بماذا أخطأ “حزب الله” منذ 17 تشرين حتى اليوم
بعكس باقي القوى السياسية اللبنانية، لا يمكن الحكم على خيارات حزب الله الداخلية وفق معايير ضيقة مرتبطة بعامل الربح الشعبي أو التقدم التكتيكي في صراع السلطة، بالنظر إلى الحزب كمنظمة إقليمية، (وهو كذلك) لها دور راع وفاعل للحراك السياسي والعسكري في عدد غير قليل من دول المنطقة، يصبح الحكم على خياراته الداخلية وتقييمها مرتبطا بالمشهد الإقليمي، وحساب الربح والخسارة معه هو حساب يوضع في سلة واحدة تضمن الأحداث في دول الإقليم كاملة، ومع ذلك يمكن الحديث عن بعض الثغرات أو الأخطاء التي كان يستطيع الحزب تجنبها بالرغم من إعتباراته الواسعة.
منذ اللحظة الأولى لحراك 17 تشرين حتى فتح طريق المطار بالقوة بعد عدّة أيام، كان جمهور “حزب الله” بإيحاء واضح من قيادته جزءًا أساسياً، بل الجزء الأساسي من الإحتجاجات الشعبية، ولعل نواة التحركات التي شكلت كرة الثلج كانت شيعية.
يضع كثر ما حصل أنه كان جزءا من مخطط واضح إتفق عليه كل من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل بالضغط على شركائهم في الدولة والحكومة لأجل أمرين، الأول القيام بالتطبيع مع سوريا رسمياً، وفرض إصلاحات بنيوية في الشأن المالي.
التهيّب الأول لـ”حزب الله” حصل مع الإشارات السياسية التي أرسلها كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية” ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” بالإنسحاب من حكومة الرئيس سعد الحريري ما يهدد بتعطيلها بالكامل، وتالياً إسقاط الأهداف التي أراد حليفا مار مخايل تحقيقها. توجس الحزب وعاد خطوة إلى الوراء، ففتحت طريق المطار بضغط من الحزب وفتحت الطرقات في المناطق الشيعية، تاركاً وراءه فراغاً ملأته سريعاً كوادر المجتمع المدني المدربون والمجهزون لمثل هذه التطورات، كذلك فإن الحزب الإشتراكي أوعز إلى عناصره بالمشاركة بالتحركات ليكونوا مفتاحاً لها في المناطق الدرزية ويمتلكون القدرة على إنهائها عندما يقررون ذلك، وهذا ما فعلته “القوات اللبنانية”.
مشاركة خصوم الحزب في الحراك أثر على خطاب الساحات، الأمر الذي زاد توجسا في حارة حريك، فعمد الحزب إلى خطأ تكتيكي أدى إلى تعرض لبعض عشرات من المعتصمين في النبطية بعد قرار فتح الطريق في المدينة، هذا ما زاد من سوء خطاب الساحات التي إمتلأت بخصوم الحزب.
سرعان ما قام الحزب بأخذ قراره بالإنسحاب من الحراك، “الذي لم يعد يشبهه”، في تلك الفترة بقي إعلام الحزب مؤيداً للحراك والثورة، لكن القرار التنظيمي كان محسوماً: الإنسحاب من الساحات. هنا حصل الخطأ الثالث، عندما زجّ الحزب بمجموعات حزبية بهدف إحداث فرق عددي بعد قرار الإنسحاب فحصل الإشتباك الثاني ليومين متتاليين مع المتظاهرين إنتهى بإنسحاب الحزب من التحركات بعد خطاب نصرالله.
لكن الإشتباكات بين مؤيدين للحزب وحركة “أمل” مع المحتجين لم تنته علماً أن “حزب الله” لم يكن خلفها ولم يكن معها، إلا أن خطأه كان بتجنبه الدخول في لعبة بيانات النفي ورفع المسؤولية عن نفسه في هذه الأحداث، بل قرر الإستمرار في رؤيته الإعلامية القديمة.
بعد سقوط حكومة الحريري، علم الحزب أنه ضحى بجزء من “ماء وجهه” وفق المصطلح الذي إستخدمه نصرالله في خطابه الأول، من أجل لا شيء. فالحريري قرر إسقاط الحكومة التي وقف الحزب ضدّ الحراك من أجلها، لكن في مقابل هذا الأمر تراجع حضور الحراك وبات يترنح بين حدث وآخر، لكن الأكيد أنه إستمر بالحديث بإسم الناس كل الناس، وهنا أخطأ الحزب بأنه لم يقم بإستعراض شعبي حقيقي يظهر مقارنة مع شارع الحراك لسحب هذه الخطاب القوي من يدّ المتظاهرين.
يقول الحزب أنه لم يعمد إلى كل هذه الأمور لأنه ليس ضدّ الحراك، وأنه لا يرغب بمواجهته فعلياً، وأن كل ما في الأمر أنه يرغب بأن يبقى معزولاً عنه في المرحلة الحالية لأسباب كثيرة.
لبنان24