لماذا استنفر الألمان فجأةً ضد الحزب؟
كتب طوني عيسى في الجمهورية
على الطريقة اللبنانية، حاول وزير الخارجية ناصيف حتي تدوير الزوايا، فنقل عن السفير الألماني أنّ برلين حظَّرت «حزب الله» على أرضها، لكنها «لم تُصنِّفه إرهابياً». وهذا الكلام يُعتبر مفاجئاً. فهل سيضطر الوزير إلى التراجع، أم السفير، أم الداخلية الألمانية التي جزمت عبر الناطق باسمها، ستيف ألتر، عند إعلان القرار، انّ «الحزب» هو «منظمة إرهابية»؟
في مناسبة المواجهة بين ألمانيا و»حزب الله»، يسأل بعض المطَّلعين: هل سريعاً تنغَّصت الفرحة بالعرض الألماني لحلّ مشكلة الكهرباء في لبنان؟ وهل كان هذا العرض «أجمل من أن يكون حقيقياً»trop beau pour être vrai كما يقال بالفرنسية، بعدما اكتشف اللبنانيون فجأة، أنّ كهرباء الـ24 على 24 كانت ممكنة منذ سنوات، بل سهلة، لولا الفساد الهائل والصراع على المليارات؟
بكل بساطة، تبيَّن أنّ «سيمنز» الألمانية و»جنرال إلكتريك» الأميركية تتنافسان لبناء معامل توليد ضمن مهلة السنتين تقريباً، وبأكلاف صادمة بالمعنى الإيجابي. وفيما تردَّد أنّ الألمان مستعدون للتنفيذ بأسرع وقت، بَدا الأميركيون أكثر التزاماً بأن يتم ذلك ضمن شروط وضوابط إصلاحية، ومن أموال «سيدر».
وفي أيّ من الحالين، وفيما تتكشّف سريعاً خيوط الفيول المغشوش، يستدعي ملف الكهرباء فتح تحقيق عميق وجدّي لمعرفة الأسباب التي حالت دون اعتماد الخيارات البسيطة المطروحة اليوم قبل سنوات وسنوات، ما أدى إلى إهدار 30 مليار دولار أو أكثر في هذا القطاع، أي ربما نحو 50 % من الفجوة المالية التي سقط فيها لبنان! ويقال إنّ الفريق السياسي الذي يقود حكومة الرئيس حسّان دياب يميل إلى العرض الألماني لا الأميركي. فالعلاقات بين ألمانيا و»حزب الله» جيّدة، وسبق أن تولّى الألمان إدارة الوساطات بين «الحزب» وإسرائيل عند تبادل الأسرى والجثامين. وبقيت ألمانيا تتعاطى إيجاباً مع الجناح السياسي لـ»الحزب»، فيما كانت بريطانيا ودول كبرى أخرى تحظر الجناحين السياسي والعسكري معاً.
إذاً، قبل أيام، دخل عاملٌ مفاجئ على الخط أدّى إلى اعتماد برلين قراراً يحظر «حزب الله» ويصنفه «إرهابياً». وعلى الأثر، داهمت الشرطة جمعيات تُشرف على مساجد في 4 مدن، بينها برلين. وقدَّر مسؤولون أمنيون ألمان عدد أعضاء «الحزب» في المانيا بما يقارب الـ1050.
المطلعون يقولون: الاعتبارات الداخلية هي التي تقف وراء القرار الألماني الجديد. فالمعارضة نجحت في إجبار حكومة إنجيلا ميركل على هذه الخطوة بعد إقرارها في البرلمان، في كانون الأول الفائت. ولكن أيضاً، هناك دور اضطلع به الأميركيون. فقد تلقّت برلين تشجيعاً متزايداً من الخارجية الأميركية لكي تحذو حذو بريطانيا في حظر «الحزب» بشقّيه.
واللافت أنّ الألمان انتقلوا من مرحلة التردّد في حظر «حزب الله» إلى مرحلة تسويق هذه السياسة المتشدِّدة في دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما الحليف الأقرب فرنسا. ولكن، حتى الآن، يحرص الفرنسيون على التزام السقف الذي وضعه الاتحاد الأوروبي في العام 2013، والذي يحظر الجناح العسكري لـ»الحزب» فقط.
ويتردّد أن تقارير تلقّاها الألمان من جهات دولية تتحدث عن أنّ «الحزب» يمارس أنشطة تجارية مشروعة وغير مشروعة، بهدف جمع الأموال وإرسالها إلى لبنان، وأنه يتّخذ من المراكز الثقافية والمساجد مقرّات لحركته.
ولذلك، ينسجم توقيت القرار الألماني مع الضغوط الأميركية الرامية إلى تجفيف منابع التمويل التي يتغذّى بها «حزب الله». وهو طبعاً يأتي في سياق المواجهة الكبرى الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، والتي يُتوقع أن تتصاعد في الأشهر القليلة المقبلة.
وحملة المداهمات والتضييق التي لجأ إليها الألمان ضد عناصر «الحزب» ومناصريه هناك ستترجم حظراً هو الأول من نوعه للمسيرة السنوية التي ينظّمها «الحزب» تقليدياً في «يوم القدس»، في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، وفيها يرفع شعاراته وأعلامه. وهذه المسيرة أخذت تثير احتجاجات في العديد من الأوساط هناك، ولا سيما تلك الداعمة لإسرائيل.
العقبة الأولى في وجه محاصرة «حزب الله» أوروبياً هي فرنسا الراغبة في الاحتفاظ بعلاقاتها المتوازنة بين واشنطن وطهران، فهي تكتفي بالتزام القرار الذي يعتمده الاتحاد الأوروبي منذ 2013، بعد عام من عملية التفجير في بلغاريا، والذي يكتفي بحظر الجناح العسكري لـ»الحزب».
في المقابل، يراهن خصوم إيران على امتلاكهم معلومات تتعلق بأنشطة «حزب الله» يمكن أن تتكفّل بتغيير نهج باريس وسائر دول الاتحاد الأوروبي. وفي هذه الحال، سيفقد «الحزب» هامش تحرّك حيوياً في ظل الحصار الأميركي.
يعتقد بعض الخبراء أنّ «الحزب»، إذا تعرّض للحظر الكامل والشامل، يمكن أن يتخذ أسماء جديدة لجمعياته ومنظماته في أوروبا، وبها يحظى بشرعية التحرّك والعمل تحت راية القوانين المرعية الإجراء. ومواجهةُ هذا التحدّي ليست سهلة.
لكنّ الأهم هو: كيف سينعكس هذا الحصار الأوروبي على عمليات تمويل «الحزب» التي يحتاج إليها بقوة؟ وفي المقلب الآخر، كيف سيوفِّق الأوروبيون بين مصالحهم في مراعاة الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، ومصالحهم في مراعاة طهران والحفاظ على مواطئ أقدام لهم في لبنان وسائر الشرق الأوسط؟