خلاص لبنان في يد السيد نصر الله
كتب الدكتور توفيق الهندي في اللواء
لا حلول اقتصادية – مالية – نقدية تقنية لحالة الخراب التي يعيشها لبنان، لا مع برنامج إصلاحي ولا بدونه، لا مع مساعدة صندوق النقد الدولي المشروطة ولا غيرها من مساعدات خارجية ولا بدونها. فعبثاً يحاول البعض عن حسن نية أو سوء نية شفاء المريض من مرض عضال بوصفات الأسبرين (يمكنك إلقاء نظرة على مقال لي في جريدة اللواء بتاريخ 18 نيسان 2019) وبعنوان «تربيع الدائرة في السياسة اللبنانية».
فالمشكلة وطنية بامتياز: وجود لبنان الكيان والدولة مهدد ولبنان معلق بين الحياة والموت، ولن تكتب له الحياة إن لم تتغير المعطيات في المستقبل القريب.
ولكن ما معنى لبنان الكيان والدولة؟
معنى «لبنان الكيان»: لبنان – الرسالة، لبنان – العيش معاً، لبنان – الحضارة، لبنان – الإبداع، لبنان – الاقتصاد الحر، لبنان المميز في محيطه العربي وليس عنه، لبنان المنفتح على العالم، لبنان المزدهر، لبنان السيد الحر المستقل الديمقراطي…
معنى «لبنان الدولة»: الدستور، القوانين، الأنظمة، المؤسسات الدستورية والسلطة القضائية المستقلة، المؤسسات الحكومية، الإدارة، القوات العسكرية، الأجهزة الأمنية…
تفشى المرض الخبيث في جسم لبنان وبات يعاني من الاشتركات كافة (المشاكل الحادة في كل ميادين الحياة العامة والخاصة) ولا يمكن شفاؤه إلا بالتصدي لمرضه الأساس، وهو مزدوج: وصاية إيرانية يمارسها حزب الله بواقعيته وبراغماتيته المعهودة بالتكافل والتضامن مع المنظومة السياسية الفاسدة المكونة من أتباعه و«حلفائه» وخصومه على حد سواء، مع توابعهم في الدولة العميقة والقطاع المالي.
ولهذه المنظومة جذورها البنيوية في الاجتماع اللبناني (الذي هو مزيج هجين من الإقطاع الآري والقبلية السامية، على حد تعبير آخر متصرف لبنان أوهانيس باشا كيومجيان)، وقد تحولت إلى حالة سرطانية تنخر الجسد اللبناني مع الحروب التي شهدها لبنان منذ 1975 (وهي مزيج من حروب أهلية وحروب على لبنان وحروب الآخرين على أرضه). وقد وصلت إلى أوجها في مرحلة الوصاية السورية ومن بعدها في مرحلة الوصاية الإيرانية المبطنة. المحاصصة والزبائنية السياسية شكلت أدوات فسادها وعلة وجودها واستمراريتها.
القرار اليوم في يد شخص واحد: السيد حسن نصر الله. وهو ينفي ذلك بالطبع.
إني شخصياً، أقدر فيه مبدئيته، عقائديته، التزامه بقضيته. ولكني قطعاً لا أشاطره قناعاته، بل أرى أنها على طرف نقيض من لبنان الكيان والدولة.
المطلوب من السيد نصر الله أن يدرك أن لبنان بحكم الواقع لم يعد صالحاً لأن يكون منصة انطلاق لمشروعه الإسلامي الجهادي وأن الإصرار على وظيفته هذه بات يهدد القضية التي يجاهد من أجلها.
فالمراهنة على الوقت والمتغيرات الدولية والإقليمية لن تنفع لأن تدهور الوضع في لبنان أسرع. ومن بين هذه المتغيرات المفترضة أن يخسر ترامب الإنتخابات في تشرين الثاني. والمؤشرات لا توحي بذلك حتى لو أن إعادة انتخابه لم تعد مؤكدة بسبب تداعيات جائحة كورونا. ولكن حتى بفرضية نجاح جو بايدن، لن يكون التغيير في السياسة الأميركية إزاء المنطقة ولبنان سريعاً ولا دراماتيكياً. وفي هذه الفسحة من الزمن، يكون لبنان قد ولّى.
المطلوب من السيد نصر الله أن يتخذ القرار الصعب لتخليص بيئته الحاضنة كما اللبنانيين كافة من الهلاك المحتم قبل فوات الأوان، وذلك بتسليم سلاحه للجيش اللبناني أو لإخراجه من لبنان إذا تمكن، وأن يتحول في لبنان إلى العمل السياسي الصرف.
ليس استسلاماً أن يسلم حزب الله سلاحه للجيش اللبناني. فليس هو عدواً، بل هو أحد أركان مثلثه الذهبي: الجيش، الشعب والمقاومة. الجيش أثبت جدارته في الميادين وهو قادر على استخدام الصواريخ الرادعة كقوة دفاعية بوجه أي إعتداء إسرائيلي، علماً أن لبنان محصن أيضاً بالقرارات الدولية، ولا سيما القرارين 1559 و1701.
إن هذا القرار الوحيد المتاح لخلاص لبنان من المسارات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية المؤلمة، وهو يقيه من تداعيات الوضع البركاني في المنطقة على المستوى العسكري والأمني، كما يضعه على طريق التعافي الاقتصادي – المالي – النقدي والاجتماعي السريع.
وعندها تعود الثقة بين الشعب والدولة وبين الدولة والمجتمع الدولي والدول العربية والانتشار اللبناني. فيتعافى لبنان الكيان والدولة بسرعة بيانية في كل الميادين.