معرض رشيد كرامي… مخيّم برعاية السلطة؟
كتب الصحافي بشير مصطفى في المفكرة القانونية: هل تحوّل الطرابلسيون لاجئين في وطنهم؟ سؤال تبادر إلى الأذهان مع مشهد عشرات العائلات المؤلّفة بغالبيتها من النساء والأطفال تفترش أرض معرض رشيد كرامي الدولي. فهذه العائلات فقدت مساكنها كما تقول، ولم يعد لديها أي إمكانية لتأمين الحد الأدنى من المعيشة.
في ساحة معرض رشيد كرامي وبين الخيم، إزدحمت القصص عن أسباب مغادرة المساكن، فهنا سيدة تضع الحق على الدولة لأنها لم تقف إلى جانبهم، ولم يعد بإمكانهم تأمين مسكن يسترهم حتى لو لم يكن لائقاً، وهناك سيدة أخرى تقول إنّ منزلها إحترق ولم تتمكن من إعادة ترميمه وتحولت هي وعائلتها إلى لاجئين في موطنهم.
المشهد الصادم
شكل مشهد الخيم في معرض رشيد كرامي صدمة لأهالي طرابلس والمحيط في الشمال، فقد إعتادوا على حشود اللاجئين السوريين في منطقة المعرض عند مدخل مقر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين السوريين، ولكنّها المرة الأولى التي تتحوّل باحة المعرض إلى مساحة تفترشها أسر لبنانية فقيرة كما حصل في الأيام الأخيرة. وتنتمي أكثرية الأسر إلى أحياء الميناء الفقيرة مثل “حي التنك” وبعضها جاء من عكار. وقد أجمع الأهالي على أن هذا الأمر نذير شؤم للآتي من الأيام.
حاولت مجموعة من الناشطين يقودهم ربيع زين الدخول إلى فندق الـ”كواليتي إن” الملاصق للمعرض من أجل إيواء الأسر التي لجأت إلى المعرض، وبعد أخذ وردّ مع إدارة الفندق إستقر الأمر على عدم دخولهم إليه.
يلفت الناشط في “حركة المحرومين” يحيى شروك لـ”المفكرة” إلى أنّ عدد العائلات التي تحتاج إلى مساعدة طارئة يبلغ ثماني عائلات لا تملك أي مأوى وهي بحاجة إلى مساعدات طارئة. ويناشد شروك عبر “المفكرة” الجمعيات والمؤسسات الإنسانية المبادرة لتقديم مساعدات غذائية لهذه العائلات لأنها لا تملك قوت يومها وغالبية أفرادها من النساء والأطفال.
البلدية تتحرك
على إثر انتقال الأسر إلى معرض رشيد كرامي، تحرّكت البلدية لإيجاد حل مؤقت لإيواء العائلات التي جاءت من أحياء مختلفة. ويؤكد رئيس بلدية طرابلس دكتور رياض يمق لـ”المفكرة” أنّ “مبادرة البلدية إنطلقت من خلفية إنسانية. فقبل البحث في خلفية تلك العائلات وقيودها والكشف على مساكنها، يجب تأمين مسكن ومأوى للعائلات المشردة”. ويشبّه يمق طريقة معالجة القضية بعمل الطبيب، ففي حالات الطوارئ يقدّم الإسعافات الأولية قبل أي إجراءات تحقيق تجريها الأجهزة الرسمية.
وفي ساعات المساء، تقرر نقل الأسر مؤقتاً إلى فندق قديم في منطقة التل خلف “مقهى فهيم”، ريثما يتم الكشف على منازلهم والتحقق من أوضاعها.
أنقذوا المعرض
لم يمرّ انتقال العائلات الفقيرة إلى المعرض، آخر فرص التنمية في طرابلس، من دون أن يطرح ناشطون وشخصيات بارزة في طرابلس علامات استفهام حوله. ومن بين هؤلاء القاضي السابق في محكمة التمييز نبيل صاري، الذي شكك في حديث إلى “المفكرة” “في احتمال وجود نوايا لدى جماعات محسوبة على الأجهزة إستجلبت عائلات من بيوتها لوضعها في المعرض وضربه، وإستغلال عوز الناس لضرب الحراك. وأعرب صاري عن رفضه تحويل المعرض إلى نواة لعشوائيات ومخيمات تبدأ بالخيم، ومن ثم الصفيح، وبعدها يتم إستغلال الفوضى للإستعانة بالباطون والخفان.
يذهب الرئيس صاري إلى أبعد من ذلك، فبرأيه “لدى السلطة هدف وغاية من بعض التحركات لتشويه صورة طرابلس ومنعها من النهوض. لذلك فهم يسعون إلى ضرب المعرض وإحتلاله عبر أعوانهم، كذلك الفندق الوحيد المنتمي إلى فئة الأربع نجوم والذي يمكن أن يستقبل المؤتمرات الدولية والمناسبات الكبرى، كما أن أنشطة المنطقة الإقتصادية الخاصة في طرابلس تحتاج إلى المعرض والفندق لإنجاز أعمالها وإستقبال الخبراء”.
لا يعتقد صاري أنّ قانون الإيجارات هو الوحيد المسؤول عن أزمة السّكن في المنطقة، مشيراً إلى أن أصل المشكلة يكمن في غياب هيبة الدولة المركزية وفاعليتها، وعدم أخذ التشريعات الشق الإجتماعي في عين الإعتبار. وبالتوازي، يتساءل ناشطون حقوقيون عن مصير صندوق دعم المستأجرين الذي أقرّه المشرع في قانون الإيجارات الجديد لمساعدة العائلات غير القادرة على تسديد الإيجارات.
في المحصلة، رغم كل الخلافات حول تقييم مشهد خيم المعرض إلّا أنه ينذر بمرحلة جديدة لن تبقى فيها صرخات الفقر حبيسة الجدران الأربعة بل ستخرج شاهرة سيوفها.