستقلة، تشبه طرابلس وأهلها، لم تكتمل هذه اللائحة حتى اللحظة، والاتجاه إلى اعتماد اسم جديد في المنية (شمال)، بدلاً من النائب عثمان علم الدين، إضافة إلى تسمية مرشحين عن المقاعد العلوية، والأرثوذكسية، والمارونية.
من جهته، يؤكد علوش أنه يشكل لائحة واضحة الهوية وتمتلك رؤية سياسية واضحة لمواجهة الدويلة ومشروع “حزب الله”، ويرفض علوش “الخطاب التخويني ضد المستقيلين”، ويطالب الشريحة الصامتة بالتصويت و”الصوت الحر”، مؤكداً أن “لائحتهم لا تستند إلى المال السياسي، وتمويلها ذاتي من أجل خوض المعركة”، وينفي علوش التنسيق مع اللواء أشرف ريفي في الانتخابات.
ويذكر علوش أنه “طرح فلسفة سياسية ورؤيا لتيار المستقبل وهو سيستند إليها في معركته الراهنة كمشروع سياسي في مسائل الشأن العام”، ويضيف، “لم أترشح إلا بسبب الفراغ الذي خلفه انسحاب تيار المستقبل”، قائلاً، “على من يريد تخويننا الانتباه أننا نقوم بمصلحته”.
في موازاة ذلك، هناك جهد حثيث لتشكيل لائحة أخرى نواتها شخصيات تحالفت في الانتخابات الماضية مع “تيار المستقبل” ومقربين من الحريري، يشكل نواتها كريم كبارة نجل النائب المخضرم محمد عبد اللطيف كبارة، ويتوقع أن ينضم إليها النقيب فهد المقدم، ومجموعة شخصيات مقربة من رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي الذي أعلن عزوفه عن الترشح: النائب عن المقعد العلوي في طرابلس علي درويش، وسليمان جان عبيد، ونائب المنية السابق كاظم صالح الخير.
أما على ضفة “الجماعة الإسلامية” في الشمال، فهي تؤكد أنها تقدمت بترشيحات ممثليها في الضنية وهم: محمود السيد، في طرابلس الأمين العام للجماعة عزام الأيوبي، ومحمد هوشر في عكار، ويؤكد المسؤول السياسي في الجماعة إيهاب نافع أن الجماعة تجري مباحثات مع جهات مختلفة لتكوين تحالفات متينة، وعن إمكانية فشل الجماعة في الوجود على القوائم القوية مجدداً، يستبعد نافع تكرار تجربة 2018 في الانتخابات الراهنة.
“8 آذار” تنجز لائحتها
في المقلب الآخر، شارفت قوى “8 آذار” (مجموعة من الأحزاب والشخصيات المتحالفة مع النظام السوري وحزب الله) على إنجاز لائحتها بعد أن نجحت وساطة نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم في تقريب وجهات النظر بين نائب طرابلس فيصل عمر كرامي، ونائب الضنية جهاد مرشد الصمد، بعد الالتزام بشروط الصمد، عدم ضم كمال الخير عن مقعد المنية، وعدم التحالف مع “التيار الوطني الحر”، وأن تكون لائحة من دون رئيس، وتضم القائمة إلى جانب هؤلاء المرشح التاريخي لجمعية “المشاريع الخيرية الإسلامية” طه ناجي، ورجل الأعمال أحمد الأمين، وممثل “تيار المردة” رفلي دياب عن المقعد الأرثوذكسي.
وقد تحمل الانتخابات تغييراً بالنسبة لهذه القائمة لناحية ارتفاع حظوظ جمعية المشاريع (الأحباش)، وقد يكونون أكثر المستفيدين من تراجع الحماسة لدى أنصار “14 آذار” و”تيار المستقبل”، لذلك، فإنهم يحاولون إنجاز قائمة خاصة بهم في بيروت الثانية، في محاولة لحصد ثلاثة مقاعد في هذه الانتخابات.
ومجموعة التساؤلات حول موقع جمعية “المشاريع” واستفادتهم من انسحاب الرئيس سعد الحريري من المشهد وتشكيلهم “نواة كتلة داعمة للنظام السوري”، أجاب المرشح طه ناجي معتبراً أن “المشاريع تنطلق في عملها الديني والسياسي والانتخابي والاجتماعي من قاعدة جماهيرية عريضة متراصة، وتتنامى دائماً على امتداد الوطن، وتشهد لها النجاحات التي تحققها المؤسسات التربوية والصحية والشبابية، وغيرها التي أسستها الجمعية”، لافتاً إلى أن “الأرقام الكبيرة والمؤثرة في الانتخابات الماضية تجعلنا نرى أن هناك فرصة حقيقية للنجاح، وهناك فرصة لزيادة تمثيل الجمعية النيابي، وأرقامنا زادت وحركة الماكينة الانتخابية تضاعفت”.
وفي ما يتعلق بتعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي، قال ناجي، “ذلك له تأثيره على الساحة الانتخابية والسياسية، بالنظر لما يمثله الرئيس الحريري وتيار المستقبل”، مضيفاً، “نحن لا نطرح أنفسنا بديلاً عن أحد بل نحن شريحة وازنة لها تمثيلها النيابي، وتسعى لتعزيزه في هذه الدورة الانتخابية بثقة الناس الذين سيصوتون لمرشحيها”، ويطمح ناجي لأن يحظى بأصوات شرائح جديدة من الناخبين قائلاً، “نحن من القائلين إن هناك زعامات وقيادات لها تمثيلها وقوتها سواء شاركت في الانتخابات أم لم تشارك”.
ويرد ناجي على الاتهام بأن المشاريع ستكون كتلة داعمة للنظام السوري، فهو يضعها في دائرة “تلحين الخصوم السياسيين”، مضيفاً، “هم يعلمون أن مرشحي الجمعية في فترة التمكن السوري في لبنان كانوا يستبعدون من اللوائح الكبرى المدعومة سورياً. بل كان هؤلاء الخصوم هم الذين ينعمون بتلك اللوائح المدعومة، وكنا نستمر بالترشيح منفردين بلا حليف ولا داعم”.
كثافة الترشيحات عقبة أمام “الثوار”
وأقفل باب الترشيحات على 1044 مرشحاً، ويرفع معظم هؤلاء لواء الولاء لانتفاضة “17 أكتوبر (تشرين الأول)”، وحظيت دائرة الشمال الثانية بـ141 مرشحاً على 11 مقعداً نيابياً، لذلك، استشعر الحريصون على وحدة ساحة المعارضة ضرورة التحرك لتوحيد الصفوف، والخروج بقائمة واحدة، وفي هذا المجال، تمت الدعوة للقاء، السبت 19 مارس (آذار)، من أجل التنسيق للحيلولة دون تعدد القوائم والحد من حظوظ القائمة.
ويؤكد المرشح مصباح الساكت أن “جهود توحيد الثورة قائمة، وهناك محاولات للخروج في لائحة موحدة”، معترفاً أن “هناك بعض العراقيل من بينها كثرة المرشحين، إنما هناك جهود لجمع المرشحين الذين يملكون حيثية شعبية، والذين كانوا فاعلين في الحراك، وليس المرشحين الطارئين على الثورة أو محبي الظهور”، ويتحدث الساكت عن آليات لفرز المرشحين، وسيتم اعتماد “آلية علمية” لأنها أقرب إلى الواقع، ويعتقد أن “الإحصاءات هي الآلية المفضلة التي يمكن اللجوء عليها في مقبل الأيام”.