موجة جديدة من مخاوف تأجيل انتخابات لبنان
كتب الصحافي “وليد شقير” في موقع independent عربية :
عاد شبح تأجيل الانتخابات النيابية اللبنانية من جديد، على الرغم من أن كل الفرقاء السياسيين يتبرؤون منه، فيما تجددت التحذيرات من القوى السياسية المعارضة، لا سيما قوى ثورة 17 (تشرين)، التي تراهن على تغيير تركيبة البرلمان، من أي نية لتأخيرها بهذه الحجة أو تلك.
وكلما عادت نغمة التأجيل إلى الوسط السياسي اللبناني اتجهت أنظار المراقبين إلى حدث ما خارجي خلف أجواء كهذه. فالاعتقاد السائد أن الضبابية التي تغلب على المشهد الانتخابي في البلد تدفع بعض القوى إلى التفكير بالتمديد للبرلمان الحالي، لعل التطورات الدولية أو الإقليمية تأتي لمصلحة أطراف، تتخوف من خسارة قدرتها على التحكم بموازين القوى الراهنة.
لم تتوقف موجات الحديث عن إمكان تأجيل الانتخابات في لبنان عن الإطلالة برأسها في الأشهر القليلة الماضية، فتطفو على السطح حيناً، ثم لا تلبث التطمينات والتأكيدات بنفي وجود مثل هذا التوجه، أن تصرف النظر عن توجه كهذا، لتُستأنف الحركة التحضيرية ليوم الاقتراع في 15 مايو (أيار) المقبل، بما فيها تأمين التمويل لضمان حسن مشاركة المغتربين في اختيار 128 نائباً في بلاد الاغتراب، نظراً إلى ضيق ذات الحال في موازنة وزارة الخارجية.
واستنفر وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بوحبيب، السفراء، كي يبذلوا جهودهم لدى المتمولين اللبنانيين فيها، كي يُسهموا في تكاليف استئجار مراكز الاقتراع في المدن التي لا قنصليات وسفارات فيها. وقد لقيت اتصالات السفارات تجاوباً في بلاد الاغتراب، وزالت هذه الحجة للتأجيل من طريق منْ يمكن أن يعتمدوها سبباً من أجل “تمديد تقني” للبرلمان الحالي، ريثما يتأمن التمويل.
الخوف من تغيير الأحجام والتحذير الدولي
ولطالما لمس المتابعون لهذا الاستحقاق أن السواد الأعظم من القوى السياسية يتمنى تخطي هذا الامتحان، الذي قد يخفض من أحجام القوى التقليدية الحاكمة في خريطة البرلمان المقبل، لكن لا أحد من هذه القوى يجرؤ على التقدم باقتراح التأجيل والتمديد للبرلمان الحالي.
والأسباب كثيرة، أولها أن من لا يزال متردداً في رذل الطبقة السياسية سيتأكد له أن رموزها لا يريدون للشعب أن يقول كلمته، وثانيها أن المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المنبثقة من ثورة 17 تشرين التي تأمل إتيان كتلة وازنة لمصلحتها في البرلمان، ستستخدم ذلك حجة للعودة إلى التحرك في الشارع ضد السلطة الحاكمة.
أما ثالثها فإن المجتمع الدولي، الذي التقطت سفاراته في بيروت منذ أكثر من سنة نية بعض الفرقاء تأجيل هذا الاستحقاق، دأب ممثلوه على إصدار البيان تلو الآخر للتشديد على إجراء الانتخابات في موعدها، ولم يخنقل إلى سلة المُهملاتف بعض دبلوماسييه (الأوروبيون والأميركيون) أمام بعض المسؤولين تهديدهم بأن عقوبات ستفرض على المسؤولين الذين يأخذون قرار إطاحة الانتخابات.
وهي تحذيرات دفعت الوزير بوحبيب إلى القول لأحد السفراء الأوروبيين: “لا أحد من الفرقاء اللبنانيين يتحدث عن تأجيل الانتخابات إلا أنتم في تحذيراتكم من ذلك”، فكان جواب السفير، “إننا نفعل ذلك حتى لا يفكر أي من الفرقاء بالتأجيل”.
المجتمع الدولي يراهن على قيام البرلمان الجديد، لأن له دوراً مفصلياً لاحقاً، سواء في التعامل مع شروطه التي على أساسها سيقدم المساعدات المالية للبلد من أجل إخراجه من أزمته المالية الاقتصادية، أو لجهة تشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً لموازين قوى غير واضحة المعالم، أو وهذا الأهم، لجهة انتخاب النواب الجدد رئيس الجمهورية المقبل بعد 8 أشهر، بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. فالدول المعنية بلبنان تتطلع إلى تغيير هُوية الرئاسة لإحداث تعديل في ميزان القوى في السلطة السياسية بمجيء رئيس لا يخضع لنفوذ “حزب الله”، كما الحال مع الرئيس عون.
الموجات السابقة من المخاوف من تأجيل الانتخابات كانت تعود تارة إلى حديث المسؤولين عن عجز الخزانة عن تأمين نفقات عمليات الاقتراع اللوجيستية والأمنية، فتولى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة العملية، ثم حين طرح “التيار الوطني الحر”، الذي يرأسه النائب جبران باسيل، العودة إلى تخصيص 6 مقاعد للمغتربين يتوزعون على دول الاغتراب، بعد تعديل جرى في المجلس النيابي، لم تتأمن الأكثرية لذلك، خصوصاً أن هذه الخطوة لا تحظى بتأييد معظم الكتل النيابية، فضلاً عن تعقيداتها السياسية والقانونية.
مطلب الـ “ميغا سنتر” للاقتراع وصعوباته
الموجة الجديدة من الخشية من تأخير الانتخابات تعود إلى عودة “التيار الحر” إلى طرح إقامة مراكز للاقتراع للناخبين على الساحل (MEGA CENTRE)، لإتاحة المجال للناخبين أن يقترعوا في أماكن سكنهم بدلاً من قراهم وأماكن تسجيل أنفسهم، بحجة أن كثيراً منهم لا يريد تحمل عناء الانتقال إلى القرى، أو يتجنب دفع تكاليف النقل، وكي لا يتعرضوا لضغوط القوى السياسية المحلية من أجل اختيار النواب، بالتالي فإن هذه المراكز ترفع نسبة الاقتراع.
وإقامة هذه المراكز، كون قانون الانتخاب نص على أن تضع الحكومة مراسيم تنظيمية لها ولم تفعل، بات موضوع مشاحنات ومناكفات سياسية. الجميع يؤيدها لكن من يعارضونها الآن يعتبرون أن الوقت بات ضيقاً، فضلاً عن أنها تحتاج إلى طباعة بطاقات ممغنطة للناخبين من أجل ضمان عدم التزوير، ولهذا تكلفة مالية.
في ظل تقلص الفاصل الزمني لإقامة هذه المراكز طلب الرئيس عون من مجلس الوزراء البحث في إقامة الـ “ميغا سنتر”، بعد أن أصر عليه النائب باسيل وتياره في بياناته. وضع وزير الداخلية، بسام مولوي، تقريراً عن الصعوبات اللوجيستية (بمعنى استئجار أو تخصيص صالات كبرى)، وقانونية، بمعنى صدور مراسم تنظيمية وإعطاء مهلة للراغبين بالاقتراع فيها بدلاً من قراهم كي يتسجلوا، وشطبهم من سجلات القرى لضمان عدم الاقتراع مرتين، وتأمين اللجان القضائية المعنية بفرز أصوات المقترعين، وجمعها مع تلك التي في صناديق الاقتراع في القرى، انتهاءً بالصعوبات المالية، بمعنى تمول الاستعانة بمزيد من الموظفين لإدارة عمليات الاقتراع في هذه المراكز.
وإزاء هذا التقرير، الذي اعتبرته مصادر قريبة من الرئيس عون “مبالغ فيه”، في وقت يخالف خبراء معنيون ما ذهب إليه في تحديد مجموعة كبيرة من الأسباب، التي تمنع استحداث الميغا سنتر، فإن الوزير مولوي يرى أن الأمر يحتاج إلى 4 أشهر من التحضير، فيما الانتخابات على بعد 68 يوماً.
طرح التأجيل ثم سحبه
مع تكرار الجميع، بمن فيهم الرئيس عون أمام وفد أوروبي زار البلاد، أن الانتخابات ستجري في موعدها، في معرض تأكيد دعمه استحداث الميغا سنتر، ابتدع رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، اقتراح تشكيل لجنة وزارية تبحث اقتراح رئيس الجمهورية، بعدما حصل سجال في مجلس الوزراء بين الوزراء المؤيدين وجهة النظر الرئاسية، ووزراء “الثنائي الشيعي”.
وفي اجتماع اللجنة الوزارية، التي ستقدم تقريراً لمجلس الوزراء عن كيفية تذليل العقبات من أمام إقامة مراكز الاقتراع على الساحل، زل لسان وزير السياحة، وليد نصار، المحسوب على “التيار الحر” وعون، فعلق على الصعوبات التي عرضها وزير الداخلية، التي تحول دون القيام بالخطوة قبل موعد عمليات الاقتراع.
وأشار إلى إمكان تأجيل الانتخابات بضعة أسابيع، فأثار زوبعة من الردود، كأنه أثار وكراً من الدبابير، فور تسريب ما قاله. فقال رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، “هكذا ظهرت بوضوح الأسباب التي حدّت بجماعة (التيار الوطني الحر) للعودة إلى طرح الميغا سنتر من جديد، إذ إن جبران باسيل ووزراءه ونوابه يعرفون قبل غيرهم استحالة العمل بنظام الميغا سنتر ضمن الفترة الفاصلة عن هذا الاستحقاق”، مذكراً بأن حزبه كان أول من طالب بها، وأنه سيواصل الدعوة لاعتماده. وسأل، “هل يريدون بسعيهم لتأجيل الانتخابات النيابية القضاء على آخر لبناني حر في هذا البلد؟”.
وهاجم نواب من حزب “القوات” طروحات عون وباسيل، وانضم إليهم نواب من كتل أخرى، مثل “اللقاء الديمقراطي”، الذي يرأسه النائب تمور جنبلاط، فقال أمين السر في الكتلة النائب هادي أبو الحسن، “ما حذّرنا منه منذ أكثر من شهر بدأ يطفو على السطح، نعرفكم جيداً ولعبتكم مكشوفة، لا تريدون الانتخابات. لم يخفِ أحد الوزراء المحسوبين عليكم هذه الرغبة ففضحكم”.
واضطر الوزير نصار إلى استدراك الموقف تارة بالنفي، وأخرى بالتوضيح، فدعا إلى “وقف الخبث السياسي”، مدافعاً عن وجهة نظره. وقال، “لا يجب تأجيل الانتخابات يوماً واحداً، لأنها استحقاق دستوري، وأتنازل عن (الميغا سنتر) لمصلحة إجرائها في موعدها”.
ونزل باسيل إلى حلبة المنازلة الإعلامية في إطار المنافسة الانتخابية مع جعجع فقال، “مش أول مرة بيخون وبيتراجع. الميغا سنتر، يعرف قيمته الاستراتيجية أهل الجبل والشمال والجنوب والبقاع وبيروت، وهو يعرف أن إنشاءَه يسهل ولا يؤخر”.
الموازنة بعد الانتخابات
بات إجراء الانتخابات في لبنان محطة مفصلية لكثير من القضايا الملحة. فإقرار الموازنة كدليل على نية تطبيق الإصلاحات وعصر النفقات يطالب به صندوق النقد الدولي، تمهيداً لاتفاق معه على برنامج دعم مالي، بات يخضع للتشكيك من قبل عديد من الأوساط السياسية، لأن النواب الحاليين الذين سيترشح معظمهم للانتخابات يخشون الموافقة عليها قبل عمليات الاقتراع، نظراً إلى ما تتضمنه من زيادة رسوم وضرائب في ظل الضائقة الاقتصادية الخانقة، لأنها ستبعد الناخبين عنهم.
وفي هذا السياق، سأل رئيس لجنة الموازنة النيابية، التي بدأت مناقشة بنودها النائب إبراهيم كنعان (التيار الحر)، “كيف يمكن أن نزيد الرسوم في ضوء حدة الانهيار المالي وتراجع المؤشرات المالية والاقتصادية والانكماش الاقتصادي والتضخم، وأين قطوعات الحسابات؟”، لكنه أعلن على الرغم من ذلك أن “هناك إمكانية لإقرار موازنة قبل الانتخابات”، في وقت بدأ النواب المرشحون للانتخابات جولاتهم الانتخابية في مناطقهم، مع ترجيح امتناعهم عن حضور جلسات مناقشة الموازنة. وبات شبه المؤكد ترحيل إقرارها إلى ما بعد الانتخابات.
وحين زار وفد صندوق النقد الدولي بيروت مطلع مارس (آذار)، لحث الحكومة على تسريع وضع برنامجها الإصلاحي وتعديل بعض القوانين، وانتقد التلكؤ في ذلك، سأل نتيجة إدراكه أن السلطة الحاكمة تتقصد تأخير الاتفاق على الإصلاحات، “هل تريدون إنجازه قبل الانتخابات أم تنوون تأجيله لما بعدها؟ وفيما أجابه بعض الوزراء بأن رغبتهم التعجيل فيه قبل الانتخابات، فإن المعطيات في هذا الصدد تشير إلى غياب التوافق بين الفرقاء المؤثرين على البرنامج الإصلاحي بدليل عدم إقدام مجلس الوزراء على تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، كشرط أولي لدعم لبنان من أجل تأهيل هذا القطاع.
تأجيل ترسيم الحدود
ويلاحظ بعض السياسيين أن حتى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، التي يُفترض أن يستعجل لبنان إنجازها من أجل المباشرة في إجراءات تلزيم التنقيب عن الغاز في الحقول الواقعة في مياهه الجنوبية، فإنها باتت خاضعة للمزايدات الانتخابية، نظراً إلى أنها تتطلب “صفقة”، كما وصفها الوسيط الأميركي آيموس هوكستين.
هوكستين قدم عرضاً خطياً بنتيجة زيارته إلى بيروت مطلع فبرار (شباط) يوجب تنازلات من الجانبين، لا يبدو أن المسؤولين اللبنانيين و”حزب الله” على استعداد للإقدام عليها تجنباً لحملات ضدهم من خصومهم قبيل الانتخابات بأنهم تخلوا عن حقوق لبنان البحرية والنفطية بتخليهم عن اعتماد الخط 29 الذي كان طرحه الوفد اللبناني المفاوض سابقاً ورفضه الإسرائيليون، لرسم الحدود، وقبولهم بالخط 23، لذلك تشكلت لجنة من فنيين من وزارات عدة، لدراسة عرض هوكستين تفيد الأوساط الوزارية بأنها ستأخذ وقتاً لإنجازه، بحيث يصعب بت الأمر قبل الانتخابات.