عقود لسرادار وBlom وعودة.. أفظع من الغباء والوقاحة
بعد خسارة المصارف جولة في مواجهة المودعين، من خلال صدور قرار عن إحدى محاكم بريطانيا مؤخراً لصالح أحد المودعين في بنك عودة، وإلزام الأخير سداد الوديعة كاملة وبالعملة التي أودعت بها، استنفرت المصارف خبراتها القانونية وقدراتها الهائلة في تحريف القوانين والأنظمة، فخرجت بعقود مُضحكة بصياغتها ومُبكية في الآن عينه، لتخيطها كافة القوانين والتعاميم ودوسها على هيبة القضاء اللبناني برمته من دون أي رادع.
لتدوين رفض العرض والايداع
وفي ما يلي بعضاً مما ورد في العقود التي تفرضها المصارف على مودعيها اللبنانيين، لاسيما منهم حاملو الجنسية البريطانية، وكل من تسوّل له نفسه اللجوء إلى القضاء لتحصيل حقوقه واسترجاع وديعته (هنا نص عد بنك سرادار كنموذج).
معظم العقود التي تفرض المصارف على المودعين توقيعها تحت التهديد بإغلاق حساباتهم نهائياً، تتشارك بالمضمون نفسه، وإن اختلف بعضها من حيث الشكل، ونورد أنموذجاً من العقود التي يعتمدها بنك سرادار وبنك لبنان والمهجر وبنك عودة، تتضمن جميعها مخالفات بالجملة، حتى أنها بحسب قانونيين لا يمكن اعتبارها عقوداً بالمعنى القانوني. إذ أن مفهوم العقود يقوم على عدم وجود استنسابية، وهو ما لا ينطبق على العقود المرفقة التي تكرّس الإستنسابية.
وقبل الدخول بتفاصيل عقود المصارف تلك ومحاذير التوقيع عليها، لا بد من التذكير بتحذيرات القانونيين ومحامي رابطة المودعين، وهي تدعو المودعين الذين يُبلغون من قبل المصارف بإقفال حساباتهم عبر كاتب العدل، تدوين رفض العرض والإيداع على ورقة التبليغ والتواصل مع الرابطة، مع التشديد على كتابة الجملة التالية، “إننا نرفض عرضَكم أعلاه جملة وتفصيلاً، محتفظين بكافة حقوقنا من أي نوع ولأي جهة كانت، مع كامل التحفظات”.
فضائح العقود
تجرّد العقود التي تعتمدها المصارف مع المودعين من حملة الجنسية البريطانية وربما شرائح أخرى، من كافة حقوقهم الممنوحة لهم بموجب القانون، فلا يحق لهم على سبيل المثال المطالبة بأموالهم المودعة سابقاً. لا بل تلزمهم بعدم اعتبارها أموالاً جديدة (Fresh Funds)، كما تستثني العقود خدمات التحويل الخارجي والسحوبات النقدية بالعملات الأجنبية.
وتفرض العقود على المودع التنازل عن حقه بتحويل أمواله بالعملات الأجنبية إلى الخارج وبسحب أموال نقدية ورقية بالعملات الأجنبية (باستثناء الـFresh Funds والتي تودع في حساب خاص لهذه الغاية) وبسحب الأوراق النقدية بالعملة الوطنية إلّا ضمن قيود معينة، والموافقة من دون تحفظ على العديد من القيود على حركة أمواله، بما فيها الإقرار للمصرف بحقه بعدم الموافقة على تحويل أي مبلغ مالي من رصيده إلى الخارج، مع إعطاء حق التصرف باستنسابية مطلقة وحق الموافقة أو الرفض لأي سبب كان.
وليس هذا وحسب فقد أوردت المصارف في عقودها الجديدة عبارات “مضحكة” يخال لقارئها أن مَن صاغها جاهل بالقوانين والأنظمة العامة، كالجملة التالية التي يُلزم فيها المصرف المودع بالإقرار والتوقيع عليها “نقرّ بأنه ولئن كان يتوجب على مصرفكم إعادة الودائع إلينا وفقاً لأحكام المادة 123 من قانون النقد والتسليف معطوفة على أحكام المادة 307 من قانون التجارة البرية، يبقى أن لا موجب إطلاقاً على مصرفكم بأن يعيد أي جزء من ودائعنا نقداً أي بواسطة العملة الورقية، خاصة متى كانت الوديعة بأي عملة أجنبية. وإذا ما وافق مصرفكم في أي وقت على تسليمنا أي جزء من ودائعنا بالعملة الورقية، فلا تعتبر تلك الموافقة الاستثنائية بمثابة إلتزام دائم من قبل مصرفكم بتأمين الأوراق النقدية لاحقاً، أو تنازل منه عن حقه بإبراء ذمته تجاهنا بواسطة الوسائل الإبرائية الأخرى وفي صميمها الشيك المصرفي المشطوب”.
الوصف القانوني الدقيق لهذا النوع من العقود هو “البطلان”. فهذه العقود ليست عقود إذعان. إذ أن عقود الإذعان هي عقود قانونية لكنها غير منصفة وغير قابلة للتغيّر. أما هذه العقود فهي باطلة بما تتضمن من نصوص مخالفة للقانون والنظام العام، وفق ما تؤكد الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك، في حديثها إلى “المدن”. فهذه العقود تكرّس بكل الأشكال أن يكون هناك فجوة بين حقوق الأفرقاء، في حين يجب أن يكون العقد متبادلاً. وتوضح أنه حسب قانون الموجبات والعقود يُفترض سداد المال للدائن يداً بيد “وهنا لا نتحدث عن مودع بل عن دائن. أما في حال الدائن يمتنع عن استلام أو قبول الموجب من دون سبب مشروع، وفي حال استنفاد كافة الوسائل معه، يمكن حينها اللجوء الى إجراء العرض والايداع الفعلي”.
ازدواجية المصارف
تتصرف المصارف مع مودعيها بازدواجية مقيتة، فهي في حين ترفض قبول الشيك المصرفي للإيداع ولا تعتبره وسيلة إيداع، تفرضه في الوقت عينه على أصحاب الحسابات كوسيلة دفع من قبلها وتورد في العقود المذكورة والتي تفرض على مودعيها التوقيع عليها العبارة التالية “نقرّ ونعترف بصورة نهائية غير قابلة للنقض بأن الشيك المصرفي سواء كان مسحوباً على مصرف لبنان أو على مركز مصرفكم الرئيسي يعتبر وسيلة إبرائية مقبولة منا لاسترجاع ودائعنا من مصرفكم ويعتبر إصدار الشيك المذكور من قبلكم لأمرنا، سواء بناءً لطلبنا أو تلقائياً من قبل مصرفكم، إيفاءً صحيحاً لقيمته وإبراءً لذمتكم من الموجب الذي يقع على مصرفكم حكماً بقوة القانون بردّ الوديعة إلينا سنداً لأحكام المادة 123 نقد وتسليف معطوفة على المادة 307 تجارة، بما فيه إذا ما حصل الإيفاء بواسطة العرض الفعلي والإيداع عبر إيداع الشيك المصرفي لدى الكاتب العدل”.
وقاحة وغباء بالعقود
أما سوء التقدير والغباء في صياغة العقد فيظهر في الفقرة الأخيرة منه، والتي ترى الكيك أنه يبلغ درجة عالية من الوقاحة والغباء، فتنص على الآتي “تبقى شروط العقد قائمة ونافذة وسارية المفعول من دون أن تتأثر بأي عامل أو حدث خارجي، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر أي قانون أو مرسوم أو تعميم أو قرار وبصورة عامة أي نص مخالف قد يصدر عن أي من السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو الرقابية أو النقابية أو سواها من شأنه أن يحدّ من شروط هذا الكتاب أو أن يعطلها”. بمعنى آخر تعتبر المصارف أن العقود المفروضة على مودعيها تتجاوز كافة النصوص القانونية. وهو أمر بالغ السذاجة.
هذا المستند لا يقوض فقط مصالح المودعين لا بل أنه يخالف النظام العام، وهو باطل بطلاناً تاماً ومطلقاً. ويعود لكل ذي مصلحة أن يطالب ببطلانه، على ما تؤكد الكيك.
هذا الموضوع لا يرتبط بالمودعين فقط إنما بالمجتمع بأكمله. وهذا الأمر في حال القبول به والقبول بالاستنسابية صراحة، فذلك لن يمنع رب العمل في أي مهنة كانت أن يتعامل باستنسابية.
المصدر : المـدن.