طالبة طب من الحجر: لو يرى الناس ما نراه لما كان أحد خرج من منزله
«مرّت تسعة أيام على التزامي الحجر، وعندما أنتهي من مدة الـ14 يوماً سأعود للمناوبة، لن أترك ولن أتخلّى عن تقديم المساعدة في هذه الأزمة التي يمرّ بها لبنان». هذا الإصرار تبديه طالبة السنة السابعة في اختصاص الطب في الجامعة اللبنانيّة، في اتّصال مع «الأخبار»، من غرفة الحجر الصحّي في أحد المستشفيات. التزامها الحجر يأتي بسبب معاينتها لمريض خلال مناوبتها في أحد المستشفيات خارج «الحريري الجامعي» وقد شُخِّص لاحقاً بإصابته بفيروس «كورونا». طالبة الطبّ لم تُقسم بعد قسم أبقراط لم تخبر عائلتها أنها في الحجر، «لا أريدهم أن يقلقوا، يعرفون أنني من المتدرّبين في قسم الكورونا في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وأنني أحتكّ بالمصابين، لكنّهم لا يعلمون أنني أتّخذ احتياط الحجر». الحجر حصل بعد تشخيصها لأحد المصابين في مستشفى آخر لا يمتلك الاحتياطات الموجودة في «الحريري الجامعي» ولا اللباس الواقي، وما زالت أمام الطالبة أيام قليلة لتنتهي من الحجر لكنّها تريد العودة. المسألة برمّتها «تعود لشخصيّة الإنسان، من واجبنا حماية أنفسنا كي لا ننقل الفيروس إلى مرضى آخرين أو إلى أهلنا، صحّة المريض تأتي في المرتبة الأولى… حتى لو لم أحلف القسم الطبّي لا يمكنني التخلّي عن مساعدة مريض، أفكّر فيما لو كان والدي مكانه، هل أتركه؟». يناوب المتدرّبون من طلاب الطب لساعات طويلة في مستشفى الحريري، عدا عن مناوبتهم في مستشفيات أخرى، وهم يغطّون غياب الأطباء الذين لديهم معاينات في الخارج أو ممن يلتزمون الحجر بسبب احتكاكهم بمصابين.
تحمّل أيام الحجر الثقيلة ليس سهلاً، «الحالة النفسيّة بشعة بالعزل، نحصل على الأكل من نافذة صغيرة». من غرفة الحجر، تريد أن تشرح طالبة الطب عن الإمكانات التي يجب توافرها لمكافحة الفيروس، «لو يرى الناس ما نراه، لما كان أحد خرج من منزله… عدد هائل من البدلات التي نستخدمها مرّة واحدة، الماسك وحده كلفته 200 دولار، كل هذا مخصص لاستعمال منفرد، وعلينا بعد كل معاينة خلع البدلة بطريقة واقية ومن ثم اللجوء إلى الاستحمام والغسل وهذا مرهق أيضاً».
«نعمل بأقلّ قدرات ممكنة»، يقول أحد الموظّفين في مستشفى الحريري الجامعي، أولئك يعملون بأوقات إضافية غير مدفوعة إلى حينه ومن دون حصولهم كباقي الموظّفين في الدولة على سلسلة الرتب والرواتب. لمحة على الحاجيات كافية لاستنفار الجهات المعنيّة لتأمين حاجات المستشفى: «جُيّرت إمكانات المستشفى إلى القسم المخصص للكورونا، قام العاملون الاختصاصيّون بعمل جبّار لفصله عن المستشفى، ومع ذلك نخاف انقطاع الحاجيات الأساسيّة للاستمرار في مكافحة الفيروس… لدينا ماسك واحد مؤمّن في اليوم، وهو ليس من الماسكات ذات النوعية الواقية تماماً أي الـN95، بعض الحاجيات كالمعقّمات والصابون والمحارم نأتي بها معنا».
«صحيح أن الخوف موجود، لكنّني أفكّر بالرسالة التي تخصّصت لأجلها، هذا التطوّع يفيد المجتمع أكثر من أيّ عمل آخر الآن»، يقول طالب السنة سادسة في الطب في الجامعة اللبنانية وهو ممن تطوّعوا للمناوبة في مستشفى الحريري. «بدأنا نرى أن الناس خرجوا من جوّ المزاح وصدّقوا أنّ ثمة حالات موجودة بيننا، وهذا أمر جيّد، لكنّنا سنرى نتائج الاستهتار في الأسابيع المقبلة». بعد خضوعه لمحاضرات عن كيفية التعامل مع الفيروس والمشكوك بإصابتهم اتّخذ طالب الطب القرار بالتطوّع للمناوبة في قسم الكورونا في المستشفى الحكومي، «في البداية طالبتني والدتي بعدم الذهاب إلى القسم، لكنّها اقتنعت لاحقاً وقالت إنّها فخورة بي!»، ويستطرد: «على الناس التزام الحجر المنزلي، عليهم تصديق حجم الأزمة والعمل معنا على احتوائها».
المصدر: الأخبار