لماذا هدد حسان دياب بالاستقالة!!
بعد “الكابيتال كونترول” ها هو مشروع التعيينات المالية يرحل في مجلس الوزراء الى موعد غير محدد، بعدما كاد أن يفجّر الحكومة، وبعيد الأمور الى الوراء، نتيجة الخلاف الذي نشب بين مكوناتها، لا سيّما بين التيار الوطني الحر وتيار المردة. فما جرى امس على صعيد اضطرار رئيس الحكومة حسان دياب الى سحب بند التعيينات المالية من جدول اعمال مجلس الوزراء، أظهر اخفاق التحالف السلطوي في إدارة البلاد وسط أسوأ واخطر ظروف مصيرية صحية واقتصادية ومالية عرفها في تاريخه.
واذا صح ان مداخلة الرئيس دياب في جلسة مجلس الوزراء امس قوبلت بتصفيق الوزراء، لانه اطلق مواقف بارزة من قضايا التعيينات وآليتها التي يجب اتباعها وكذلك من ظاهرة التفلت من الإجراءات الحمائية للمواطنين والتزام الحجز المنزلي والتلويح بتشديد الإجراءات اكثر فاكثر وصولا الى إعلانه صراحة ان مصير آلية إعادة المغتربين واللبنانيين الراغبين في العودة من الخارج يتوقف على الدفعة الأولى الاحد المقبل ورصد عدد المصابين فيها، فان ذلك لن يحجب الواقع اللافت الذي طبع الواقع الحكومي اخيرا بطابع تلقيها ضربات اهل البيت وتعريضها لنكسات واهتزازات متعاقبة في اقل من ثلاثة أسابيع.
التعيينات في خبر كان
اذا رحلت التعيينات المالية والمصرفية الى اجل غير محدد بعدما علقت في عنق زجاجة المحاصصة السياسية.
وكادت جلسة الامس ان تفجر الحكومة، بعدما نفذ رئيس “المردة” سليمان فرنجيه تهديده بتغيب وزيريه لميا الدويهي وميشال نجار عن الجلسة، في خطوة اولى على طريق الخروج النهائي من الحكومة فيما لو اقرت التعيينات دون اعطاء المردة مركزين.
فالأوضاع الحالية والاحتمالات المرتفعة لتطوّر أزمة وباء كورونا نحو الأسوأ، وخطر الانفجار الاجتماعي مع الانهيار الاقتصادي والمالي، تجعل هذه الحكومة بنظر حزب الله حاجة للبنانيين، ووجود سلطة وإدارة تنفيذية هو أمر أساسي لمنع انهيار البلد. وهذا المنطق، هو الذي حاجج به حزب الله حلفاءه، خلال اتصالاته معهم في الأيام الماضية لثنيهم عن مواقفهم المتشدّدة في تناتش المناصب، فـ”هذا النوع من المماحكات يبدو مضحكاً أمام الأهوال التي تحصل والمنتظرة”، كما تقول مصادر سياسية مطلعة على النقاشات لـ”الأخبار”. إلّا أن دعوات حزب الله لحلفائه، والتي باءت بالفشل في ثني النائب جبران باسيل عن إسقاط لوائح الأسماء وثني النائب السابق سليمان فرنجية عن غياب وزيريه عن جلسة أمس، أثمرت من خلال نقاش ليلي متأخر مع دياب، إلى قرار سحب بند التعيينات والحفاظ على الحكومة وعدم تكرار سياسات الماضي، وخصوصاً في هذه المواقع.
وعلى ما تقول مصادر “وسطية” لـ”الأخبار”، فإن دياب الذي لم يكن معارضاً للتعيينات قبل أيام، مهّد قبل إعلانه في الحكومة أمس بند سحب التعيينات، بالقول عبر اتصالاته بالمعنيين، إن “الأسماء المقترحة لا تساعد على إجراء تغيير بالسياسات المالية والاقتصادية التي أوصلتنا إلى هذه الظروف، وبالتالي علينا تأجيل بتّ التعيينات حتى يتسنّى اختيار الأسماء ذات الكفاءة”. وتضيف إن “هذه فرصة دياب حتى يطيح منطق المحاصصة، بعدما بات الأمر مداناً من الجميع، لكن هل نختار الموظفين أوّلاً، أم نختار السياسة المالية التي سنعتمدها؟”.
الاّ ان معلومات ترددت، بحسب “النهار” عن تهديد دياب بالاستقالة ووضع كل القوى السياسية المشاركة في الحكومة في الزاوية لتتحًمل المسؤولية وحدها اذا بقيت في ما بينها تتناحر على محاصصة التعيينات المالية في مصرف لبنان وهيئات الاسواق المالية. وتقول هذه المعلومات ان دياب ابلغ صباح امس قيادة “حزب الله” تهديده بالاستقالة فورا من رئاسة الحكومة اذا لم يوقف الحزب حرتقة حلفائه عليه وعلى حكومته بخصوص تناتشهم التعيينات من بري مرورا بباسيل وصولا الى فرنجية. وذكر انه ابلغ الحزب انه مستعد اليوم وقبل غد للاستقالة وليتحمل هؤلاء المسؤولية بالبلد وحدهم اذا كانوا قادرين عليها. وهذا التطور حدا بقيادة الحزب للتدخل بشكل سريع وكان المخرج سحب بند التعيينات، لا سيّما بعدما فشلت وساطة “حزب الله” في التوصل الى تسوية بين حليفيه فرنجيه ورئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل، لم يشأ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ارجاء الجلسة، الا انهما اتفقا في خلوتهما على سحب بند التعيينات.
وعلم ان رئيس الحكومة وقبل ان يصل بعبدا كان مقرراً سلفاً سحب بند التعيينات، وهو لم ينتظر الوصول اليها في البند الاخير في جدول الاعمال، وبادر في كلمته المطبوعة الى طلب سحبها، ناسفاً مفهوم المحاصصة الذي غلفها في صيغتها التي وصلت بها الى مجلس الوزراء.
واعتبرت مصادر سياسية لـ”اللواء” ان سحب موضوع التعيينات عن جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء بالامس سحب فتيل مشكل سياسي كاد أن يؤدي إلى اهتزاز حكومي قد تتبعه تداعيات وانعكاسات سلبية على الحكومة ككل وقالت: انه كان الاجدى برئيس الحكومة تفادي الخوض بموضوع التعيينات على هذا المستوى في ظل الخلافات السياسية حول هذا الموضوع واختصار التفاهم حوله مع رئيس التيار الوطني الحر بشكل رئيسي واستثناء بقية الاطراف الاخرين او ارضاءهم ثانويا لاسيما في غمرة الكباش السياسي القائم والاختلاف على القرارات والمسائل المهمة، لكان تفادى مثل هذه الانتكاسة التي اصابت الحكومة بالصميم بعد انتكاسة موضوع اعادة المغتربين من الخارج وقبلها تعطيل اقرار مشروع الكابيتال كونترول.
ورفضت المصادر ما قاله رئيس الحكومة بانه سحب موضوع التعيينات لانه يرفض مبدأ المحاصصة التي يطالب به البعض وقالت: ان هذا الكلام غير صحيح لانه يتناقض مع ماكان محضرا من اسماء متفق عليها سلفا ولو كانت ضمن مجموعة من الاسماء لكل مركز ولكنها موزعة على الاطراف السياسيين وهذا يؤكد مبدأ المحاصصة الذي تلتزمه الحكومة في قراراتها، في حين يأتي تكريس إعطاء رئيس الجمهورية صلاحية البت بموضوع الكهرباء الذي يشكل موضوعا خلافيا بامتياز وحصر موضوع إستكمال مشروع سد بسري دليلين قاطعين على نهج المحاصصة الذي تعتمده الحكومة.
وشددت المصادر على انه بدلا من أن ينكب رئيس الحكومة بطرح القضايا والمواضيع الخلافية كان عليه أن يعطي الاولوية للمهام التي تشكلت الحكومة على أساسها وهي المباشرة عمليا بالخطوات الفعلية للتخفيف من تداعيات الازمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والايعاز للوزراء المعنيين بالقيام بالاجراءات المطلوبة لمنع الزيادات العشوائية على اسعار السلع الغذائية والضرورية وان لا تغرق الحكومة في اجتماعات اللجان والمستشارين بلا جدوى منذ تاليفها وحتى الساعة.
كورونا الحاضر الأبرز
إضافة الى موضوع التعيينات المالية، حضر ملف “كورونا” بنداً بارزاً على طاولة مجلس الوزراء، لا سيّما لناحية تعديل آلية عودة المغتربين من الخارج، اذ يبدو ان الآلية التي وضعتها الوزارات المعنية لم تقنع بعض الدول، حيث رفضت دول عديدة استقبال الطواقم الطبية اللبنانية ورجال الامن واجراء الاختبارات على العائدين في مطاراتها. فطلب الرئيس “السماح للرّاغبين بالعودة الى لبنان بالصعود الى الطائرات مع ضوابط صحية على أن تحصل الاختبارات في لبنان وتكرّر بعد أسبوع من عودتهم”. لكن الرئيس عون رفض واصر على اجراء الفحص على العائدين في الدول التي يتواجودن فيها ومن تظهر عليه عوارض المرض يبقى هناك على ان تتخذ ترتيبات خاصة لأعادته بطائرة مجهزة بمعدات طبية.
الاّ أنّ مصادر سياسية رفيعة استغربت عبر “نداء الوطن” كل هذه “الضجة المفتعلة التي أثيرت ولا تزال حول عودة اللبنانيين من الخارج بينما رئيس الحكومة نفسه كان حتى الأمس يمنح بين الحين والآخر توقيعه لهبوط عدة رحلات جوية تنقل على متن طائرات خاصة أشخاصاً وعائلات إلى لبنان، ومن بينهم أفراد تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، وآخرها طائرة هبطت صبيحة الأول من أمس في مطار رفيق الحريري الدولي قادمة من “بوركينا فاسو” وعلى متنها مصاب بالكورونا من آل عازار، وقبل ذلك كانت الرحلات الخاصة تتوالى إلى بيروت خارقةً “التعبئة العامة” بتوقيع من دياب لتنقل مصابين بالفيروس، بعضها نقل مثلاً من اسطنبول عائلة من آل صفير كانت سيارة الإسعاف تنتظرها عند مدرج الهبوط، وغيرها أيضاً وصلت من تركيا وعلى متنها مواطنون من آل عون كانوا موزعين ما بين السودان وروسيا وعمدوا إلى التجمّع في اسطنبول ومن هناك أقلتهم طائرة خاصة تابعة لطيران الشرق الأوسط إلى لبنان”، وأردفت المصادر: “الأذونات التي يمنحها رئيس الحكومة لحركة الطائرات الخاصة مستمرة ولم تتوقف، وبالتالي فإنّ قرار تنظيم الرحلات الجوية للراغبين بالعودة من المغتربين لم يخرج عن هذا السياق، مع فارق وحيد أنّ استئناف حركة الملاحة أصبح معلناً ومحدداً بمراحل وآليات بدءاً من 5 نيسان انطلاقاً بشكل أساس من القارة الأفريقية ودول الخليج، في ظل رفض عدد من الدول الأوروبية استقبال الطواقم الطبية والأدوية على متن الطائرات التي ستقل الركاب إلى لبنان”.
تمرير سدّ بسري
وسط كل هذه الأزمات التي تتخبط بها البلاد، وبحسب “نداء الوطن” جاء أمس قرار إعادة إحياء صفقة “سد بسري” وإعلان حكومة دياب تبنيها لمشروع “السد” بمثابة الفضيحة المدوية، لا سيما وأنّ إقرار متابعة السير بتنفيذ هذا المشروع الذي يطلق عليه معارضوه اسم “سدّ باسيل” أتى ليتحدى كل الاعتراضات الوطنية والمحاذير البيئية للمشروع. وقد أظهر هذا القرار على شريط الردود الأولية كونه “مشروع مشكل” جديد سواءً داخل صفوف الفريق الحكومي في ضوء “النقزة” التي تسربت من أجواء “عين التينة” حيال مسألة حصر الصلاحية والمرجعية في إدارة مشروع السد بوزارة الطاقة مع ما يختزنه ذلك من فرض سطوة رئيس “التيار الوطني الحر” على المشروع بتفويض من مجلس الوزراء، أو في صفوف القوى الخارجة عن الصف الحكومي لا سيما في ظل مسارعة “الحزب التقدمي الإشتراكي” إلى إعلان تصديه “بكل الوسائل لهذا المشروع ولمتعهده التدميري ومن خلفه ومعه”، متطلعاً إلى عقد “شراكة مع كل قوى المجتمع المدني والحملة الخاصة بالدفاع عن وادي بسري لوقف هذا المشروع المدمّر”.
وعلى خط المجتمع المدني، استنفرت الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري تحت شعار “تسقط مافيا السدود” منددةً باستغلال الحكومة الأزمة الصحية للاستمرار بصفقة سد بسري التي تكلف الخزينة العامة مبلغ 625 مليون دولار في عزّ زمن الإفلاس، واستغرب القيمون على الحملة كيف أنّ السلطة الحاكمة، وفي وقت تمر البلاد بأسوأ أزمة اقتصادية ونقدية تشهد إفلاساً علنياً للدولة وعجزاً تمويلياً في كل شيء، تبادر بهذا الشكل المنفصم عن الواقع إلى إقرار مبلغ بهذا الحجم وهدره “بشحطة قلم” في زمن الجوع وانتشار المرض، لا لشيء سوى لإرضاء جهات سياسية وأصحاب مصالح ومنتفعين، مؤكدين أنّ النتيجة ستكون حسبما أثبتت الدراسات العلمية مجرد تدمير للأراضي الزراعية وهدر لمئات ملايين الدولارات من أموال الشعب الذي صادروا ودائعه في المصارف، وفي نهاية المطاف سيلقى السد مصير الفشل نفسه الذي لاقاه سد بريصا في الضنية، هذا فضلاً عن تشكيله تهديداً حقيقياً للبيئة وللمناطق المجاورة.
“سد بسري”، حسبما تختصر توصيفه مصادر معارضة لـ”نداء الوطن”، ليس الغاية منه ملء المياه بل “ملء الجيوب”، وتستطرد: “كان الأجدى بالحكومة بدل تأكيد المضي قدماً بصفقة السد التي تفوق قيمتها الـ600 مليون دولار، أن تبادر إلى تخصيص هذا المبلغ وإعادة توجيه أموال القرض المخصص لهذا المشروع باتجاه تمويل احتياجات الناس المعيشية ودعم رواتب الموظفين في القطاع الخاص والمساهمة في الإفراج عن جزء من مدخرات المودعين المنهوبة والمحجوزة في المصارف، ولشراء أجهزة تنفس وتأمين المستلزمات الطبية اللازمة لمواجهة وباء كورونا… أقلّه كي لا ينقطع الأوكسيجين عن الناس”.