ترامب يورط حسان دياب…
ما كان ينقص لاكتمال معالم المسرحية الأميركية سوى تصريح الرئيس دونالد ترمب فأثنى على تعاون الحكومة اللبنانية في الإفراج عن العميل عامر الفاخوري “المُحتجَز” في لبنان منذ أيلول الماضي 2019.
الحكومة بتصريحِ ترمب وجدت نفسها أمام ظلمٍ كبيرٍ، فلا هي تدخلت ولا أبدت رأيًا، وحين طُلِبَ منها ذلك ردت الطلب إلى طارحيه واضعةً جوهر المسألة عند القضاء، فما الداعي لكل هذه الجلبة الآن؟ وإلى ماذا كان يرمي ترمب؟
البعض غمزَ من قناة رئيس الحكومة كمشاركٍ -ربما- في ما يطلق عليه “صفقة”، كلمة صفقة “مبهبطة لا تصلح للاعتماد في المقام لغياب العنصرين الصالحين للتفاوض، ففي مسألتنا الراهنة هناك عنصرٌ يفرض رأيه ولا نية لديه في إبرام الصفقاتِ وآخر منزوع القدرة على المواجهة وليس لديه قدرة اصلًا على إبرام صفقةٍ، وغيره وجد أن الرئيس الأميركي ربما يُحاول إشاعة ما هو غير موجودٍ بهدفِ إحداثِ “جلبةٍ فتنويةٍ” في شركاء حكومات “شبه” اللونِ الواحدِ.
لقد وجدت الحكومة “الوليدة” نفسها بعد موقفِ دونالد ترمب أنها ضمت تلقائيًا إلى مضبطةِ الاتهام الجاري إعدادها تمهيدًا للبدءِ بملاحقةِ المتورطين في قضية “تهريب الفاخوري” من الأراضي اللبنانية وهي في ريعان شبابها، وما زاد من حدة استغرابها أنها نفسها غير متورطةٍ ابدًا لكونها تعاملت منذ اليوم الأول مع الملف على أساس أنه بمثابة شأنٍ قضائيٍّ بحت.
رئيس الحكومة حسان دياب لم يستطِع إخفاء غضبهِ واستيائه من كلام ترمب. سريعًا، أوعزَ إلى وزير خارجيته ناصيف حتّي التعامل مع القضية كما هو معتمدٌ دبلوماسيًا “لأنها خرجت عن حدودها” فلبّى الأخير وطلب فورًا خلف السفيرة الاميركية الجديدة في بيروت دوروثي شيه التي مثلت أمامه في مكتبه بقصر بسترس أمس الجمعة بصفة متهم في المشاركة والتدخل بقضية فاخوري والتغطية عن إخراجه من البلاد بصورة غير قانونيةٍ، وهي سابقةٌ أن تمثل سفيرة “العم سام” الجديدة في مستهل ولايتها في زمن “حكومة حزب الله وحلفاؤه” كما يُقال.
كان دياب قبل ذلك قد استاء من مشهدِ هبوطِ المروحية الاميركية في عوكر بعدما تبين له لاحقًا أنّ وظيفتها إخراج العميل الفاخوري من البلاد. أبلغ استياؤه إلى الوزراء الحاضرين في جلسة يوم أمس وإستنكر الفعلة أمامهم لأنها تظهر الحكومة بمثابة غير المتحكمة بأجوائها، ثم طلب استفسارات حول الأسباب التي تدفع بطائرةٍ أميركيةٍ إلى الهبوط من خارج إذن الحكومة.
بقيَ الأمر محصورًا ضمن هذا القدر، وعلى الارجح، ارتأت الحكومة عدم التعليق على ما جرى في بيان رسمي على إعتبار أنها ستتابع الملف ضمن المسار القانوني – الدبلوماسي وقد أوكلت إلى وزير الخارجية ملاحقته، لكن ما بدا غريبًا واثار التساؤلات، صمت غالبية الوزراء وعدم تعليقهم لا على هبوط المروحية وإخراج الفاخوري عنوةً ولا تصريح دونالد ترمب رغم أن أحدهم طالبَ قبل أيام بتوضيحِ ملابساتِ الإفراج عن الفاخوري.
وما زاد الطين بلة لاحقًا، أنّ الرئيس ترمب بتصريحه الشهير أظهر أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن أخذ القرار بالافراج عن الفاخوري علماً أن مصادر رئيس الحكومة تؤكد أن لا إطلاع له أو لحكومته على حيثيات الملف الذي تُركَ الخوض فيه من صلاحية القضاء.
وهنا كان لا بد للرئيس دياب أن يعلِّقَ ممررًا عبر أوساطه ما يشبه “التطمينات” حول عدم ضلوع الحكومة في ما جرى ومستغربًا إقحامها في المسألة ثم بادرَ لاحقًا إلى التغريد منبهًا الى أنه “لا يمكن أن تنسى جريمة العمالة للعدو الاسرائيلي. حقوق الشهداء والأسرى المحررين لا تسقط في عدالة السماء بـ”مرور الزمن”. كلامٌ وُضِعَ في ميزان الرد على كل السيناريو الذي جرى إتمامه.
فيما سبق، كان دياب قد أبلغ السفيرة الاميركية السابقة جوابه حول ملف الفاخوري بأنه قضية موضوعة أمام القضاء ولا صلاحية له في التدخل بها ولا نية لديه للتدخل اصلًا للفصل في نزاعٍ قانونيٍّ يجري بين عميلٍ وقضاءٍ، كان ذلك خلال زيارتها الشهيرة إليه حين طرحت فكرة المساهمة في إنتشاله من القضاء كما فعلت مع أكثر من مرجعٍ.
فُهِمَ من كلام الرئيس الاميركي أنّه لا يقصد الحكومة بالمعنى الطبيعي بل الدولة اللبنانية وهو صراحة ما ابلغته السفيرة شيه إلى حتّي الذي استمع منها على شرحٍ حول حيثيات وظروف إخراج عامر الفاخوري من السفارة الأميركية في عوكر إلى خارج لبنان.
على الارجح، أبلغَ حتي رفض لبنان لمثل هكذا تصرفاتٍ. مسألة دبلوماسية وفيها من الدبلوماسية ما فيها لا أكثر ولا أقل فما كُتب قد كُتب والفاخوري أضحى بمعية الاميركيين خارج البلاد.
“ليبانون ديبايت”