تطبيقات تدريب الدماغ وألعاب الكمبيوتر… أداة فاعلة للحفاظ على صحّة دماغك؟
يقول الدكتور أندرو بادسون، رئيس قسم علم الأعصاب المعرفي والسلوكي في “نظام بوسطن للرعاية الصحّية”: “تريد الشركات التي تنتج هذا النوع من الألعاب إقناع المستهلكين بهذه المنافع”.
نظرياً، قد يكون عدد من هذه التطبيقات مفيداً، إذ تُطرَح مئات المنتجات المماثلة في السوق. لكن تكمن المشكلة في غياب الأدلّة الملموسة على هذه الإيجابيات.
نتائج الأبحاث
لم تستعمل الأبحاث المرتبطة بهذه التطبيقات أفضل الممارسات البحثية عبر مراقبة عوامل أخرى قد تؤثر في النتائج أيضاً. حين يستعمل العلماء أساليب بحثية حذرة، غالباً ما تتبخّر منافع استعمال هذه التطبيقات والألعاب للأسف. مع ذلك، تتوصل دراسات معينة إلى نتائج إيجابية.
نشر باحثون من جامعة “أيوا” دراسة مماثلة في العام 2019 في “مجلات علم الشيخوخة”. طلب العلماء من مجموعة راشدين استعمال برنامج محوسب لتدريب الدماغ طوال عشرة أسابيع وقارنوها بمجموعة مرجعية تشمل أشخاصاً شاركوا في ألعاب الكمبيوتر التقليدية. اكتشف الباحثون أن المشاركين في مجموعة تدريب الدماغ كانوا أسرع من غيرهم في معالجة المعلومات وأن ذاكرتهم العاملة كانت أفضل من ذاكرة من شاركوا في ألعاب الكمبيوتر التقليدية.
لكن لا تُحقق اختبارات البرامج الإلكترونية النتيجة المنشودة بشكل عام. شملت دراسة “الطب النفسي الدولي للشيخوخة” في العام 2020 أشخاصاً في عمر الثمانين وما فوق، وكان تصميمها مشابهاً لدراسة جامعة “أيوا”، لكنها لم ترصد أي تحسّن في مهارات التفكير أو الذاكرة لدى من خضعوا للتدريبات المعرفية المحوسبة أو المجموعة المرجعية.
كذلك، سبق وبدأت لجنة التجارة الفدرالية تفرض العقوبات على بعض منتجي التطبيقات وألعاب الكمبيوتر لأن مزاعمهم لا أساس لها من الصحة. في العام 2016، فرضت هذه الوكالة التنظيمية غرامة على عدد من الشركات وأمرتها بتحسين بياناتها التسويقية المُضلّلة.
بالإضافة إلى ندرة الأبحاث التي تؤكد أهمية البرامج الإلكترونية التي تُحسّن أداء الدماغ، تربط أدلة إضافية بين أنواع معينة من النشاطات المعروضة على الشاشات وتدهور الأداء الدماغي. ربطت دراسات معينة مثلاً بين استعمال مواقع التواصل الاجتماعي المتكرر وزيادة مشاكل الذاكرة في مرحلة متقدمة من الحياة. وبحسب دراسة نشرتها “مجلة علم النفس العام” في سنة 2021، فقد ترتبط هذه النتيجة بتأثير تصفّح هذه المواقع على المزاج.
يوضح بادسون: “ما يثير الاهتمام هو ارتباط بعض آثار مواقع التواصل الاجتماعي بزيادة العواطف السلبية، ما يعني منع الناس من الحفاظ على نظرة إيجابية”.
خطوات لحماية الدماغ بناءً على المعلومات المتاحة، يبدو أن برامج تدريب الدماغ المحوسبة قد تساعد الناس على تحسين أدائهم في المهام التي ينفذونها عبر استعمال كل برنامج منها، لكن لا تساعدهم تلك البرامج على تحسين أدائهم في مهام أخرى أو رفع مستوى أدائهم المعرفي بشكل عام.
إذا كنت تستعمل تطبيقاً أو برنامجاً محوسباً لتدريب الدماغ وتستمتع بهذه التجربة، فيمكنك أن تواظب عليها، لكن باعتدال، لأن النشاطات الممتعة قد تفيد الناس عموماً.
يمكنك أن تعتبر هذه التجربة هواية أو وسيلة للاستمتاع بوقتك بدل أن تتعامل معها وكأنها عملية مهمة لدماغك. لكن لا تغفل عن الخطوات التي أثبتت قدرتها على حماية صحة الدماغ، لا سيما النشاطات الجسدية وتخصيص الوقت لممارسة الرياضة. في الوقت نفسه، يجب أن تعطي الأولوية لست خطوات أخرى على الأقل:
اختر حمية صحية: قد تنعكس الحمية المتوسطية إيجاباً على صحة دماغك نظراً إلى غناها بالفاكهة والخضار، والدهون الصحية، واللحوم غير الدهنية، وتراجع كمية المنتجات المصنّعة والسكرية فيها.
تخلّص من العادات السيئة: تتأثر قدراتك المعرفية سلباً بتعاطي المخدرات غير القانونية، والإفراط في شرب الكحول، والنوم لمدة غير كافية ليلاً.
خصّص الوقت اللازم للتواصل مع الناس: يحمل أصحاب الأدمغة السليمة في مرحلة الشيخوخة قاسماً مشتركاً: هم يقيمون علاقات اجتماعية قوية. وفق دراسة نشرتها “مجلة الجمعية العصبية النفسية الدولية” في العام 2011، تبيّن أن أكثر الأشخاص مشاركة في النشاطات الاجتماعية، من بين ألف شخص متقدم في السن خضعوا للمراقبة على مر خمس سنوات، كانوا أقل عرضة للتراجع المعرفي بنسبة 70% مقارنةً بالأشخاص غير الاجتماعيين. لكن لا تكون جميع التجارب الاجتماعية مفيدة، فقد تبيّن أن العلاقات السلبية أو العصبية تسيء إلى القدرات المعرفية أيضاً.
استفد من الموسيقى: قد يستفيد دماغك من سماع الموسيقى أو العزف على آلة موسيقية. حين تصغي إلى الموسيقى، تشارك مناطق متعددة من دماغك في هذه العملية وتنشط الأجزاء المرتبطة باللغة والإيقاع والذاكرة. كذلك قد تغيّر الموسيقى مزاجك، ما يسمح لك بتجاوز عصبيتك أو تهدئتك واسترجاع استرخائك بعد أي يوم عصيب. راقبت “الرابطة الأميركية للمتقاعدين” أكثر من 3 آلاف شخص راشد في عمر الثامنة عشرة وما فوق، واكتشفت أن الموسيقى ترتبط بتراجع مستويات القلق والاكتئاب، وتُحسّن صحة الدماغ، ونوعية الحياة، ومستوى السعادة والراحة النفسية، والقدرة على تعلّم نشاطات جديدة. قد تحصد منافع دماغية كبرى إذاً عبر الجمع بين الموسيقى والرقص والتفاعلات الاجتماعية.
مارس الاسترخاء الذهني: يمكنك أن تحصد منافع معرفية كثيرة عبر تخصيص وقت ثابت من يومك للتركيز على الحاضر واسترجاع طاقتك لأن هذا النشاط يخفف الإجهاد الذي يؤذي الدماغ. حتى أنك قد تعتاد بهذه الطريقة على التنبه إلى ما تفعله، فتستفيد على مستويات عدة، لا سيما تذكّر الأسماء أو موقع ركن السيارة أو مكان مفاتيحك. قد تُحدِث فرقاً كبيراً من خلال تخصيص بضع دقائق يومياً للتدرب على الاسترخاء الذهني. يمكنك أن تتعلم هذه الممارسة عبر تلقي حصص على الإنترنت، أو استعمل تطبيقاً على الهاتف الذكي أو برنامجاً محوسباً.
حافظ على تفاؤلك: يمكنك تحسين صحة دماغك عبر تخصيص الوقت الكافي لإضفاء طابع إيجابي على حياتك. وفق دراسة نشرتها “مجلات علم الشيخوخة” في العام 2012، يبدو أن المتفائلين يحملون دماغاً سليماً أكثر من المتشائمين. كذلك، أثبتت بيانات “دراسة بالتيمور الطولية حول الشيخوخة” أن كل من يحمل نظرة إيجابية إلى الشيخوخة يكون أقل عرضة لتراجع ذاكرته بنسبة 30%، مقارنةً بمن يحمل رأياً سلبياً عن هذه المرحلة من الحياة.
يَعِد عدد متزايد من تطبيقات الهواتف الذكية وألعاب الكمبيوتر بتحسين الذاكرة، أو تقديم خطة شخصية لتدريب الدماغ، أو الحفاظ على أداء دماغي سليم. تُباع هذه التقنيات كأداة لحماية العقل والذاكرة أو تحسين أدائهما. لكن هل تسهم هذه المنتجات الإلكترونية في تحسين صحّة الدماغ فعلاً؟