لبنان: البابا يوحنا بولس و«البابا» ميشال عون
كتب جوزيف الهاشم في الجمهورية
أعرفُ أنَّ خطّـةَ الحكومة المالية والإقتصادية في هذه الأيام، هي عروسُ الشِعر الطاغية بإلهامِها على أهل السياسة والإعلام والأقلام…
وأعترفُ أننَّـي لست مؤهَّلاً للإِشتراك بالرقص في هذا العرس، لأنّ بيني وبين لغـة الأرقام وعلْـمِ الحساب عدواةً قديمة تـرجع إلى ما كنت عليه أيام الدراسة.
ولكنني أعرف أنّ تدمير لبنان لم يكن سببُـه عدم وجود خطّـة، بل عدم وجود أخلاق…
وأعرف أنّ «اليوم التاريخي للبنان»، ليس في خطّـة الحكومة، بل عندما يعود لبنان المخطوف إلى جذوره التاريخية.
لبنانُ وأيُّ لبنان…؟
هو لبنان الرسالة الذي أطلقه البابا يوحنا بولس الثاني…
ولبنان، مقـرُّ الحضارات وأكاديمية الإنسان الذي أعلنه البابا ميشال عون (بَـيْ الكل) في الأمم المتحدة…
هو لبنان الإنسان والكيان، لبنان التاريخي والديموقراطي، والمركز العالمي، والدور الريادي، والمستوى القيادي، والمنبر الطليعي، والرائد في مدنيته، والمتفوّق في ثقافته، والأنُموذج في حضارته، والمتميّـز في خصائصه، منارةُ الشرق وأبجدّية الغرب.
لبنان الأمّـةُ التي نولـدُ فيها، فينطبعُ تراثهُـا فينا ونتناقلُه مع دمِ الآباء والأجداد.
لبنان الذي ينتصبُ مثالاً أعلى، بيننـا وبين العالم والتاريخ.
كـلُّ ما عدا ذلك، من انهيار مالي واقتصادي وإفـلاس، يصبح من التفاصيل، لأنّ لبنان الآن، لو أنّـه لبنان الذي كان، لانتَفـضَ مارداً يستحيل الرُكامُ على يديه مداميكَ من الذهب.
نعم… أنا أتخطّى الخطّـة الحكومية وانحراف الخُـطى، وكلّ التفاهات السياسية، وأكتبُ عن وطـنٍ يكاد يصبح نازحاً ومستوطناً في أوطان الآخرين…
وإنّ ما يدعو إلى القلق، أنَّ معظم اللبنانيين هم من جيل الحرب، هذا الجيل الذي لا يعرف إلاّ لبنان المشوَّه والذي استمر فيه التشويه مع أمراء الحرب، وأنّ الجيل الذي عاش لبنان قبل حرب 1975 بات القليل المتبقّي منه على مشارف الغروب، وهو الذي كان يـؤمّن بعضاً من التواصل التاريخي للأجيال المستقبلية.
وهذا الدور الذي يُفترض أنْ يقوم بـه المفكّرون والمثقَّـفون، قد تقلّص مع بعضهم متلاشياً في غياهب الكهوف السياسية والحزبية، وانحسر مع بعضهم الآخر إلى ما يعرف بكهوف الثقافة الدينية.
والفصل الجذري بين تاريخ الماضي وتاريخ الحاضر تطلّعاً إلى المستقبل، يجعل الجيل الصاعد منقطعاً عن حضارة وطنـه، غارقاً في متاهات الفوضوية العالمية، وإغراءات التكنولوجيا الخبيثـة.
وعندما لا يكون الوطن قيمـةً حضارية وإنسانية، في نظـر أبنائه ينفرون منه إلى التفتيش عن هذه القيمة في وطـن آخر.
ويتحقق قول الشاعر إيليا أبو ماضي:
نغشى بـلاَد اللهِ في طلبِ العُلى وبلادُنا متروكـةٌ للناسِ
ونكادُ نفترشُ الثَـرى وبأرضِنا للأجنبيِّ مـوائدٌ وكراسي.
لبنان، هذا الوطن المقدس، وأرزُ الـربّ أرزهُ كما جاء في العهد القديم…
ولبنان الذي تطيَّـبتْ فيه تخـومُ صور وصيدا بخطى المسيح، وكان لـهُ في قانا عشاء…
ولبنان الذي وصفَـهُ النبيّ بأنه جبل من جبال الجنَّـة إلى جانب جبلّيْ طـور وأُحُـد…
هذا اللبنان يحتاج إلى خطة ويـوم تاريخي…
ومن حقِّـه أن يُقـيم في محكمة التاريخ دعوى تحصيل شرف ضـدّ الذين لقّحـوا تاريخه بحبوب منـع الحمْـل.